تاريخ الشهادة الثالثة في الأذان

السؤال: يرى بعض الكتَّاب المعاصرين أنَّ الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في الأذان والإقامة لم تكن موجودةً قبل زمان الشاه إسماعيل الصفويّ المتوفَّى في القرن العاشر الهجريّ، وإنما حدثت بأمره، فهل يصحُّ ذلك؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

في البدء لابأس أنْ يُعلم بأنَّ (الأذان) هو الإعلان، ولـمَّا كانت الشيعة (أعزَّ الله كلمتها) تعيش حالة التقية ناسب ألَّا يُعلنوا بـ(الشهادة الثالثة) في البيئات المختلطة التي يصعب الإجهار بها.

أمَّا في البيئات الأُخرى التي يُمكن للشيعة أنْ تصدح بها، فنلاحظ جريان سيرتهم عبر العصور على ذكرها في أذانهم وإقامتهم، كما دلَّت عليه الشواهد التاريخيَّة، وكلمات الأعلام كما سوف نذكر. ومن هنا، فلا يصحُّ القول بأنَّ الشاه إسماعيل الصفويّ هو أوَّل من رفع الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة وأمر بها.

إذا بان هذا ـ عزيزي السائل ـ فقد حان الأوان أنْ نذكر لكم بعض الشواهد الدالَّة على ذكر الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، منها:

1ـ زمن النبيّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله).

قال الشيخ علي النمازيّ الشاهروديّ: (في كتاب رسالة الهداية في كون الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة جزءاً كسائر الأجزاء، بقلم الشيخ محمَّد حسين آل طاهر من أفاضل تلامذة الشيخ عبد النبي العراقي في قم، وعليه تقريظ العالم الكامل الشيخ عبد النبي النجفي العراقي، عن كتاب السلافة للشيخ عبد الله المراغي المصري: أنَّ سلمان الفارسي ذكر فيهما ـ أي في الأذان والإقامة ـ الشهادة بالولاية لعليٍّ بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي (صلَّى الله عليه وآله)، فدخل رجلٌ على رسول الله فقال: سمعتُ أمراً لم أسمع قبل ذلك. فقال: ما هو؟ فقال: سلمان قد يشهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي! فقال: سمعتم خيراً.

وفيه رواية أُخرى: أنَّ أبا ذر يذكر في الأذان بعد الشهادة بالرسالة ذلك، ويقول: أشهد أنَّ علياً ولي الله، فأخبر بذلك رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فقال: كذلك. أو نسيتم قولي في غدير خم: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه؟ .. الخ. ونقل عن هذا الكتاب الشيخ محمَّد طه مع التصريح باسمه واسم مؤلِّفه، وكذا نقل عنه الميرزا هادي خطيب الخراساني في النجف) [مستدرك سفينة البحار ج6 ص85].

وقال السيِّد علي الشهرستاني في شأن الكتاب: (حكى الشيخ عبد النبي العراقي عن المرحوم الميرزا هادي الخطيب الخراساني في النجف وغيره، عن الشيخ محمَّد طه نجف أنَّه سمع مَن يثق بدينه أنَّه قد وقف على كتاب (السلافة في أمر الخلافة) للشيخ عبد الله المراغي المصري من علماء القرن السابع الهجري في مكتبة المدرسة الظاهرية بدمشق) .. ثمَّ قال في الهامش: (أخبرني غير واحد بأنَّهما سمعا من أشخاصٍ كانوا قد شاهدوا الكتاب في المكتبة الظاهرية، لكنِّي لم أقف على الكتاب رغم بحثي عنه أخيراً) [أشهد أنَّ علياً وليُّ الله في الأذان بين الشرعيَّة والابتداع ص203].

2ـ أحمد بن عبد الله صاحب الخال، المتوفَّى سنة (291) هجرية.

روى ابن العديم، عن أبي بكر الصوليّ قال: (وأجلس القرامطة مكان عليِّ بن عبد الله أخاً له يُقال له أحمد بن عبد الله [صاحب الخال]، زعموا أنَّه عَهَدَ إليه، وصار أحمد بن عبد الله إلى حمص ودُعِيَ له بها وبكُوَرِها، وأمرَهُم أنْ يُصلُّوا الجمعة أربع ركعات، وأنْ يخطبوا بعد الظهر، ويكون أذانهم: أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله، أشهد أنَّ علياً وليُّ المؤمنين، حيَّ على خير العمل. وضرب الدراهم والدنانير وكتب عليها: الهادي المهدي، لا إله إلَّا الله محمَّد رسول الله، جاء الحق وزهق الباطل إنَّ الباطل كان زهوقاً. وعلى الجانب الآخر: قل لا أسألكم عليه أجراً إلَّا المودَّة في القربى) [بغية الطلب ج2 ص943].

