أحاديث رسول الله (ص) في تراث الشيعة

السؤال: يقال: إنّ مجموع أحاديث النبيّ (ص) في الكتب الأربعة عند الشيعة بالمئات، بينما أحاديث النبيّ (ص) في الكتب الستّة عند أهل السنّة بالآلاف، وهذا يعني أنّ أهل السنّة اهتمّوا بأحاديث النبيّ (ص) أكثر من الشيعة الذين اهتمّوا بأحاديث الأئمة.

: اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعلم أخي القارئ الكريم أنّ أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في تراث الإماميّة وفيرةٌ جداً، بل بلغت حدّاً من الكثرة بحيث لا يمكن إحصاؤها واستقراؤها؛ وذلك أنّ أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) هي أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فكلُّ حديث يخرج عنهم (عليهم السلام) فيما يرتبط بالعقيدة والفقه والتفسير وغيرها فإنّما هو مأخوذٌ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

فواقع أحاديث المعصومين (عليهم السلام) هي أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، سواءٌ أصرّحَ الإمام (عليه السلام) بالرواية عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، أم لم يُصرّحْ بذلك، بل إنّ تصريح الإمام (عليه السلام) في الحديث بالرواية عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) – كما في موارد كثيرة - تصريحٌ بما هو في الواقع، وتبيانٌ لِـما هو معلومٌ ضمناً؛ إمّـا لعلوّ الإسناد، أو لرفع ما يختلج في قلب السامع، أو التنبيه على شدّة الاهتمام بمضمون الحديث، أو غير ذلك، كما نبّه المولى محمّد صالح المازندرانيّ في [شرح أصول الكافي ج2 ص226].

وقد ورد عن الأئمّة (عليهم السلام) أنّ أحاديثهم وعلومهم تنتهي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وذلك في أحاديث كثيرةٍ جداً تتجاوز حدّ الإحصاء، كما ورد التنبيه على ذلك في موسوعة [جامع أحاديث الشيعة ج1 ص12] إذْ قال: (معلومٌ أنّ ما ورد في كون أحاديث الأئمّة الاثني عشر وعلومهم (عليهم السلام) عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من طرق العامّة والخاصّة قد تجاوزت حدّ التواتر، بل لا يسعها المجلّدات الضخام، ولسنا بصدد استقصائها في هذا الكتاب، وإنّما نذكر أيضاً بعضها في المقام للتنبيه والتذكار، وإلّا فإثباته لا يحتاج إلى الذكر والبيان...).

ولعلّ بعضهم يتوهّم أنّ الدليل مقتصرٌ على الحديث المشتهر عن الإمام الصادق (عليه السلام): «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله (عزّ وجلّ)»، والذي سيأتي تخريجه.

ولكنّ هذا توهّمٌ فاسدٌ؛ فإنّ الأحاديث التي تدلّ على هذا المعنى متواترةٌ بأعلى درجات التواتر، والأحاديث الدالّة عليه على طوائف كثيرة، نذكر في المقام نزراً يسيراً منها على نحو الاختصار:

الطائفة الأولى: حديث الأئمّة (ع) هو حديث رسول الله (ص):

إذْ روى الشيخ الكلينيّ بإسنادٍ قويٍّ كالصحيح عن هشام بن سالم، وحمّاد بن عثمان وغيرهما قالوا: «سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ» [الكافي ج1 ص53].

وروى الشيخ المفيد بالإسناد عن جابر قال: «قلتُ لأبي جعفرٍ محمّد بن عليّ الباقر (عليهما السلام): إذا حدّثتني بحديثٍ فأسنِدْه لي، فقال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، عن جبرئيل (عليه السلام)، عن الله (عزّ وجلّ)، وكلّ ما أحدّثك بهذا الإسناد» [الأمالي ص42].

ويندرج في هذه الطائفة: حديث آخر لجابر الجعفيّ، وحديث حفص ابن البختريّ.

الطائفة الثانية: الأئمّة (ع) عندهم أصول العلم وراثة عن النبيّ (ص):

إذْ روى الشيخ الصفّار بإسنادٍ صحيح عن أبي حمزة الثماليّ، عن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يا جابر، والله لو كنّا نحدّث الناس أو حدّثناهم برأينا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدّثهم بآثارٍ عندنا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يتوارثها كابرٌ عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم» [بصائر الدرجات ج2 ص72]. وورد من طريقين آخرين عن جابر [ينظر: بصائر الدرجات ج2 ص70، وص71].

قال ابن الأثير الجزريّ: (وفى حديث الأقرع والأبرص: «ورثتُه كابراً عن كابر»، أي: ورثتُه عن آبائي وأجدادي، كبيراً عن كبير، في العزّ والشرف) [النهاية ج4 ص142]

وروى الشيخ الكلينيّ بإسنادٍ صحيحٍ عن قتيبة قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسألةٍ، فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إنْ كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقال له: مَه، ما أجبتُك فيه من شيءٍ فهو عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لسنا من «أرأيت» في شيء» [الكافي ج1 ص58]. وروى الصفّار نحوه من طريقٍ آخر [ينظر: بصائر الدرجات ج2 ص73].

ويندرج في هذه الطائفة: حديث خلف بن حمّاد الكوفيّ، وحديث الفضيل بن يسار، وحديث محمّد بن شريح، وحديث الأحول.

الطائفة الثالثة: الأئمّة (ع) يحدّثون بما في كتاب الله وسنّة النبيّ (ص):

إذْ روى الشيخ الكشيّ بإسنادٍ صحيحٍ عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) – في حديث طويلٍ -: «فإنّا إنْ تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة، إنّا عن الله وعن رسوله نحدّث، ولا نقول قال فلانٌ وفلان» [اختيار معرفة الرجال ج2 ص490].

أقول: هذا الحديث واضح الدلالة على أنّ الأئمّة (عليهم السلام) لا يحدّثون إلّا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الله تعالى، ولا يفتون كما تفتي العامّة بآرائهم، فأحاديثهم ما هي إلّا أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وروى الشيخ الصفّار بإسنادٍ صحيحٍ عن سماعة عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «قلتُ له: كلّ شيء تقول به في كتاب الله وسنّته، أو تقولون فيه برأيكم؟ قال: بل كلّ شيءٍ نقوله في كتاب الله وسنّة نبيّه» [بصائر الدرجات ج2 ص74].

ويندرج في هذه الطائفة: حديثٌ آخر لسماعة، وحديث سعيد الأعرج، وحديث محمّد بن حكيم. وتوجد أحاديث أخرى كثيرةٌ في هذا المعنى، وهي دالّة على أنّ أحاديث الأئمّة وفتاواهم ليست من القياس والآراء في شيء، بل هي ممّا أخذوه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كما هو واضح.

الطائفة الرابعة: الأئمّة (ع) ورثوا العلم من رسول الله (ص):

إذْ روى الشيخ الصفّار بإسنادٍ صحيحٍ عن يحيى بن عمران عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ الأرض لا تُترك بغير عالم، قلت: الذي يعلمه عالمكم ما هو؟ قال: وراثة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، علم يستغني به عن الناس ولا يستغني الناس عنه» [بصائر الدرجات ج2 ص120].

أقول: هذا الحديث مستفيضٌ عن الحارث بن المغيرة، رواه عنه: يحيى بن عمران، وصفوان بن يحيى، ويونس بن يعقوب، وعمر بن أبان، والمفضل، وعبد الله بن الوليد، وأبان بن عثمان، ويونس بن عبد الرحمن، وغيرهم [ينظر: بصائر الدرجات ج2 ص121-124، وص466، وص479، الكافي ج1 ص264، كمال الدين ص223-224].

وروى الشيخ الصفّار بإسناده عن أبي يعقوب الأحول قال: «خرجنا مع أبي بصير ونحن عدّة، فدخلنا معه على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا أبا محمّد، إنّ علم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من علم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فعلمناه نحن فيما علمناه، فالله فاعبدْ، وإيّاه فارجُ» [بصائر الدرجات ج2 ص62].

وروى المشايخ الصفّار والكلينيّ والطوسيّ بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي الصباح قال: «والله لقد قال لي جعفر بن محمّد (عليه السلام): إنّ الله علّم نبيَّه التنزيل والتأويل، قال: فعلّم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام)، قال: وعلّمنا والله» [بصائر الدرجات ج2 ص63، الكافي ج7 ص442، تهذيب الأحكام ج8 ص286].

ويندرج في هذه الطائفة: حديث معمر بن خلاد، وحديث محمّد بن مسلم، وحديث عمر [محمد] بن يزيد.

الطائفة الخامسة: الأئمّة (ع) اختصّوا بأصول العلم عن رسول الله (ص):

إذْ روى الشيخ الصفّار بإسنادٍ صحيحٍ عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعتُه يقول: «إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنال في الناس وأنال وأنال، وإنّا أهل البيت معاقل العلم وأبواب الحكم وضياء الأمر» [بصائر الدرجات ج2 ص199-200].

