صلاة المعصوم خلف الحاكم الظالم
السؤال: من المعروف في سيرة أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّهم كانوا يخالطون الحكَّام الظلمة، وقد يؤدِّي ذلك إلى الصلاة خلفهم، كما جاء في قصَّة أمير المؤمنين (عليه السلام) وخالد بن الوليد في الجامع، وكذلك ما جاء في صلاة الحسن والحسين (عليهما السلام) خلف مروان بن الحكم وغير ذلك، فكيف يجوز أنْ يكون المعصوم مأموماً في الصلاة والإمام غير عادلٍ وظالم؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم
قبل الجواب عن هذا ينبغي على من يعتقد بعصمة أهل البيت (عليهم السلام) وأنَّهم لا يفعلون إلَّا لحِكمةٍ ومصلحة ـ وإنْ كنَّا نجهلها ـ التسليم والإذعان لكلِّ ما يصدر عنهم من أفعالٍ وأقوالٍ، ومنه الصلاة مع الظلمة.
إذا بان هذا فنقول:
أوَّلاً: إنَّ كون المعصوم (عليه السلام) يصلِّي خلفهم لا يعني بالضرورة أنَّه مؤتمٌ بهم، بل يُمكن أنْ يكون مجارياً لهم في صورة الصلاة فقط، كما هو واضحٌ من قصَّة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع خالد بن الوليد.
روى علي بن إبراهيم القمِّيّ بسندٍ معتبرٍ عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «لما بُويِع لأبي بكرٍ واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار - إلى قوله - فرجع أبو بكر إلى منزله وبعث إلى عمر فدعاه ثمَّ قال: أما رأيتَ مجلس عليٍّ منا اليوم؟ والله لأنْ قعد مقعداً مثله ليفسدنَّ أمرنا فما الرأي؟ قال عمر: الرأي أنْ تأمر بقتله! قال فمن يقتله؟ قال خالد بن الوليد!
فبعثا إلى خالد فأتاهما فقالا: نُريد أنْ نحملك على أمرٍ عظيمٍ.
قال حمِّلاني ما شئتما ولو قتل علي بن أبي طالب!
قالا: فهو ذاك! فقال خالد: متى أقتله؟ قال أبو بكر: إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الصلاة، فإذا أنا سلمتُ فقم إليه فاضرب عنقه! قال: نعم -إلى قوله - ثمَّ قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد ووقف خلف أبي بكر وصلَّى لنفسه، وخالد بن الوليد إلى جنبه ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر في التشهُّد ندم على ما قال وخاف الفتنة وشدَّة عليٍّ وبأسه، فلم يزل متفكِّراً لا يجسر أنْ يسلِّم حتَّى ظنَّ الناس أنه قد سها، ثمَّ التفت إلى خالدٍ فقال: يا خالد، لا تفعل ما أمرتك به، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...» [تفسير القمِّيّ ج2 ص155ـ159].
فلاحِظ قوله (عليه السلام): «ثمَّ قام وتهيَّأ للصلاة وحضر المسجد ووقف خلف أبي بكر وصلَّى لنفسه» أي: أنَّه (عليه السلام) كان يصلِّي منفرداً ولكن بصورة الجماعة، مما يعني أنَّه (عليه السلام) لم يكن مؤتمَّاً بهم البتة.
ثانياً: إنَّ الثابت لدينا أنَّ الصلاة خلفهم من باب التقيِّة أمرٌ جائزٌ بل هو راجحٌ، وبذلك أفتى جمعٌ من فقهاء الإماميَّة، منهم الحرُّ العامليُّ (طاب ثراه) حيث قال: (باب استحباب حضور الجماعة خلف من لا يُقتدى به للتقيَّة، والقيام في الصف الأوَّل معه) [وسائل الشيعة ج8 ص299]، نذكر جملةً من ذلك.
1ـ ما رواه الشيخ الكلينيُّ (طاب ثراه) بسنده عن الحلبيّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من صلَّى معهم في الصف الأوَّل كان كمن صلَّى خلف رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)» [الكافي ج3 ص380].
2ـ وما رواه الشيخ الصدوق (طاب ثراه) عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «إذا صليتَ معهم غُفِرَ لك بعدد من خالفك» [من لا يحضره الفقيه ج1 ص407].
3ـ وما رواه الصدوق (طاب ثراه) ـ أيضاً ـ عن حفص بن البختريّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يحسب لك إذا دخلتَ معهم، وإنْ كنتَ لا تقتدي بهم حُسِبَ لك مثل ما يُحسَبُ لك إذا كنتَ مع من تقتدي به» [من لا يحضره الفقيه ج1 ص383].
4ـ وما رواه الشيخ الطوسيُّ (طاب ثراه) بسنده عن إسحاق بن عمار قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «يا إسحاق، أتصلِّي معهم في المسجد؟ قلتُ: نعم. قال: صلِّ معهم، فإنَّ المصلِّي معهم في الصف الأوَّل كالشاهر سيفه في سبيل الله» [تهذيب الأحكام ج3 ص277]. إلى غيرها من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المعنى، كما لا يخفى على من طالع الأخبار.
ثالثاً: لو تنزلنا عن كلِّ ذلك وسلَّمنا بما ذكر، فإنَّ الصلاة خلفهم - بناءً على مذهب المخالفين - لا تدلُّ على فضلهم وعدالتهم كما قد يُتَصوَّر؛ وذلك لجواز صلاة المؤمن خلف المنافق أو الفاسق عندهم، نذكر جملةً من ذلك.
1ـ روى ابن أبي شيبة بسنده عن عمير بن هانئ، قال: «شهدتُ ابن عمر ـ والحجَّاج محاصِر ابن الزبير ـ فكان منزل ابن عمر بينهما، فكان ربما حضر الصلاة مع هؤلاء، وربما حضر الصلاة مع هؤلاء» [المصنَّف ج2 ص152].
2ـ وروى ـ أيضاً ـ بسنده عن أبي حرة، عن الحسن، قال: «لا يضرُّ المؤمن صلاته خلف المنافق، ولا ينفع المنافق صلاة المؤمن خلفه» [المصنَّف ج2 ص152].
3ـ وروى أبو داوود السجستانيّ بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم): «الجهاد واجبٌ عليكم مع كلِّ أمير براً كان أو فاجراً. والصلاة واجبةٌ عليكم خلف كلِّ مسلمٍ براً كان أو فاجراً وإنْ عمل الكبائر » [سنن أبي داوود ج2 ص325]. إلى غيرها من الأخبار الواردة في هذا المعنى.
وقال عبد العزيز ابن باز في فتاواه ما نصُّه: (الصلاة تصحُّ خلف الفاسق وخلف العاصي على الصحيح من أقوال العلماء، ولا تصح خلف الكافر، من عرف كفره لا تصح الصلاة خلفه، أمَّا العاصي فتصح الصلاة خلفه، سواءً كان شارباً للدخان أو عاصياً بشيءٍ آخر، كالعاق لوالديه وقاطع الرحم، ومن يتعاطى الربا ولا يستحلَّه إلى غير ذلك.
العصاة في أصح أقوال العلماء تصح الصلاة خلفهم، فقد صلَّى ابن عمر ... خلف الحجَّاج بن يوسف وكان من أفسق الناس ومن السفَّاكين للدماء، وصلَّى كثيرٌ من الصحابة خلف بعض الأمراء الفَسَقَة، فدلَّ ذلك على أنَّ الصلاة صحيحةٌ خلف الفاسق) [فتاوى نور على الدرب ج12 ص29].
والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ذلك بطلان دعوى صلاة المعصوم (عليه السلام) خلف المنافقين والظلمة مأموماً، وإنما كانت مجاراةً لصورة الصلاة فقط أو للتقية، ولو سُلِّم ذلك جدلاً فلا دلالة فيه على التزكية كما لا يخفى.
والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق