هل هناك رواية(صحيحة السند) تصرِّح بظلامة الزهراء(عليها السلام)؟

السؤال: هل تُوجد رواية (صحيحة السند) عند الشيعة أو السنة تُصرِّح بظلامة السيِّدة الزهراء (عليها السلام) أم لا؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

من الواضح لمن تابع الأخبار عندنا وعند العامَّة يجدها قد تجاوزت التواتر في إثبات ظُلامة الصدِّيقة الزهراء (عليها السلام)، ويكفينا شاهداً على صدق ذلك ما جُمع في بعض المؤلَّفات الخاصَّة، ككتاب مأساة الزهراء، وغيره.

هذا، وقد صرَّح السيِّد جعفر مرتضى العامليّ(قدِّس سرُّه) بتواتر الأخبار الدالَّة على ذلك، فقال ما هذا نصُّه:(هناك روايات كثيرة واردة عن المعصومين تصرِّح بمظلوميّة الزهراء (عليها السلام) فيما يرتبط بالهجوم على بيتها، وقصد إحراقه، بل ومباشرة الإحراق بالفعل، ثمَّ ضربها وإسقاط جنينها، وسائر ما جرى عليها في هذا الهجوم، وهي روايات متواترة) [مأساة الزهراء ج2 ص31].

وقال الميرزا التبريزيّ(قدِّس سرُّه): (وأمَّا ما جرى عليها من الظلم فهو متواتر إجمالاً، فإنَّ خفاء قبرها (عليها السلام) إلى يومنا هذا، ودفنها ليلاً بوصيّة منها شاهدان على ما جرى عليها بعد أبيها) [صراط النجاة ج3 ص440].

وبناءً على هذا، فإذا تحقّق التواتر في هذه المسألة، فقد تحقّق العلم واليقين فيها، ومع حصول العلم فلا داعي للمُطالبة بسندٍ (صحيح)، لكونه لا يعدو عن الظنّ المعتبر، وهل يُقارن العلم بالظن؟!

ومع هذا، فسوف نذكر للأخ السائل بعض الروايات الصحيحة عندنا وعند العامَّة، فمن تلك الروايات، ما يلي:

أوَّلاً: ما رواه الكليني في الكافي عن محمَّد بن يحيى، عن العمركي بن عليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال: إنَّ فاطمة (عليها السلام) صدِّيقة شهيدة وإنَّ بنات الأنبياء لا يطمثن [الكافي ج1 ص ٤٥٨].

وسند هذه الرواية (صحيح)، لوثاقة جميع رجاله، وقد صرَّح بصحَّته أيضاً جملة من أعلامنا، منهم:

1ـ العلَّامة المجلسيّ(طاب ثراه)، عند تعليقه على الحديث ونصُّه: (الحديث الثاني: صحيح) [مرآة العقول ج5 ص 315].

2ـ والميرزا التبريزيّ(طاب ثراه)، ونصُّه: (لما نُقل عن عليّ (عليه السلام) من الكلمات في الكافي باب مولد الزهراء (عليها السلام) من كتاب الحجَّة...إلى قوله: والحديث الثاني من نفس الباب بسندٍ معتبرٍ عن الكاظم (عليه السلام) قال: إنَّ فاطمة (عليها السلام) صدِّيقة شهيدة، وهو ظاهر في مظلوميّتها وشهادتها) [صراط النجاة ج3ص440].

ثانياً: ما رواه المحدِّث الطبريّ في الدلائل، عن أبي الحسين محمَّد بن هارون بن موسى التلعكبريّ، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثني أبو عليّ محمَّد بن همام بن سهيل (رضي الله عنه)، قال: روى أحمد بن محمَّد بن البرقيّ، عن أحمد بن محمَّد الأشعريّ القمِّيّ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمَّد (عليه السلام) قال: ولدتْ فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة، يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، وأقامتْ بمكَّة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوماً. وقبضتْ في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان سببُ وفاتها أنَّ قنفذاً مولى [الثاني] لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطتْ محسناً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممّن آذاها يدخل عليها، وكان الرجلان من أصحاب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) سألا أمير المؤمنين أنْ يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأجابت، فلمَّا دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يا بنت رسول الله؟ قالت: بخير، بحمد الله. ثمَّ قالتْ لهما: ما سمعتما النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة منّي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله؟ قالا: بلى. قالتْ: فو الله، لقد آذيتماني. قال: فخرجا من عندها وهي ساخطةٌ عليهما.[دلائل الإمامة ص134].

وسند هذه الرواية (معتبر) من الناحية الرجاليّة، وقد صرَّح باعتباره أيضاً جملة من أعلامنا، منهم:

1ـ العلَّامة المامقانيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: (وأمَّا وفاتها (سلام الله عليها)، فالأقوال والأخبار فيها مختلفة جدَّاً في أنفسها...إلى قوله (رحمه الله): وعن دلائل الإمامة لمحمَّد بن جرير الطبريّ الإمامي‌ّ مسنداً بسندٍ قويّ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنَّها قُبضتْ في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء...الخبر)[مرآة الكمال ج3 ص276].

