هل اللعن في زيارة عاشوراء ثابتٌ؟

السؤال: هل عبارة: «اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي وَأَبْدأْ بِهِ أَوَّلاً ثُمَّ الْعَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ...الزيارة» الواردة في زيارة عاشوراء صحيحة، إذْ إنَّ بعض المعاصرين يشكّك في صحَّتها، فما رأيكم بذلك؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم

بداية ـ عزيزي السائل ـ لابأس بأنْ نُلفت عنايتكم إلى جوابٍ لمركزنا تحت عنوان (صحَّة زيارة عاشوراء)، حيث ذُكر فيه عدَّة وجوهٍ لإثبات صحَّة زيارة عاشوراء المشهورة، كما يُمكنكم مراجعة ما كُتب تحت عنوان (هل زيارة عاشوراء قدسيَّة إلهيَّة؟)، حيث أُثبت فيه كونها من الأحاديث القدسيَّة.

إذا بان هذا، فنقول: ادَّعى بعض المعاصرين أنَّ فقرة: «اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي ... الزيارة» لم تكن من أصل الزيارة المرويَّة في مصباح المتهجِّد للشيخ الطوسيّ (طاب ثراه)، وإنَّما أُدرجت فيما بعد، بذريعة أنَّ النسخ الخطيَّة الأوَّليَّةَ خاليةٌ من ذلك، مما يعني أنَّها مُدرجة في متن الزيارة بعد ذلك.

وبما أنَّ الجواب عن مثل هذا يحتاج إلى بسطٍ وكلامٍ كثير، نكتفي بذكر بعض الردود التحقيقيَّة على ما ذُكر من الإشكال، مع الإحالة على المصادر المؤلَّفة في هذا الشأن لمن يرغب في الزيادة والتوسُّع.

وكيف كان، ينبغي الكلام في مقامين:

المقام الأوَّل: في بيان بطلان ما استند إليه صاحب الشبهة، من دعوى عدم وجودها في النسخ الخطِّية القديمة.

وقد تكفَّل بتحقيق هذا الأمر سماحة الشيخ يوسف السلطان الإحسائيّ (حفظه الله) حيث تعرَّض لذكر النسخ الخطَّيَّة التي ذكرها صاحب الشبهة بالنقاش المطوَّل الذي أبان فيه عدم صحَّة ما ذهب إليه المستشكل، مع بيان الأخطاء الكثيرة والجسيمة التي وقع فيها، وإليك خلاصة ما قاله في هذا المجال.

قال (حفظه الله): (في الأخير طالَعَنا [يعني صاحب الشبهة] ببحثٍ جديدٍ حول النسخ الخطَّية لمصباح المتهجد الكبير، ولاحظتم أعزائي مدى الإخفاقات الكبيرة التي وقع فيها ضمن هذا البحث، والمفارقات العجيبة التي صدرت منه، واللا موضوعيَّة في البحث التي ظهرت ملامحها بشكلٍ فاقعٍ على كلماته لمن أمعن النظر قليلاً وتخلَّى عن روح العصبيات التي منينا بها في العقود الأخيرة، وأصبحت عائقاً أمام إظهار الحقائق الحقَّه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثمَّ إنَّه لا يخفى على المنصِف الحصيف والمدقق اللبيب أنَّ ما ذكره في شأن النسخ الخطَّيَّة في محاضراته المذكورة في غاية الضعف العلميِّ والبحث الموضوعيِّ، فلا تكاد ترى صفحةً تمرُّ من محاضراته إلَّا وتجدها مليئةً بالأخطاء العلميَّة، فضلاً عن الأخطاء الفنيَّة التي ملأت صفحات تلك المحاضرات، وما ذكرناه وركَّزنا الكلام عليه إنما هو الشيء البارز وإلَّا فهناك أمورٌ كثيرةٌ غضضنا الطرف عنها صفحاً، ورعاية للوقت الثمين) [الرد الصغير ص320].

المقام الثاني: في بيان أنَّ النسخ الخطَّيَّة المعتبرة لكتاب المصباح مشتملةٌ على الفقرات المذكورة في السؤال.

وقد تكفَّل بتحقيق هذا الأمر بعض الأعلام والمحققين، نذكر منهم ما قاله سماحة آية الله الشيخ مُسلم الداوريُّ (دام ظلُّه)، ونصُّه: (إنَّ هناك عدَّة نسخٍ خطَّيَّةٍ معتبرةٍ للمصباح تعود إلى عصر المؤلِّف (قدِّس سرُّه) مشتملةٍ على هذه الزيارة مع تمام فصولها، والتي منها ما ذكر في الشبهة.

1ـ منها: نسخة غياث الدين الاستراباديّ.

وهي المحفوظة في مكتبة السيِّد البروجرديّ برقم (٩٣)، وهي نسخةٌ معتمدَةٌ كانت في ملكيَّة المولى أحمد بن الحاجيّ محمَّد البشرويّ التونيّ، المتوفَّى ١٠٨٣ هـ، حيث قام بالمقابلة على نسخةٍ كانت لديه إلى أنْ تنتهي المقابلة إلى نسخة الشيخ الطوسيّ، صاحب كتاب (مصباح المتهجِّد) ... إلى قوله (دام ظلُّه): وبهذا كلِّه يتبيَّن: أنَّ نسخة غياث الدين الاستراباديّ من أصحِّ النسخ، باعتبارها أقرب النسخ إلى نسخة المصنِّف وأوثقها.

2ـ ومنها أيضاً: نسخة أبي الجود.

وهي المحفوظة في مكتبة السيِّد المرعشيّ العامَّة في قم، برقم (٦٨٣٧)، وهي نسخةٌ خطَّيَّةٌ قديمةٌ ونفيسةٌ ومصحَّحةٌ ومعتبرةٌ، ترجع بالمقابلة مع نسخة المؤلِّف.

كتب على ظهر الجزء الأوَّل منها إجازة رواية الكتاب من السيِّد حيدر بن محمَّد بن زيد بن محمَّد بن محمَّد بن عبد الله الحسينيّ للشيخ ربيب الدين الحسن ابن محمَّد بن يحيى بن علي بن أبي الجود ابن بدر بن درياس، في جمادى الأولى سنة ٦٢٩ هـ، والمجيز يروي عن شيخه رشيد الدين أبي جعفر محمَّد بن علي بن شهر آشوب السرويّ، عن جدِّه شهر آشوب، عن الشيخ أبي جعفر الطوسيّ (رحمه الله) ... إلى قوله (دام ظلُّه): وبعد هذا يتبيَّن أنَّ هذه النسخة قيِّمةٌ ونفيسة ٌجدَّاً ومعتمدَةٌ؛ لأنَّها تمتاز بصحَّة انتسابها إلى المصنِّف بالإجازة المكتوبة على ظهرها، المتَّصلة بالمصنِّف عن طريق ثُلَّة من أجلَّاء الطائفة وأعيانهم.

3ـ ومنها: نسخة السيِّد ابن طاووس.

والتي ينقل عنها في كتابه (مصباح الزائر) حيث إنَّه يعترف ـ ضمناً ـ باشتمالها على الفقرة المذكورة. نعم، ذكر (قدِّس سرُّه): أنَّ النسخة التي عنده لـ(المصباح الكبير) فاقدةٌ لخصوص الفصلين اللذين يكرَّران مائة مرَّة. وهنا نذكر عبارة السيِّد ابن طاووس (قدِّس سرُّه) المتقدِّمة كي يحصل الاطمئنان للقارئ الكريم‌ بعدم صحَّة ما قاله المستشكل،‌ وقراءته الخاطئة لكلام السيِّد ابن طاووس (قدِّس سرُّه) حيث إنَّه ذكر في كتابه (مصباح الزائر) ما هذا نصُّه: (قال عليُّ بن موسى بن جعفر بن محمَّد بن طاووس: هذه الرواية نقلناها بإسنادها من المصباح الكبير، وهو مقابل بخطِّ مصنِّفه (رحمه الله)، ولم يكن في ألفاظ الزيارة الفصلان اللذان يكرَّران مائة مرَّة، وإنَّما نقلنا الزيارة من المصباح الصغير، فاعلم ذلك). والحاصل: أنَّ‌ الفقرات بتمامها موجودةٌ في ثلاث نسخ خطِّيَّة معتبرةٍ، معاصرة مع نسخة (المصباح الكبير).

وعدم وجودها في النسخة الموجودة في المكتبة الرضويَّة ـ التي لا تخلو من تشويشٍ من شطبٍ أو تبديل الفقرة الأولى بما يكون مورداً للإشكال، وهي مقطوعة الاتِّصال بمؤلِّفها ـ لا يوجب القول: بأنَّها وردت تزويراً، بل يحتمل سقوطها من تلك النسخة لـ(المصباح الكبير)، وقد نقلها صاحب (المزار القديم)، وكذلك ابن المشهدي في (مزاره)، وكذلك رواها الحلِّي وابن طاووس، وهم قريبو العهد بزمان الشيخ. ثمَّ من بعدهم الشهيد، والشيخ البهائي، والعلَّامة المجلسي، وإبراهيم الكفعمي، والشيخ عبد الله البحراني وغيرهم، فكيف يقال: بأنَّ هذه الفقرات وردت في الزيارة تزويراً) [زيارة عاشوراء تحفة من السماء ص142 ـ 160، بتصرُّف].

كما وأشار سماحة المرجع الدينيُّ الراحل الميرزا جواد التبريزيُّ (طاب ثراه) إلى جملةٍ من النسخ الخطَّيَّة المعتبرة وبيان مزاياها وأهميتها أيضاً. [يُنظر: زيارة عاشوراء فوق الشبهات ص150].

هذا، وقد أجاب سماحة المرجع الدينيُّ الكبير الشيخ بشير حُسين النجفيُّ (دام ظلُّه) عن سؤالٍ وجِّه إليه بخصوص الزيارة والمقطع المذكور في السؤال، فقال: (زیارة عاشوراء مُعتبرة نثبت ذلك بالطرق الفنیَّة العلمیَّة ونلتزم بها، وندعو الناس إلى الالتزام بها بما فیها المقطع المذكور، وقد وجدتُ هذا المقطع في النسخ القديمة لمصباح المتهجِّد للشيخ الطوسيّ، وتاريخه أقدم من تاريخ النسخة التي أُدّعي أنَّها خالیَّة من هذا المقطع) [الشعائر الحسينيَّة ص199].

والمتحصَّل ـ إلى الآن ـ أنَّ ما ذكره صاحب الشبهة غيرُ تام، وأنَّ النسخ المعتبرة لكتاب المصباح مشتملةٌ على الفقرات المذكورة. على أنَّ بإمكان الراغب في التوسُّع في هذه المسألة مراجعة ما كتبه الشيخ يوسف الإحسائي (حفظه الله) في كتابيه (المداخلات الكاملة في ردِّ مدَّعي التزوير على زيارة عاشوراء المتداولة)، ومختصره المسمَّى (الرد الصغير على مدَّعي التزوير)، فإنه استوفى الكلام في ذلك، فلله درُّه وعليه أجره.

والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ذلك أنَّ الفقرات المذكورة في السؤال من صميم الزيارة الشريفة، كما صار واضحاً .. والحمد لله ربِّ العالمين.