هل يمكن الوصول إلى مقام المعصوم؟
السؤال: هل يُمكن للإنسان العادي أنْ يصل إلى مقام المعصوم (عليه السلام)؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتقد أتباع أهل البيت (أعزَّهم الله تعالى) بأنَّ الله سبحانه قد اصطفى نُخبةً من خلقه، فجعل منهم الأنبياء والأئمَّة والحجج، وبناءً على ذلك فلا يُمكن للإنسان العادي ـ مهما بلغ من التقوى والعفاف ـ أنْ يصل إلى مقامات من اصطفاهم الله تعالى وانتخبهم من خلقه؛ وذلك لعلمه المطلق بصلاحية هؤلاء دون غيرهم من الخلق؛ لأنَّ الله أعلم حيث يجعل رسالته.
روى شيخنا الأقدم العيَّاشيُّ (طاب ثراه) عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «﴿إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 33 ـ 34]، قال: نحن منهم، ونحن بقية تلك العترة» [تفسير العَّياشيّ ج1 ص١٦٨].
إذا تبيَّن هذا ـ عزيزي السائل ـ فاعلم بأنَّ المستفاد من كثيرٍ من الأخبار الشريفة أنَّ أحداً لا يُمكنه بلوغ مقام أهل البيت (عليهم السلام)؛ لِما وصلوا إليه من رتبٍ عاليةٍ ومقاماتٍ ساميةٍ عند الله تعالى. وهي على طوائف، نذكر قسماً منها:
الطائفة الأولى: وهي ما دلَّ من الروايات الشريفة على أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) لا يُقاس بهم أحدٌ من الخلق مطلقاً، منها:
1ـ ما رواه القاضي النعمان المغربيّ عن سلمان الفارسيّ (رضوان الله عليه) قال: «صعد عليٌّ أمير المؤمنين المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وصلَّى على النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، وذكر شيئاً أراد ذكره. فقال له الناس: أخبرنا يا أمير المؤمنين، عن نفسك؟ فقال: أما تعلمون أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قال في كتابه: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: 32]. قالوا: يا أمير المؤمنين، إنَّا نحبُ أنْ تخبرنا عن نفسك. قال: إنا أهل بيت لا يُقاس بنا أحد» [شرح الأخبار ج2 ص202].
2ـ وما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن عباد بن صهيب قال: «قلتُ للصادق جعفر بن محمَّد (عليه السلام) أخبرني عن أبي ذر أهو أفضل أم أنتم أهل البيت؟ فقال: يا بن صهيب، كم شهور السنة؟ فقلت: اثني عشر شهراً، فقال: وكم الحرم منها؟ قلت: أربعة أشهر، قال: فشهر رمضان منها؟ قلت: لا، قال: فشهر رمضان أفضل أم أشهر الحرم؟ فقلت: بل شهر رمضان، قال: فكذلك نحن أهل البيت لا يُقاس بنا أحد» [علل الشرائع ج1 ص177، معاني الأخبار ص189، الاختصاص ص12].
وانظر أيضاً: [عيون أخبار الرضا ج2 ص71، نهج البلاغة ص47، نوادر المعجزات ص120، عيون المعجزات ص69، غرر الأخبار للديلميّ ص193، إرشاد القلوب ج2 ص404، مشارق أنوار اليقين ص174، مناقب علي لابن مردويه ص213، ذخائر العقبى ص17، فرائد السمطين ج1ص45، سبل الهدى ج11 ص7، كنز العمَّال ج12 ص104].
الطائفة الثانية: وهي ما دلَّ من الروايات الشريفة على أنَّهم (عليهم السلام) مخلوقون من نور عظمة الله تعالى، منها:
1ـ ما رواه أبو سعيد العصفريّ (طاب ثراه) عن أبي حمزة قال: «سمعتُ علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: إنَّ الله خلق محمَّداً وعلياً وأحد عشر من ولده من نور عظمته، فأقامهم أشباحاً في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق، يسبِّحون الله ويقدِّسونه، وهم الأئمَّة من ولد رسول الله» [الأصول الستة عشر ص15، الكافي ج1 ص٥٣٠].