2ـ المحدِّث القمِّيّ (طاب ثراه)، ونصُّه: (اختلفت الأقوال في مدَّة مكث فاطمة (صلوات الله عليها) بعد وفاة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)...إلى قوله(رحمه الله): روى محمَّد بن جرير الطبريّ الإماميّ بسندٍ معتبر عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قبضت فاطمة عليها السلام في جمادى الآخرة...الخبر) [بيت الأحزان ص204].

3ـ المرجع التبريزيّ(طاب ثراه)، ونصُّه:(أمَّا ما جرى عليها من الظلم فهو متواتر إجمالاً، فإنَّ خفاء قبرها (عليها السلام) إلى يومنا هذا، ودفنها ليلاً بوصيّةٍ منها شاهدان على ما جرى عليها بعد أبيها...إلى قوله(رحمه الله): عن دلائل الإمامة للطبريّ بسندٍ معتبر عن الصادق (عليه السلام): وكان سبب وفاتها أنَّ قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً) [صراط النجاة ج3 ص440].

4ـ السيِّد جعفر العامليّ(قدِّس سرُّه)، ونصُّه: (وسند الرواية صحيح) [مأساة الزهراء ج2 ص62].

وثالثاً: وما رواه المحدِّث ابن أبي شيبة ـ من العامَّة ـ عن محمَّد بن بشر، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم قال: (أنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) كان عليٌّ والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلمّا بلغ ذلك [الثاني] خرج حتَّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم)، والله ما من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك أنْ أمرتهم أنْ يحرَّق عليهم البيت. قال: فلما خرج [الثاني] جاؤوها، فقالت: تعلمون أنَّ [الثاني] قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرّقنّ عليكم البيت، وأيم الله ليمضينّ لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فرأوا رأيكم ولا ترجعوا إليَّ، فانصرفوا عنها، فلم يرجعوا إليها) [المصنَّف ج21 ص143].

وسند هذه الرواية (صحيح)، لوثاقة جميع رجاله، وقد صرَّح بصحّته جملة من محقّقيهم، منهم:

1ـ محقق كتاب المصنَّف، الدكتور سعد بن ناصر الشثريّ إذْ قال عنه: (صحيح) [لاحظ المصنَّف ج21 ص143].

2ـ المحقق الشيخ خالد بن قاسم الردّاديّ إذْ قال عنه: (إسناده صحيح) [يُنظر: المذكِّر والتذكير والذكر للشيبانيّ ص91].

رابعاً: وما رواه المحدِّث ضياء الدين المقدسيّ ـ من العامَّة ـ عن أبي الفخر أسعد بن سعيد بن محمود الأصبهانيّ - قراءة ونحن نسمع بأصبهان - قيل له: أخبرتكم فاطمة بنت عبد الله الجوزدانيّة - قراءة عليها وأنت تسمع - عن محمَّد بن عبد الله بن زيد، عن أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيّ، عن أبي الزنباع روح بن الفرج المصريّ، عن سعيد بن عفير، حدَّثني علوان بن داود البجليّ، عن حُميد بن عبد الرحمن بن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن صالح بن كيسان، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: (دخلت على أبي بكر...‌أعوده ‌في ‌مرضه الذي توفّي فيه، فسلَّمت عليه، وسألته: كيف أصبحت؟ فاستوى جالساً. فقلتُ: أصبحتَ بحمد الله بارئاً، فقال: أما إنّي على ما ترى وجعٌ، وجعلتم لي شغلاً مع وجعي...ثمَّ قال: أما إنّي لا آسى على شيءٍ إلَّا على ثلاث فعلتهنّ، وددتُ أنّي لم أفعلهنّ، وثلاث لم أفعلهنّ، وددت أنّي فعلتهن، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم) عنهن.

فأمَّا الثلاث اللاتي وددتُ أنّي لم أفعلهنّ: فوددتُ أني لم أكن كشفت بيت فاطمة أو تركته، وأنْ أغُلق على الحرب، وددتُ أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: أبو عبيدة أو عمر، فكان أمير المؤمنين وكنت وزيراً. ووددتُ أنّي حيث كنت وجَّهت خالد بن الوليد إلى أهل الردَّة أقمت بذي القصَّة، فإنْ ظفر المسلمون ظفروا، وإلَّا كنت ردءاً ومدداً، وأمَّا اللاتي وددت أنّي فعلتها: فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث أسيراً ضربت عنقه، فإنّه يخيَّل إليَّ أنّه لا يكون شرٌّ إلَّا طار إليه، ووددت أنّي يوم أتيت بالفجاءة السلميّ لم أكن أحرقته، وقتلته سريحاً، أو أطلقته نجيحاً، ووددت أنّي يوم حيث وجَّهت خالد بن الوليد إلى الشام، وجَّهت عمر إلى العراق، فأكون قد بسطت يدي: يميني وشمالي في سبيل الله (عزَّ وجلَّ)...إلى أنْ قال: قلتُ: وهذا حديثٌ حسنٌ، عن أبي بكر) [الأحاديث المختارة ج1ص88].

والنتيجة المتحصَّلة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ روايات الظلامة قد بلغت حدَّ التواتر المفيد للعلم، مع وجود ما هو صحيح في حدِّ نفسه.. والحمد لله ربِّ العالمين.