أقول: وهذا الحديث مستفيضٌ عن ابن مسلم، رواه عنه: ابن مسكان، وأبو خالد، وأبو أيّوب الخزّاز، وعليّ بن حمّاد، وفضّالة، وهشام بن سالم [ينظر: بصائر الدرجات ج2 ص201-203].

قال العلّامة المجلسيّ: («أنال»: أي أعطى وأفاد في الناس العلوم الكثيرة، لكنْ عند أهل البيت معيار ذلك، والفصل بين ما هو حقّ أو مفترٍ، وعندهم تفسير ما قاله الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فلا ينتفع بما في أيدي الناس إلّا بالرجوع إليهم (صلوات الله عليهم)، و«المعاقل»: جمع معقل وهو الحصن والملجأ، أي: نحن حصون العلم، وبنا يلجأ الناس فيه، وبنا يوصل إليه، وبنا يضيء الأمر للناس) [بحار الأنوار ج2 ص214].

وروى الشيخ الصفّار بإسنادٍ موثّق عن هشام بن سالم قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلت فداك، عند العامّة من أحاديث رسول الله شيء يصحّ؟ فقال: نعم، إنّ رسول الله أنال وأنال وأنال، وعندنا معاقل العلم وفصل ما بين الناس» [بصائر الدرجات ج2 ص200].

ويندرج في هذه الطائفة: حديث الحسن بن يحيى، وحديث أبي الطفيل، وحديث القاسم بن عروة [محمد].

الطائفة السادسة: الأئمّة (ع) عندهم صحيفة (الجامعة) التي هي إملاء رسول الله (ص) وخطّ أمير المؤمنين (ع):

إذْ روى الشيخ الصفّار بإسنادٍ موثّقٍ عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أخرج إليّ أبو جعفر (عليه السلام) صحيفةً فيها الحلال والحرام والفرائض، قلت: ما هذه؟ قال: هذه إملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وخطّه عليّ بيده» [بصائر الدرجات ج1 ص292].

وروى الشيخ الصفّار بإسنادٍ صحيحٍ عن سليمان بن خالد، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ عندنا لصحيفةً سبعين ذراعاً، إملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وخطّه عليٌّ (عليه السلام) بيده، ما من حلالٍ ولا حرامٍ إلّا وهو فيها، حتّى أرش الخدش» [بصائر الدرجات ج1 ص290].

ويندرج في هذه الطائفة: حديث أبي عبيدة، وحديث حمران بن أعين، وحديث عبد الله بن سنان، وحديث محمّد بن مسلم، وحديث الفضيل بن يسار، وحديث بكر بن كرب، وحديث محمد بن عبد الملك، وحديث جابر بن يزيد، وحديث عبد الله بن أبي يعفور، وحديث منصور بن حازم، وحديث عبد الله بن ميمون، وحديث محمد بن حكيم، وحديث الفضل بن عبد الملك، وحديث عبد الرحمن بن أبي عبد الله، وحديث الحسين بن أبي العلاء، وحديث علي بن سعيد، وغيرهم. ومن ذلك يتبيّن أنّ أحاديث هذه الطائفة بلغت حدّ التواتر.

الطائفة السابعة: الأئمّة (ع) صارت إليهم جميع العلوم التي خرجت للملائكة والأنبياء:

إذْ روى الشيخ الصفّار بإسنادٍ موثّقٍ عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعتُ أمير المؤمنين (عليه السلام يقول: «إنّ لله علمين: علم استأثر به في غيبه، فلم يطلع عليه نبيّاً من أنبيائه، ولا ملكاً من ملائكته، وذلك قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}، وله علمٌ قد أطلع عليه ملائكته، فما اطلع عليه ملائكته فقد أطلَعَ عليه محمّداً وآله، وما أطْلَعَ عليه محمّداً وآله فقد أطلعني عليه، يعلِّمه الكبير منّا الصغير إلى أن تقوم الساعة» [بصائر الدرجات ج1 ص232].

وروى الشيخ الصدوق بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن سنان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: «إنّ الله تعالى علماً خاصّاً وعلماً عامّاً، فأمّا العلم الخاصّ فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين، وأمّا علمه العامّ فإنّه علمه الذي أطلع عليه ملائكتَه المقرّبين وأنبياءه المرسلين، وقد وقع إلينا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)» [التوحيد ص138].

ويندرج في هذه الطائفة: حديث سدير الصيرفيّ، وحديث أبي بصير. ويشهد لها أحاديث وردت بصيغة: «ونحن نعلمه»، ومن جملتها: حديث أبي بصير، وحديث سماعة بن مهران، وحديث الفضيل بن يسار، وحديث جابر الجعفيّ، وحديث بشير الدهّان، وحديث ضريس، وحديث عبد الله بن هلال.