3ـ عُبيد الله الطالبيّ مؤسِّس الدولة العُبيدية، المتوفَّى سنة (322) هجرية.

قال محمَّد بن علي الصنهاجيّ: (وكان مما أحدث عُبيد الله أنْ ‌قطع ‌صلاة ‌التراويح في شهر رمضان، وأمر بصيام يومين قبله، وقنت في صلاة الجمعة قبل الركوع، وجهر بالبسملة في الصلاة المكتوبة، وأسقط من أذان صلاة الصبح "الصلاة خيرٌ من النوم"، وزاد "حيَّ على خير العمل، محمَّدٌ وعليٌّ خير البشر". ونص الأذان طول مدَّة بني عُبيد بعد التكبير والتشهدين: حيَّ على الصلاة، وحَّي على الفلاح مرَّتين، حيَّ على خير العمل، محمَّدٌ وعليٌّ خير البشر مرَّتين مرَّتين، لا إله إلَّا الله مرَّة) [أخبار بني عُبيد ص50].

4ـ علي بن محمَّد بن علي بن إسماعيل، سنة (347) هجريَّة.

قال تقي الدين المقريزيّ: (أوَّل من قال في الأذان ـ بالليل ـ محمَّدٌ وعليٌّ ‌خير ‌البشر، الحسين المعروف بأمير كابن شكنبه، ويقال أشكنبه، وهو اسمٌ أعجميٌّ معناه الكرش، وهو علي بن محمَّد بن علي بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان أوَّل تأذينه بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة. قاله الشريف محمَّد بن أسعد الجوَّانيّ النسَّابة، ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه: "حيَّ على خير العمل، ومحمَّدٌ وعليٌّ خير البشر" إلى أيام نور الدين محمود) [المواعظ والاعتبار ج4 ص48].

5ـ رجلٌ من القطيعة [القطعيَّة] قبل عام (356) هجرية.

قال المحسن بن علي التنوخيّ: (أخبرني أبو الفرج الأصبهانيّ [ت356هـ] قال: سمعتُ رجلاً من القطيعة، يؤذِّن: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أنْ لا إله إلَّا الله، أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله، أشهد أنَّ علياً وليُّ الله، محمَّدٌ وعليٌّ خير البشر، فمن أبى فقد كفر، ومن رضي فقد شكر، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيََّ على خير العمل، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلَّا الله) [نشوار المحاضرة ج2 ص133].

5ـ سعد الدولة الحلبيّ في عام (368 أو 369) هجرية.

قال كمال الدين ابن العديم: (وغيَّر سعد الدولة الأذان بحلب، وزاد فيه: حيَّ على خير العمل، محمَّدٌ وعليٌّ ‌خير ‌البشر. وقيل: إنَّه فعل ذلك في سنة تسع وستين وثلاثمائة، وقيل: سنة ثمان وخمسين) [زبدة الحلب ص100].

6ـ ناصر خسرو المروزيّ في سنة (433) هجرية.

قال ما نصُّه: (بلغنا اليمامة بعد مسيرة أربعة أيام بلياليها، وباليمامة حصنٌ كبيرٌ قديم، والمدينة والسوق حيث صنَّاع من كلِّ نوع يقعان خارج الحصن، وبها مسجدٌ جميلٌ. وأمراؤها علويون منذ القديم، ولم ينتزع أحدٌ هذه الولاية منهم، إذْ ليس بجوارهم سلطانٌ أو ملكٌ قاهر، وهؤلاء العلويون ذوو شوكة، فلديهم ثلاثمائة أو أربعمائة فارس، ومذهبهم الزيديَّة، وهم يقولون في الإقامة: محمَّدٌ وعليٌّ خير البشر، وحيَّ على خير العمل) [سفر نامه ص141].

7ـ نصر الدين أمير أميران، المتوفَّى سنة (560) هجرية.

قال كمال الدين ابن العديم: (ثمَّ عاد نور الدين إلى حلب ... إلى قوله: وكان بحلب أخوه الأصغر نصر الدين أمير أميران محمَّد بن زنكي ... إلى قوله: فجمع أمير أميران الناس، واستمال الحلبيين، وملك المدينة دون القلعة، وأَذِنَ للشيعة أنْ يزيدوا في الأذان حيَّ على خير العمل، محمَّدٌ وعليٌّ ‌خير ‌البشر، على عادتهم من قبل، فمالوا إليه لذلك) [زبدة الحلب ص340].

إلى غير ذلك من الشواهد التاريخيَّة الدالَّة على كون الشيعة يُؤذِّنون بالشهادة الثالثة كلَّما سنحت لهم الفرصة، ورُفعت عنهم التقيَّة.

كلمات الأعلام:

1ـ قال السيِّد الخوئيّ: (قد جرت سيرة العلماء والأبرار على الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة ـ لا بقصد الجزئيَّة ـ منذ عهدٍ بعيدٍ من دون نكيرٍ من أحدهم، حتَّى أصبح ذلك شعاراً للشيعة، ومميِّزاً لهم عن غيرهم) [يُنظر: سر الإيمان للمقرَّم ص224].

2ـ وقال الميرزا الزنجانيّ: (قد بلغنا عن أئمَّتنا الهداة (صلوات الله عليهم) الأمر عقيب قول: «لا إله إلا الله، محمَّد رسول الله»، أنْ يقول: «عليٌّ أمير المؤمنين» بنحو الإطلاق، وبه أخذ الإماميَّة خلفاً عن سلفٍ، فجهروا بتلك الشهادة عقيب الشهادتين في الأذان على المآذن وفي المساجد وأوقات الصلوات حتَّى صار ذلك شعاراً لهم، كلُّ ذلك بمرأى ومسمعٍ من أكابر الفرقة أعلامها في الأعصار البعيدة، ولم ينكر ذلك عليهم أحدٌ منهم ممَّن له شأنٌ يذكر، ومَن أنكر منهم فإنَّما أنكر الإفتاء بمضمون بعض الأخبار الظاهرة في كون الشهادة بالولاية من فصول الأذان وأجزائه) [يُنظر: سر الإيمان ص222].

3ـ وقال السيِّد علي مرد القائينيّ: (ومن هنا يُمكن دعوى اتصال سيرة العلماء والمتدينين على الجهر بالولاية في الأذان في صلواتهم بزمان المعصوم (عليه السلام)، وهذه السيرة من العلماء مع العمومات الآمرة بالولاية في كلِّ الأحوال في السر والعلانيَّة، تصد دعوى البدعة. فالشهادة بالولاية لأمير المؤمنين في الأذان والإقامة مما لا ريب في رجحانه) [شرح رسالة الحقوق للقبانجيّ ج2 ص98، سر الإيمان ص227].

4ـ وقال الشيخ مرتضى آل ياسين: (لا ينبغي الإشكال في استحباب الشهادة لعليٍّ (عليه السلام) بالولاية عقيب ذكر الشهادتين في كلٍِ من الأذان والإقامة، إذا لم يقصد بها الجزئيَّة كما عليه سيرة المؤذنين من أبناء الشيعة الإمامية في كلِّ زمان وكلِّ مكان؛ وذلك للأخبار الدالَّة بكل صراحةٍ على استحباب القران بين الشهادتين) [ينظر: شرح رسالة الحقوق ج2 ص98، سر الإيمان ص227].

5ـ وقال السيِّد عبد الرزاق المقرَّم: (.. ولهذا فقد تمسَّك المسلمون الشيعة بهذا الشعار المقدَّس في الأذان حرصاً منهم على الاقتداء برسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وقد تعرَّضوا بسبب ذلك إلى حملات النقد والتهريج من قبل أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، ولكنَّهم صمدوا تجاهها، وازدادوا إيماناً وتمسُّكاً به، لأنَّهم عرفوا أنَّه الحق، وليس بعد الحق إلَّا الضلال) [سر الإيمان ص148].

إلى غيرها من كلمات الأعلام في هذا الشأن.

والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ما سبق، أنَّ القول بأنَّ الشهادة الثالثة ظهرت في زمن الشاه إسماعيل الصفويّ ـ المتوفَّى في القرن العاشر الهجري ـ مجانبٌ للصواب، كما بينَّاه تفصيلاً ، والحمد لله ربِّ العالمين.