هل ذكر المجلسي أن الأئمة (ع) يشفعون للكفار عند الاحتضار؟

السؤال: ذكر المجلسيُّ في كتابه عقائد الإسلام: إنَّ في غمرات الموت وسكراته (بمعنى الغرغرة او نزع الروح عند اهل السنة) يأتي الأئمة يتشفعون للكفار والمؤمنين. وهذا مخالفٌ لآيات القرآنية، قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 84-85]، وقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 90-91]، فقط الذين يتوبون في حاله الوفاة قبل نزع الروح او غرغرة او السكرات تقبل توبته، اما أثناءها و فيها لا تقبل.

:  الشيخ أمير الخزاعي

الجواب:

وقع خلط ٌبيّنٌ - إمّا عن جهلٍ أو عمّدٍ - في نسبة قولٍ إلى العلّامة المجلسيّ (رحمه الله)، ومن آفات البحث العلميّ أن تُنسبَ مقولةٌ إلى عالمٍ باشتباه، ثم تُبنى عليها اعتراضاتٌ واستنتاجاتٌ لا أصل لها.

فقد ادّعى السائلُ أنّ العلّامة المجلسيُّ في كتابه "عقائد الإسلام" يثبت حضور الأئمة (عليهم السلام) عند موت الكفّار وشفاعتهم لهم، وهو ما يُخالف صريح القرآن الكريم في عدم نفع الإيمان أو التوبة عند الغرغرة وسكرات الموت للكافر، كما في قوله تعالى: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: 85]

وقوله: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 91].

لكن بالرجوع إلى النص الأصليّ للكتاب، يتّضح أنَّ هذه النسبة باطلة، والصواب خلافها تمامًا!

فالكتاب بين أيدينا، وهو مطبوعٌ ومحقّقٌ منذ عقود، فقد ذكر العلّامة المجلسيّ – تحت عنوان: حضور النبيّ (ص) والأئمة (ع) عند الموت – ما نصّه: (ثمّ اعلم أنّه يجب الإقرار بحضور النبيّ والأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) عند موت الأبرار والفجّار والمؤمنين والكفّار، فينتفع المؤمنون بشفاعتهم في تسهيل غمرات الموت وسكراته عليهم، ويشدّدون على المنافقين ومبغضي أهل البيت (عليهم السلام)) [عقائد الإسلام ص58].

فكلام العلّامة المجلسيّ واضحٌ في بيان أنّ حضور النبيّ والأئمة (عليهم السلام) شاملٌ لجميع من يُحتَضَر، من مؤمنٍ وفاجرٍ وكافرٍ، لكن الانتفاع من هذا الحضور يختصّ بالمؤمنين، حيث يُسهَّل عليهم الموت وتُرفَع عنهم شدائده ببركة الشفاعة. أمّا المنافقون ومبغضو أهل البيت، فيُشَدَّد عليهم العذاب.

فلا وجود أصلاً لفكرة: (شفاعتهم للكفّار في نزع الروح) كما زُعم في السؤال، بل الكلام في تسهيل السكرات للمؤمن، وتشديدها على الكافر المعاند.

فالنقل كان محرّفاً، والاستنتاج مبنيٌّ على باطل، بل هو من باب قلب المعنى تماماً، ومجافاةُ أسلوب التحقيق والإنصاف.

وزيادةً في تأكيد ما سبق، فإن العلّامة المجلسي (رحمه الله) قد أوضح في موضعٍٍ آخر من كتابه حقيقة موقعه من الشفاعة وحدودها، فذكر – تحت عنوان الشفاعة – ما نصّه: (ويجب أنْ تؤمن بشفاعة النبيّ (ص) والأئمة (ع)، وأنَّ الله تعالى لا يخلف وعده بالثواب لمن أطاعه، ويمكن أنْ يخلف الوعيد بأنْ يغفر لمن عصاه من المؤمنين من غير توبة، وأنَّه يقبل التوبة بمقتضى وعده بأنَّ الكافر والمعاندين مخلّدون في النار، وأنَّ المستضعفين مرجوُّون لأمر الله، يحتمل نجاتهم من النار بفضل الله، والمستضعفون هم ضعفاء العقول، ومنهم على مثل عقول الصبيان والنساء والذين لم يتم عليهم الحجَّة، كما وأنَّ المؤمنين يدخلون الجنَّة ويُخلَّدون فيها إما بلا عذابٍ، أو بعد عذاب البرزخ، أو في النار. واعلم أنَّ الشفاعة مختصة بالمؤمنين لا تتعداهم إلى غيرهم) [عقائد الإسلام ص67].

وهذا النصّ صريحٌ في نفي ما نُسب إلى العلّامة المجلسيّ من القول بشفاعة الأئمة للكفّار في حال الاحتضار أو بعده، بل هو يقرّر بوضوحٍ تامٍّ أنّ الشفاعة لا تشمل الكافرين والمعاندين، وإنّما هي خاصةٌ بالمؤمنين فقط، فالكفّار مخلّدون في النار، ولا تنالهم الشفاعة، أمّا من نالته الشفاعة من المؤمنين، فإمّا أن يُعفى عنه، أو يُعذّب مدَّة ثمّ يُخلّد في الجنة.

وعليه، يتبيّن بجلاء أنّ ما نُسب إلى المجلسيّ من قولٍ بشفاعةٍ للكفّار عند سكرات الموت لا أصل له في كلامه، بل هو باطلٌ ناتجٌ عن قراءةٍ مبتورةٍ أو تحريفٍ متعمّدٍ، لا يسندها النص، بل يردّها صراحةً.