هل الإسلام دين جامد لا يعالج القضايا المستجدة؟

السؤال: ورد عن أبي بصير قال: «قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): ترد علينا أشياءُ ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة، فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إَّنك إنْ أصبت لم تُؤجر، وإنْ أخطأتَ كذبتَ على الله (عزَّ وجلَّ)» [الكافي: ‏1/ 56]، لماذا التحجر والجمود بالحياة وعدم معالجة المسائل المستجدة المبتلى بها الناس؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

إنّ الادّعاء بأنّ الإسلام دينٌ جامدٌ متحجّرٌ لا يعالج القضايا المستجدّة، هو تصوّرٌ خاطئٌ ناشئٌ من عدم فهم طبيعة التشريع الإسلاميّ ومنهجيّته في الاستنباط، فالإسلام دينٌ خالدٌ، وضع أصولاً ثابتةً وترك للفقهاء مهمّة استنباط الأحكام وفق هذه الأصول، بما يحقّق التكيّف مع المستجدّات، من غير أنْ يكون ذلك خروجاً عن الضوابط الشرعيّة.

أمّا الحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنّة، فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إنّك إنْ أصبتَ لم تُؤجَر، وإنْ أخطأتَ كذبتَ على الله (عزَّ وجلَّ)» [الكافي ج1 ص56]، فلا يدلّ على رفض البحث في القضايا المستجدّة، وإنّما يحذّر من الاجتهاد القائم على الرأي الشخصيّ والذوق الذاتيّ دون الاستناد إلى المصادر الشرعيّة.

إنّ كلمة (نظر) في الحديث تشير إلى إعمال الرأي الشخصيّ في استنباط الأحكام، وهو أمرٌ مرفوضٌ في المنهج الشرعيّ. والدليل على ذلك: هو صياغة سؤال السائل: «ترد علينا أشياء ليس نعرفها في الكتاب والسنّة، فننظر فيها»، حيث يُفهم منه أنَّ (النظر) هنا يأتي كبديلٍ عن الكتاب والسنّة، وكأنّ مصادر التشريع تصبح ثلاثة: القرآن، والسنة، والنظر الشخصيّ، وهذا باطلٌ بالضرورة.

والأمر الذي يؤكّد أنّ مقصود السائل هو أنْ يجيز له الإمام العمل بالقياس المحرّم شرعاً: هو ما جاء في هذا الباب نفسه في الكافي من أحاديث، فمن يرجع إلى الصفحة نفسها يجد أنّ الرواية التي قبلها صرّحت بذلك، وهي ما ورد عن أبي شيبة الخراسانّي قال: «سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحقّ إلّا بُعداً، وإنّ دين الله لا يُصاب بالمقاييس»، وفي الرواية التي بعدها: عن محمّد بن الحكم يسأل الإمام: «فربّما ورد علينا الشيء لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيءٌ، فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم، فنأخذ به؟ فقال: هيهات هيهات، في ذلك - واللهِ - هلك مَن هلك يا ابن حكيم، قال: ثمّ قال: لعن الله أبا حنيفة، كان يقول: قال عليّ، وقلت. قال محمد بن حكيم لهشام بن الحكم: والله، ما أردتُ إلّا أنْ يرخّص لي في القياس» [الكافي ج1 ص56].

فالعمل بالرأي في الدين محرّم شرعاً، كما حذّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن ذلك بقوله: «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار» [كمال الدين ص257].

وهذا يدلّ على أنّ الاجتهاد المشروع هو المستند على الأصول والقواعد الشرعيّة التي بحثها العلماء في علم الأصول وقواعد الفقه، وليس الاجتهاد الاعتباطيّ القائم على الذوق الشخصيّ والتخمينات الفرديّة.

وعليه، فإنّ الإمام (عليه السلام) لم ينهَ عن البحث في المسائل المستجدّة، بل حذّر من الإفتاء بغير علمٍ، وأوضح خطورة الاجتهاد بالرأي الشخصيّ. فكما بيّن في الحديث: أنَّ مَن يفتي برأيه المجرّد إنْ أصاب فذلك لا يعود عليه بأجرٍ؛ لأنّ منهجه كان خاطئاً، وإنْ أخطأ فقد وقع في الافتراء على الله تعالى.

ولو كان الإسلام متحجّراً - كما يفترض السائل - لَـمَا رأينا الفقهاء يعالجون القضايا المستجّدة عبر العصور، بل لَـمَا كان هناك تطوّرٌ في الفقه الإسلاميّ لمواكبة التغيّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة. فالإسلام لم يغلق باب الاجتهاد، وإنّما فتحه ضمن ضوابط وقواعد محدّدة، حيث وضعت الشريعة معالم واضحةً لعمليّة الاستنباط.

وقد أكّد الأئمّة (عليهم السلام) هذه المنهجيّة في كثيرٍ من الروايات، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّما علينا أنْ نلقى إليكم الأصول، وعليكم أن تفرّعوا» [مستطرفات السرائر ص109]، أي أنّ الأئمّة (عليهم السلام) قد بيّنوا الأسس والقواعد الأساسيّة للشريعة، وتركوا للفقهاء مهمّة التفريع واستخراج الأحكام الشرعيّة بناءً على هذه الأصول.

وبذلك يتّضح أنّ الإسلام ليس ديناً جامداً، بل دينٌ يواكب المستجدّات، ولكن ضمن أطرٍ وضوابط شرعيّةٍ تضمن عدم الانحراف عن المسار الصحيح.