«إنّ فاطمة حرّم اللَّه ذُرِّيَّتَهَا على النّار»
السؤال: هل صحيحٌ أنَّ ذُريَّة فاطمة الزهراء (ع)، لا تمسَّهم النار؟ كما يروى في الأخبار: «إنّ فاطمة حرّم اللَّه ذُرِّيَّتَهَا على النّار»
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم - أيدك الله - قد روى كلٌّ من الفريقين: الخاصَّة والعامَّة، في مصادرهم الحديثيَّة أحاديث تفيد هذا المعنى، ومن الضروري عقد الكلام في أمرين:
الأول: ألفاظ الحديث:
رُوي الحديث بألفاظٍ متعدّدةٍ تدلُّ على تحريم ذرّيَّتُها على النار وإليك النصوص:
1ـ إنَّما سُمِّيت فاطمة لأنَّها فُطِمت هي و ذرّيَّتُها من النار:
روى الطبريُّ والطوسيُّ بالإسناد عن الإمام الرضا (عليه السلام)، عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)، قال: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «إنَّما سُمّيت فاطمة لأنَّها فُطِمت و ذرّيَّتُها من النار» [دلائل الإمامة ص148، الأمالي ص570].
ورواه الحاكم والمحبُّ الطبريُّ بالإسناد عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لفاطمة: يا فاطمة، تدرين لم سُمِّيتِ فاطمة؟ قال عليٌّ: يا رسول الله، لم سُمّيَتْ فاطمة؟ قال: إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد فطمها وذرّيَّتَها عن النار يوم القيامة» [فضائل فاطمة ص 58، ذخائر العقبى ص26].
2ـ إنَّ فاطمة أحصَنت فرجَها، فحرّم الله ذرّيَّتَها على النار:
روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إنَّ فاطمة أحصَنَت فرجَها، فحرَّم الله ذرّيَّتها على النار» [عيون أخبار الرضا ج2 ص68].
ورواه الصدوق والراونديُّ عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) [معاني الأخبار ج1 ص107، الخرائج ج1 ص281].
ورواه من العامَّة البزَّار، والحاكم، وأبو نعيم، وابن عساكر، وابن شاهين بالإسناد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «إنَّ فاطمة أحصَنَت فرجَها، فحرّم الله ذرّيَّتَها على النار» [المسند ج5 ص223، المستدرك ج3 ص165، فضائل فاطمة ص164، حلية الأولياء ج4 ص188، معرفة الصحابة ج6 ص3188، تأريخ دمشق ج63 ص30، فضائل فاطمة الزهراء ص10].
قال الحاكم في المستدرك: (هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه).
وقال المناويُّ: (رواه الحاكم وأبو يعلى والطبرانيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ، لكن عضده في رواية البزَّار له بنحو. وبه صار حسناً) [إتحاف السائل ص60].
ورواه الطبرانيّ بإسناده عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ فاطمة حصَّنت فرجَها، وإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أدخلها - بإحصان فرجها - وذرّيَّتَها الجنة» [المعجم الكبير ج3 ص41].
ورواه ابن شاهين بالإسناد عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) [فضائل فاطمة الزهراء ص25].
3ـ قد حرَّم الله تعالى النار على لحم فاطمة (ع) ودمِها وشعرِها وعصبِها وعظمِها وذرّيَّتِها وشيعتِها:
روى فرات الكوفيُّ والطبريُّ بالإسناد عن سلمان قال: «أتيتُ ذات يومٍ منزل فاطمة (عليها السلام) - في حديثٍ إلى أنْ قال: قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : والذي بعثني بالرسالة واصطفاني بالنبوَّة، قد حرَّم الله تعالى النار على لحم فاطمة ، ودمِها وشعرِها وعصبِها وعظمِها وذرّيَّتِها وشيعتِها » [تفسير فرات ص 169، دلائل الإمامة ص57].
ورواه ابن حمزة الطوسيّ عن أنس، قال: «سألني الحجَّاج بن يوسف عن حديث عائشة وحديث القدر التي رأت فاطمةَ بنتَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي تحرّكُها بيدها، قلتُ: نعم، أصلح الله الأمير، دخلتْ عائشةُ على فاطمةَ (عليها السلام) وهي تعمل للحسن والحسين (عليهما السلام) حريرةً بدقيقٍ ولبنٍ وشحمٍ في قدر، والقدر على النار يغلي، وفاطمةُ (صلوات الله عليها) تحرّك ما في القدر بإصبعها، والقدر على النار يبقبق ، فخرجت عائشةُ فزعةً مذعورةً ، حتى دخلتْ على أبيها، فقالت: يا أبه ، إنّي رأيتُ من فاطمةَ الزهراء أمراً عجيباً، رأيتُها وهي تعمل في القدر، والقدر على النار يغلي، وهي تحرّك ما في القدر بيدها ! فقال لها: يا بُنية، اكتُمِي، فإنَّ هذا أمرٌ عظيمٌ.
فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنَّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار، والذي بعثني بالرسالة واصطفاني بالنبوة، لقد حرَّم الله تعالى النار على لحمِ فاطمة ودمِها وشعرِها وعصبِها، وفطم من النار ذرّيَّتَها وشيعتَها» [الثاقب في المناقب ص294].