2ـ وما رواه الشيخ المفيد (طاب ثراه) بسنده عن عبد الله بن الفضل الهاشميّ عن الصادق جعفر بن محمَّد (عليهما السلام)، وفيه: «يا عبد الله بن الفضل، إنَّ الله (تبارك وتعالى) خلقنا من نور عظمته، وصنعنا برحمته، وخلق أرواحكم منا، فنحن نحن إليكم وأنتم تحنّون إلينا، والله لو جهد أهل المشرق والمغرب أنْ يزيدوا في شيعتنا رجلاً أو ينقصوا منهم رجلاً ما قدروا على ذلك، وأنهم لمكتوبون عندنا بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم وأنسابهم» [الاختصاص ص216].
الطائفة الثالثة: وهي ما دلَّ من الروايات الشريفة على أنَّ أبدانهم الشريفة مخلوقةٌ من علِّيين وأرواحهم من فوق ذلك، منها:
1ـ ما رواه الشيخ الصفَّار (طاب ثراه) بسنده عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «خُلقنا من علِّيين، وخلق أرواحنا من فوق ذلك. وخلق أرواح شيعتنا من علِّيين، وخلق أجسادهم من دون ذلك، فمن أجل تلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم تحنُّ إلينا» [بصائر الدرجات ص39].
2ـ وما رواه الشيخ الكلينيّ (طاب ثراه) بسنده عن أبي حمزة الثماليّ قال: «سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إنَّ الله خلقنا من أعلى علِّيين، وخلق قلوب شيعتنا ممَّا خلقنا، وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إلينا، لأنها خُلقت مما خلقنا...» [الكافي ج1 ص390].
الطائفة الرابعة: وهي ما دلَّ من الروايات الشريفة على أنَّ أبدانهم في الدنيا تتميَّز بجملةٍ من الميزات والخصائص، منها:
ما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن علي بن الحسن بن فضَّال، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) قال: «للإمام علاماتٌ يكون أعلم الناس، وأحكم الناس - إلى قوله (عليه السلام) - ويولد مختوناً، ويكون مطهَّراً، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظلّ، وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادة، ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدَّثاً ويستوي عليه درع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ولا يُرى له بولٌ ولا غائطٌ، لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قد وكلَّ الأرض بابتلاع ما يخرج منه، ويكون له رائحة أطيب من رائحة المسك...» [الخِصال ص527].
الطائفة الخامسة: وهي ما دلَّ من الروايات الشريفة على كونهم (عليهم السلام) معصومين عصمةً مطلقة، منها:
1ـ ما رواه الشيخ الكلينيّ (طاب ثراه) بسنده عن سدير قال: «قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنَّ قوماً يزعمون أنَّكم آلهة ... فقال: يا سدير، سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء، وبرئ الله منهم ... قال: قلتُ: فما أنتم؟ قال: نحن خزَّان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قومٌ معصومون» [الكافي ج1 ص270].
2ـ وما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في حديثٍ طويلٍ قال فيه: «والأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) لا ذنوب لهم؛ لأنَّهم معصومون مطهَّرون - إلى أنْ قال (عليه السلام) - ولا يفرض الله (عزَّ وجلَّ) على عباده طاعة من يعلم أنَّه يغويهم ويضلَّهم، ولا يختار لرسالته ولا يصطفى من عباده من يعلم أنَّه يكفر به ويعبد الشيطان دونه، ولا يتَّخذ على خلقه حجَّةً إلَّا معصوماً» [الخِصال ص609]، وغيره من المصادر الكثيرة.
الطائفة السادسة: وهي ما دلَّ من الروايات الشريفة على أنَّ الله تعالى قد أعطاهم (عليهم السلام) اثنين وسبعين حرفاً من الاسم الأعظم، منها:
1ـ ما رواه الشيخ الكلينيّ (طاب ثراه) بسنده عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنَّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنما كان عند آصف منها حرفٌ واحدٌ فتكلَّم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتَّى تناول السرير بيده ثمَّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفاً، وحرفٌ واحدٌ عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم» [الكافي ج1 ص٢٣٠].
2ـ وما رواه (طاب ثراه) أيضاً بسنده عن هارون بن الجهم، عن رجلٍ من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) لم أحفظ اسمه قال: «سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ عيسى ابن مريم (عليه السلام) أعطي حرفين كان يعمل بهما، وأعطي موسى أربعة أحرف، وأعطي إبراهيم ثمانية أحرف، وأعطي نوح خمسة عشر حرفاً، وأعطي آدم خمسه وعشرين حرفاً، وإنَّ الله تعالى جمع ذلك كلَّه لمحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله) وإنَّ اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا، أعطى محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله) اثنين وسبعين حرفاً، وحُجِبَ عنه حرفٌ واحد» [الكافي ج1 ص٢٣٠].