الطائفة الثامنة: الأئمّة (ع) ورثوا علم آدم وجميع العلماء:

إذْ روى الشيخان الصفّار والكلينيّ بإسنادٍ صحيح عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ العلم الذي لم يزل مع آدم لم يرفع، والعلم يتوارث، وكان عليّ (عليه السلام) عالم هذه الأمة، وإنّه لن يهلك منّا عالم إلّا خلّفه من أهله مَن يعلم مثل علمه أو ما شاء الله» [بصائر الدرجات ج1 ص241، الكافي ج1 ص222].

أقول: هذا الحديث يدلّ على أنّ العلم الذي نزل على آدم (عليه السلام) ومَن دونه وصل إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ثمّ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثـمّ ورثه عنه أهل بيته (عليهم السلام)؛ وذلك قوله: «وكان عليّ (عليه السلام) عالِم هذه الأمّة، وإنّه لن يهلك منّا عالم إلّا خلّفه من أهله مَن يعلم مثل علمه أو ما شاء الله»، وهذا يعني أنّ علم الأئمّة (عليهم السلام) إنّما هو من أمير المؤمنين (عليه السلام) من رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وروى الشيخ الصفّار بإسنادٍ صحيحٍ عن الفضيل، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنّ العلم الذي نزل مع آدم على حاله، وليس يمضي منّا عالمٌ إلّا خلفه مَن يعلم علمه، كان عليّ عالم هذه الأمّة» [بصائر الدرجات ج1 ص241].

أقول: وهذا الحديث ورد عن الفضيل من طريق جمعٍ، من جملتهم: حماد بن عثمان، وحريز، وربعي، والقاسم [ينظر: بصائر الدرجات ج1 ص238-243، الكافي ج1 ص222، المحاسن ج1 ص235].

ويندرج في هذه الطائفة: حديث الفضيل بن يسار، وحديث الحارث بن المغيرة. ويشهد لها: حديث حمران، وحديث عمر بن أبان، وحديث محمد بن مسلم، وحديث عمر بن يزيد، وغيرها.

أقول: هذه ثمان طوائف من الأحاديث المعتبرة المستفيضة، وهناك طوائف أخرى أعرضنا عنها، ومجموعها – كما هو واضحٌ - متواترٌ، بل بعض الطوائف بحدّ ذاتها متواتر. وهذه الطوائف تدلّ على أنّ علوم أهل البيت (عليهم السلام) إنّما هي وراثة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ أحاديثهم التي تخرج إلى الناس ما هي إلّا من أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

فعدد أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في تراث الإماميّة - بحسب نفس الأمر والواقع - كثيرةٌ جدّاً، بل خارجةٌ عن حدّ الإحصاء والاستقراء؛ لأنّ أحاديث المعصومين (عليهم السلام) هي في الواقع أحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلا مجال لعقد موازنةٍ بين عدد أحاديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في تراث الإماميّة، وبين عددها في تراث أهل السنّة؛ لأنّ أحاديث كتاب (الكافي) لوحده يفوق عدد أحاديث (الكتب الستّة) عند العامّة.

ومن هنا يتبيّن: أنّ الشيعة الإماميّة اهتمّوا بأحاديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أيّما اهتمام؛ وذلك لأنّهم نقلوا حديثه (صلّى الله عليه وآله) عن طريق أبوابه وأمنائه الذين جعل فيهم أصول علمه وفهمه، وهم أهل بيته المعصومون الأطهار (عليهم السلام)، هذا هو الطريق الواضح والسبيل اللائح في أخذ علوم النبيّ (صلّى الله عليه وآله).

في حين اتّخذت العامّة جميع الصحابة أبواباً لعلم النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وفيهم المنافقون والفاسقون والأعراب الذين لا يعرفون الهرّ من البرّ، جعلوا هؤلاء أبواباً لعلم النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وتركوا أبواب مدينة العلم الأصلاء؛ أعني أميرَ المؤمنين (عليه السلام) وأولاده المعصومين (عليهم السلام)، فصار من جملة أبواب مدينة علم النبيّ - عندهم - أبو هريرة اللاهث وراء قصعة معاوية، وابن عمر الجاهل بكيفيّة الطلاق، وأمثالهما وأضرابهما.

ويأتي مَن يمسك معياراً معوجَّاً فيطعن – بقلّة حياء – بتراث العترة الطاهرة (عليهم السلام)، الذين هم العلماء الأصلاء الربّانيّون الوارثون لعلم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).