4ـ إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) غير معذّبك ولا ولدك:
روى الطبرانيُّ والمقدسيُّ بالإسناد عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص) لفاطمة: «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) غير معذبكِ ولا ولدك» [المعجم الكبير ج11 ص263، الأحاديث المختارة ج12ص132]. قال الهيثميّ: (رواه الطبرانيّ، ورجاله ثقات) [مجمع الزوائد ج9 ص202].
والثاني: دلالة الحديث:
إنّ مقصود الذين لا تمسَّهُم النار من ذُريَّة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هم أولئك الذين وُلِدوا منها مباشرةً دون أيَّة واسطة، وقد عقد الشيخ الصدوق في كتاب معاني الأخبار باباً بعنوان: (معنى ما روى أنَّ فاطمة أحصنت فرجها فحرَّم الله ذرَّيتها على النار)، وذكر فيه أخباراً عن الإمام الصادق والرضا (عليهما السلام).
وقد جاء تفسير ذلك في أخبار جملةٍ من المعصومين في مصادر الفريقين، وهم:
1ـ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام):
روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن مروان، قال: «قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) هل قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ فاطمة أحصَنَت فرجَها فحرَّم الله ذرّيَّتَها على النار؟ قال :نعم ، عنى بذلك الحسن والحسين وزينب وأمَّ كلثوم».
وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن حماد بن عثمان ، قال : «قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام ): جُعِلتُ فداك ، ما معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إنَّ فاطمة أحصنَتْ فرجَها فحرَّم الله ذرّيَّتَها على النار "؟ فقال: المعتقون من النار هم ولدُ بطنها: الحسن، والحسين، وزينب، وأمُّ كلثوم» [معاني الأخبار ج1 ص107].
ونقل ابن أبي الحديد عن رجلٍ قال لجعفر بن محمد (عليهما السلام): «أرأيتَ قوله (صلى الله عليه وسلم): إنَّ فاطمة أحصَنَت فرجَها فحرَّم الله ذرّيَّتَها على النار، أليس هذا أماناً لكلِّ فاطميٍّ في الدنيا؟ فقال: إنَّك لأحمق! إنّما أراد حسناً وحسيناً، لأنَّهما من لحمِهِ أهل البيت، فأما من عداهما فمن قعد به عملُهُ لم ينهض به نسبُه» [شرح نهج البلاغة ج١٨ ص٢٥٢].
2ـ الإمام علي بن موسى الرضا (ع):
روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الحسن بن موسى الوشَّاء البغداديّ، قال: «كنتُ بخراسان مع عليِّ بن موسى الرضا (عليهما السلام) في مجلسه، وزيدُ بن موسى حاضرٌ قد أقبل على جماعةٌ في المجلس يفتخر عليهم ويقول: نحن ونحن! وأبو الحسن (عليه السلام) مُقبلٌ على قومٍ يحدّثهم فسمع مقالة زيدٍ فالتفتَ إليه فقال :يا زيد، أغرَّك قولُ بقالي الكوفة: إنَّ فاطمة أحصَنَتْ فرجَها فحرَّم الله ذرّيَّتَها على النار ؟ والله ما ذلك إلَّا للحسن والحسين وولد بطنها خاصَّة، فأمَّا أنْ يكون موسى بن جعفر (عليهما السلام) يطيع الله، ويصوم نهاره ويقوم ليله، وتعصيه أنت ثم تجيئان يوم القيامة سواء لأنت أعزُّ على الله (عزَّ وجلَّ) منه! إنَّ علي بن الحسين (عليهما السلام) كان يقول: لمُحسِنِنا كفلانِ من الاجر، ولمسيئنا ضعفانِ من العذاب..» [معاني الأخبار ج1 ص107، عيون أخبار الرضا ج2 ص257].
وروى نحوه الشيخ الصدوق بإسنادٍ صحيحٍ عن ياسر الخادم عن الإمام الرضا (عليه السلام) [ينظر: عيون أخبار الرضا ج2 ص260].
ورواه أيضاً جمعٌ من العامة:
فمِن ذلك ما ذكره الزمخشريُّ في ترجمة زيد النار أخي الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: «فقال له: يا زيدُ، لعلَّه سرّك قول أهل دار البطيخ بالكوفة: إنَّ فاطمة أحصَنَتْ فرجَها فحرَّم الله ذرّيَّتَها على النار، أتدري لمن ذلك؟ إنّما هو للحسن والحسين، والله يا زيد لئن كانا بطاعتهما وطهارتهما يدخلانِ الجنَّة، وتدخلها أنت بمعصيتك، إنَّك لخيرٌ منهما» [ربيع الأبرار ج2 ص110].
ونحوه ذكر سبط ابن الجوزي في ترجمة الإمام الرضا (عليه السلام) [ينظر: مرآة الزمان ج13 ص389].
3ـ الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام):
روى أبو نعيم، والخطيب بالإسناد عن جعفر بن محمد بن مزيد، قال: «كنتُ ببغداد، فقال لي محمد بن منده بن مهربزذ: هل لك أنْ أُدخلك على ابن الرضا؟ قلتُ: نعم، قال: فأدخلني، فسلَّمنا عليه وجلسنا، فقال له: حديث النبي (ص) أنَّ فاطمة أحصَنَت فرجَها، فحرَّم الله ذرّيَّتَها على النار. قال: خاصٌّ للحسن والحسين» [تاريخ أصبهان ج2 ص177، تأريخ بغداد ج4 ص88].
نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولاً وآخراً
اترك تعليق