الطائفة السابعة: وهي ما دلَّ من الروايات الشريفة على أنَّهم (عليهم السلام) محدَّثون مفهَّمون، منها:
1ـ ما رواه الشيخ الصفَّار (طاب ثراه) بسنده عن محمَّد بن إسماعيل بن بزيع قال: «سمعتُ أبا الحسن (عليه السلام) يقول: الأئمَّة علماء صادقون مفهَّمون محدَّثون» [بصائر الدرجات ص339، الكافي ج1 ص271].
2ـ وما رواه الشيخ الكلينيّ (طاب ثراه) بسنده عن عُبيد بن زرارة قال: «أرسل أبو جعفر (عليه السلام) إلى زرارة أنْ يُعلم الحكم بن عتيبة أنَّ أوصياء محمَّد (عليه وعليهم السلام) محدَّثون» [الكافي ج1 ص270].
الطائفة الثامنة: وهي ما دلَّ من الروايات الشريفة على أنَّهم (عليهم السلام) مسدَّدون من قِبل مخلوقٍ لله تعالى يسمَّى الروح، منها:
1ـ ما رواه الشيخ الصفَّار (طاب ثراه) بسنده عن أبي بصير قال: «سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (تبارك وتعالى): ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى: 52]، قال: خلقٌ من خلق الله، أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يخبره ويسدِّدُه، وهو مع الأئمَّة من بعده» [بصائر الدرجات ص475].
2ـ وما رواه الشيخ الكلينيّ (طاب ثراه) بسنده عن أسباط بن سالم قال: «سأله رجلٌ من أهل هيت ـ وأنا حاضر ـ عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾، فقال: منذ أنزل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك الروح على محمَّد (صلَّى الله عليه وآله) ما صعد إلى السماء، وإنه لفينا» [الكافي ج1 ص273].
الطائفة التاسعة: وهي ما دلَّ من الروايات الشريفة على أنهم (عليهم السلام) خزَّان علم الله تعالى وعَيْبة علمه، منها:
1ـ ما رواه الشيخ علي بن بابويه القمِّي (طاب ثراه) بسنده عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمَّد (عليه السلام)، أنَّه قال: «يا أبا بصير، نحن شجرة العلم، ونحن أهل بيت النبي (صلَّى الله عليه وآله)، وفي دارنا مهبط جبرئيل، ونحن خزَّان علم الله، ونحن معادن وحي الله، من تبعنا نجا، ومن تخلَّف عنا هلك، حقاً على الله (عزَّ وجلَّ)» [الإمامة والتبصرة ص133].
2ـ وما رواه الشيخ الكليني (طاب ثراه) بسنده عن عبد الرحمن بن كثير قال: «سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: نحن ولاة أمر الله، وخَزَنة علم الله، وعَيْبة وحي الله» [الكافي ج1 ص192].
الطائفة العاشرة: وهي ما دلَّ من الروايات على أنَّ الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير مطلقاً.
وهي ما رواه الشيخ الكلينيّ (طاب ثراه) عن عبد العزيز بن مُسلم، عن الإمام الرضا (عليه السلام)، وفيه قوله: «الإمام أمين الله في خلقه، وحجّته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذابّ عن حرم الله. الإمام المطهَّر من الذنوب، والمبرَّأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين. الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوصٌ بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهَّاب، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات) [الكافي ج1 ص198، الغيبة للنعماني ص225].
إلى غيرها من الروايات الكثيرة الدالَّة على تميُّز أهل البيت (عليهم السلام) من سائر الخلق، نُعرض عنها خشية التطويل والملل.
والنتيجة النهائية من كلِّ ذلك، أنَّ الروايات المذكورة تدلُّ بشكلٍ واضحٍ على أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) لا يُمكن أنْ يصل إلى مقامهم أحد، لِـما خصَّهم الله تعالى به من الفضائل والمقامات، والمناقب والكرامات، رزقنا الله وإياكم شفاعتهم في الدنيا والآخرة .. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق