حبابة الوالبية وقصَّتها مع الأئمَّة (ع)
السؤال: من هي حَبَابَة الوالبيَّة، وما هي قصَّتها مع الأئمَّة (عليهم السلام)؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
هي أمُّ الندى، حَبَابَة بنت جعفر الأسديَّة الوالبيَّة، من النساء الروايات للحديث الشريف، وقد عاصرتْ عدداً من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)، كما تُظهر ذلك المصادر الحديثيَّة المعتمدة، وتُعد حَبَابَة من النساء الممدوحات، ومن اللواتي يرجعن لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)، كما ورد في بعض الأخبار الشريفة.
قال العلَّامة المامقانيُّ (طاب ثراه): (حَبَابَة: بالحاء المهملة المفتوحة وبائين موحَّدتين بينهما ألف وبعدهما هاء. والمشهور على الألسن ـ عموماً ـ هو تشديد الباء الأولى. والظاهر أنَّه من الأغلاط المشهورة، لصراحة عبارة القاموس في تخفيفها .... إلى أنْ قال (طاب ثراه): والوالبيَّة بكسر اللَّام والباء الموحَّدة مؤنَّث الوالبيّ .... إلى قوله: عدَّها الشيخ (رحمه الله) في رجاله من أصحاب الحسن (عليه السلام)، وعدَّها في رجاله ابن داوود من أصحاب الحسن والحسين والسجَّاد والباقر (عليهم السلام)، وليته ألحق بهم الصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام)، وبدأ بأمير المؤمنين (عليه السلام) حيث أنَّها أدركته، وهو أوَّل من طبع لها الحصى، وعاشت إلى زمان الرضا (عليه السلام) .... إلى قوله: قال في التكملة: وهذا يدلُّ على علوِّ شأنها، وجلالتها فوق العدالة والوثاقة .... إلى قوله: ثمَّ إنِّي أقول: أوَّلاً: أنَّ الشيخ (رحمه الله) روى في كتاب الغيبة أنَّ الرضا (عليه السلام) كفَّنها في قميصه، وهذا فضلٌ آخرُ لها، وثانياً: أنَّه بالنَّظر إلى القضية المذكورة ونحوها، تضمَّنت زيارة اليوم السابع عشر من ربيع الأوَّل ـ الذي هو يوم مولد النبي (صلَّى الله عليه وآله) لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ قوله: السلام على خاتم الحصاة. وثالثاً: أنَّ عُمْر حَبَابَة ـ على ما تضمَّنته الرواية ـ من خوارق العادات؛ لأنَّها كانت في بدو إمامة السجَّاد (عليه السلام)، وهي سنة الإحدى وستَّين وعمرها مائة وثلاث عشرة سنة، وقد عمَّرت بعد ذلك إلى زمان إمامة الرضا (عليه السلام) وهي سنة المائة والثَّمانين وثلاث أو ست أو تسع سنين، وذلك مائة وثلاث أو ست أو تسع وعشرين سنة، فيكون مجموع عمرها مائتين وست أو تسع وثلاثين أو اثنتين وأربعين سنة، وما ذلك على الله تعالى بعزيز، فإنَّ من أطاعه حقَّ طاعته يجعله مثله، فإذا أشار إلى العجوزة اليفنة أم مائة وثلاث عشرة سنة عادت شابَّة، وعمَّرت بعد ذلك مائة وثلاث وعشرين سنة .... إلى قوله: والمستفاد من الجمع بين الروايات عود شبابها إليها مرَّة ببركة السجَّاد (عليه السلام)، وأُخرى مع عود بكارتها ببركة الرضا (عليه السلام) فلاحظ وتدبَّر) [تنقيح المقال ج3 ص74].
ويكفي في جلالتها وفضلها مدح الإمام الصادق (عليه السلام) لها، وأنها شديدة الاجتهاد في العبادة حتَّى يبس جلدها على بطنها.
روى الشيخ الصفَّار (طاب ثراه) بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنَّ حَبَابَة الوالبيَّة كانت إذا وفد الناس إلى معاوية وفدت هي إلى الحسين (عليه السلام)، وكانت امرأةً شديدة الاجتهاد، وقد يبس جلدها على بطنها من العبادة، وأنها خرجت مرَّة ومعها ابن عمٍ لها غلام، فدخلتْ به على الحسين (عليه السلام) فقالت له: جعلت فداك، فانظر هل تجد ابن عمِّي هذا فيما عندكم، وهل تجده ناجٍ؟ قال: فقال: نعم، نجده عندنا ونجده ناجٍ» [بصائر الدرجات ص191].
كما جاء في بعض الأخبار أنَّها من أهل الرجعة مع صاحب العصر والزمان (عليه السلام)؛ لذلك تُعدُّ ممن محض الإيمان محضاً.
روى شيخنا الطبريُّ (طاب ثراه) بسنده عن المفضَّل بن عمر قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «يكرُّ مع القائم (عليه السلام) ثلاث عشرة امرأة. قلتُ: وما يصنع بهنَّ؟ قال: يداوينَ الجرحى، ويقمنَ على المرضى، كما كان مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله). قلتُ: فسمّهِنَّ لي. فقال القنواء بنت رشيد، وأم أيمن، وحَبَابَة الوالبيَّة، وسميَّة أم عمار بن ياسر، وزبيدة [زبيرة]، وأم خالد الأحمسيَّة، وأم سعيد الحنفيَّة، وصبانة الماشطة، وأم خالد الجهنيَّة» [دلائل الإمامة ص ٤٨٤].
حديث الحصاة:
أمَّا قصَّتها مع أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) فتكمُن في ختمهم لها بختم الإمامة على الحصاة الصُّلبة، حيث بدأ ذلك في عصر أمير المؤمنين (عليه السلام) وانتهى في عصر الإمام الرضا (عليه السلام) الذي ماتت فيه.
روى الشيخ الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن عبد الكريم بن عمرو الخثعميّ، عن حَبَابَة الوالبيَّة قالت: (رأيتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) في شرطة الخميس، ومعه درَّة لها سبابتان يضرب بها بيَّاعي الجرِّي والمارماهي والزمَّار ويقول لهم: يا بياعي مسوخ بني إسرائيل، وجند بني مروان!
فقام إليه فرات بن أحنف فقال: يا أمير المؤمنين، وما جند بني مروان؟ قال: فقال له: أقوامٌ حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمُسخوا، فلم أر ناطقاً أحسن نطقاً منه، ثمَّ أتبعته فلم أزل أقفو أثره حتَّى قعد في رحبة المسجد، فقلتُ له: يا أمير المؤمنين، ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟ قالت: فقال: ائتيني بتلك الحصاة ـ وأشار بيده إلى حصاة ـ فأتيتُه بها، فطبع لي فيها بخاتمه، ثمَّ قال لي: يا حَبَابَة، إذا ادَّعى مدَّعٍ الإمامة، فقدر أنْ يطبع كما رأيتِ فاعلمي أنَّه إمامٌ مفترض الطاعة، والإمام لا يعزب عنه شيءٌ يريده.
قالت: ثمَّ انصرفتُ حتَّى قُبض أمير المؤمنين (عليه السلام) فجئتُ إلى الحسن (عليه السلام) وهو في مجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) والناس يسألونه، فقال: يا حَبَابَة الوالبيَّة! فقلت: نعم يا مولاي.
فقال: هاتي ما معك. قالت: فأعطيتُه فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين (عليه السلام)، قالت: ثمَّ أتيتُ الحسين (عليه السلام) وهو في مسجد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فقرَّب ورحَّب، ثمَّ قال لي: إنَّ في الدلالة دليلاً على ما تريدين، أفتريدين دلالة الإمامة؟ فقلتُ: نعم يا سيِّدي، فقال: هاتي ما معك، فناولته الحصاة فطبع لي فيها، قالت: ثمَّ أتيتُ عليَّ بن الحسين (عليهما السلام) وقد بلغ بي الكبر إلى أنْ أرعشتُ ـ وأنا أعدُّ يومئذٍ مائة وثلاث عشرة سنة ـ فرأيتُه راكعاً وساجداً ومشغولاً بالعبادة فيئستُ من الدلالة، فأومأ إليَّ بالسبَّابة فعاد إليَّ شبابي، قالت: فقلتُ: يا سيِّدي، كم مضى من الدنيا وكم بقي؟ فقال: أمَّا ما مضى فنعم، وأمَّا ما بقي فلا، قالت: ثمَّ قال لي: هاتي ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها، ثمَّ أتيتُ أبا جعفر (عليه السلام) فطبع لي فيها، ثمَّ أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فطبع لي فيها، ثمَّ أتيتُ أبا الحسن موسى (عليه السلام) فطبع لي فيها، ثمَّ أتيتُ الرضا (عليه السلام) فطبع لي فيها. وعاشت حَبَابَة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكر محمَّد بن هشام) [أصول الكافي ج1 ص346].
ونقلها جمعٌ غفير من علماء الإمامية (أنار الله برهانهم) في كتب الحديث والفقه، فانظر: [كمال الدين للصدوق ص536، الوافي ج2 ص143، مدينة المعاجز ج3 ص248، العوالم (الإمام الكاظم) ج1 ص60، جامع أحاديث الشيعة ج23 ص196، الوسائل ج1 ص433، المناهل للطباطبائيّ ص622، الجواهر ج36 ص246، مصباح المنهاج (كتاب التجارة) ج1 ص457، إرشاد الطالب للتبريزيّ ج1 ص273]، وغيرها من المصادر الكثيرة.
وبالجملة: أنَّ روايتها المذكورة آنفاً من الروايات المشهورة عند الطائفة المحقَّة، كما صرَّح به الفقيه الشيخ فخر الدين الطريحيُّ في كتابه القيِّم [مجمع البحرين ج2 ص182]، فراجع إنْ شئت ذلك.
والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ذلك، أنَّ حَبَابَة الوالبيَّة من النساء العارفات العابدات، وقد جرت على يديها مُعجزة ختم الحصى من قبل ثمانية من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) .. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق