هل حبس الإمام الكاظم (ع) في سجن مكشوف أو مظلم؟
السؤال: يُقال: إنّ الإمام الكاظم محبوس في سجنه، حيث لا يميز بين الليل والنهار. وفي مقتل الإمام، يُذكر أن هارون نظر من أعلى القصر ورأى ثوبًا ملقى على الأرض لم يتغير مكانه، ممّا يدل على وجود الإمام في مكان مكشوف. هل يمكن توضيح ذلك؟ وهل الرواية صحيحة؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر المؤرّخون وأرباب السيَر أنّ الإمام (عليه السلام) كان قد تعرّض للاعتقال والحبس أكثر من مرّة:
كانت الأُولى على يد المهديّ العباسيّ حيث حبس الإمام في بغداد زهاء عامٍ كاملٍ [ينظر: تاريخ الملوك والأمم ج8 ص257، البداية والنهاية ج10 ص197].
والثانية لما قام ولده هارون العبّاسيّ بحبسه (عليه السلام) عند عيسى بن جعفر بن المنصور الدوانيقيّ في البصرة لمدّة سنة.
والثالثة كانت بعد مضيّ سنةٍ على حبسه في البصرة تمّ نقله إلى سجن في بغداد [ينظر: إرشاد المفيد: ج2 ص240، الفصول المهمّة ج2 ص953].
والرابعة كانت بعد حينٍ من إطلاق سراحه، فحُبس للمرة الرابعة والتي كانت فيها شهادته.
روى الصدوق مسنداً أنّه: (لَمّا حبس الرشيدُ موسى بنَ جعفر (عليهما السلام) جنَّ عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله فجدّد موسى بن جعفر (عليهما السلام) طهوره فاستقبل بوجهه القبلة وصلّى لله عزّ وجلّ أربع ركعاتٍ ثمّ دعا بهذه الدعوات فقال: «يا سيدي نجّني من حبس هارون وخلّصني من يده، يا مخلّص الشجر من بين رملٍ وطينٍ، ويا مخلّص اللبن من بين فرثٍ ودمٍ، ويا مخلّص الولد من بين مشيمةٍ ورحِمٍ، ويا مخلّص النار من الحديد والحجر، ويا مخلّص الروح من بين الأحشاء والأمعاء خلصني من يدي هارون»،... فأَطلق عنه... إلى أنّ حبسه الثانية فلم يُطلق عنه حتّى سلّمه إلى السنديّ شاهك وقتله بالسُّم) [عيون الأخبار ج1ص87، الأمالي ص460] وهو كما ترى صريح في أنّ الإمام حُبس على يد هارون في بغداد لوحدها مرتين، وهذا ما لا خلاف بين المؤرخين فيه.
وقد كانت سيرة العباسيّين تقضي بحبس الشخصيّات والأعيان والوجهاء في أماكن غير تلك التي يُحبس فيها عوامّ الرعيّة كما نصّ على ذلك غير واحدٍ من المؤرّخين.
فقد روى ابن الأثير أنّه لَمّا غضب الرشيد على عبد الملك بن صالح قام بحبسه عند وزيره الفضل بن الربيع في بعض بيوته [الكامل في التاريخ ج6 ص179].
وروى اليعقوبيّ والذهبيّ قيام المأمون بحبس إبراهيم بن المهديّ بن شكلة عند أحمد بن أبي خالد من غير وثاق وأمره بالإحسان إليه [تاريخ اليعقوبيّ ج2 ص452، تاريخ الإسلام ج14 ص29]؛ لذا فقد كانت مكانة الإمام (عليه السلام) عند المسلمين وجلالة قدره وسمو منزلته تشكّل عامل ضغطٍ على هارون ممّا حدا به إلى حبسه مدّةً طويلةً في بيت الوزير الفضل بن الربيع، وهو يقع بجوار قصر الخليفة. ثمّ أمر هارون بنقل الإمام إلى بيت الفضل بن يحيى البرمكيّ الذي يعدّ من كبار رجالات الدولة، وكان بيته هو الآخر قريباً من القصر. [ينظر: حياة الإمام موسى بن جعفر دراسة وتحليل ج2 ص496]، وقد كان الرجلان يوسّعان على الإمام (عليه السلام) طيلة حبسه عندهما.
من هنا يتّضح لنا الوجه في رواية السجدة الطويلة التي رواها الصدوق بإسناده عن الثوباني قال: «كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) بضع عشرة سنة كلّ يوم سجدةٌ من انقضاض الشمس إلى وقت الزوال!. فكان هارون ربّما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الذي حُبس أبو الحسن (عليه السلام) فكان يرى أبا الحسن (عليه السلام) ساجداً. فقال للربيع: يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟! فقال: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب وإنّما هو موسى بن جعفر (عليهما السلام) له كلّ يوم سجده بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال. قال الربيع: فقال لي هارون: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم..! قلت: فمالكَ قد ضيقت عليه الحبس قال: هيهات لا بدّ من ذلك» [عيون أخبار الرضا ج1 ص88].
فإنّ الذي رآه هارون من طول سجود الإمام إّنما كان عند حبسه (عليه السلام) في بيوت رجال الدولة المجاورة لقصره، وكان (عليه السلام) حينها في سعةٍ من الحركة كما عرفت.
لكن المشكلة التي واجهت هارون هي ذلك التأثير الهائل للإمام (عليه السلام) في نفوس الناس حتّى رجالات الدولة حيث انجذبوا إلى الإمام، وصاروا يخالفون أوامر هارون فيه، فخشي هارون من تداعي أركان دولته وتشيّع قادتها؛ لذا أخذ بالتضيّيق على الإمام (عليه السلام) والسعي الحثيث إلى قتله، فقام بتسليم الإمام (عليه السلام) إلى اللعين السنديّ بن شاهك وأمره بشدّة التضيّيق عليه؛ فحبسه في طامورةٍ ظلماء لا يُعرف فيها وقت الصلاة إلّا من خلال المناوبة بين حرّاس السجن، وقيّده بثلاثين رطلاً من الحديد حتّى رُضّت ساقه بسبب ذلك، ولا زال يضيّق عليه حتّى كانت شهادته مسموماً على يده (عليه لعائن الله). [الإرشاد ج2 ص240، مناقب آل أبي طالب ج3 ص440].
فاتّضح من خلال ما تقدّم: أنّه لا تنافي بين الحادثتين؛ لتعدّد سجن الإمام (عليه السلام)، فإنّ ما رآه هارون كان حين حبس الإمام (عليه السلام) في بيت أحد رجال الدولة وهو الفضل بن الربيع أو الفضل بن يحيى، وأمّا الطامورة الظلماء فإنّها كانت في سجن السنديّ بن شاهك.
ختاماً: هذا تمام ما وفّقنا الله تعالى لتحريره في المقام، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
ون وأرباب السيَر أنّ الإمام (عليه السلام) كان قد تعرّض للاعتقال والحبس أكثر من مرّة:
كانت الأُولى على يد المهديّ العباسيّ حيث حبس الإمام في بغداد زهاء عام كامل [ينظر: تاريخ الملوك والأمم ج8 ص257، البداية والنهاية ج10 ص197].
والثانية لما قام ولده هارون العبّاسيّ بحبسه (عليه السلام) عند عيسى بن جعفر بن المنصور الدوانيقيّ في البصرة لمدّة سنة.
والثالثة كانت بعد مضي سنة على حبسه في البصرة تمّ نقله إلى سجن في بغداد [ينظر: إرشاد المفيد: ج2 ص240، الفصول المهمّة ج2 ص953].
والرابعة كانت بعد حينٍ من إطلاق سراحه، فحُبس للمرة الرابعة والتي كانت فيها شهادته.
روى الصدوق مسنداً أنّه: (لَمّا حبس الرشيدُ موسى بنَ جعفر (عليهما السلام) جنَّ عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله فجدّد موسى بن جعفر (عليهما السلام) طهوره فاستقبل بوجهه القبلة وصلّى لله عزّ وجلّ أربع ركعات ثمّ دعا بهذه الدعوات فقال: «يا سيدي نجّني من حبس هارون وخلّصني من يده يا مخلّص الشجر من بين رمل وطين ويا مخلّص اللبن من بين فرث ودم ويا مخلّص الولد من بين مشيمة ورحِم ويا مخلّص النار من الحديد والحجر ويا مخلّص الروح من بين الأحشاء والأمعاء خلصني من يدي هارون»،... فأَطلق عنه... إلى أنّ حبسه الثانية فلم يُطلق عنه حتّى سلّمه إلى السندي شاهك وقتله بالسم) [عيون الأخبار ج1ص87، الأمالي ص460] وهو كما ترى صريح في أنّ الإمام حُبس على يد هارون في بغداد لوحدها مرتين، وهذا ما لا خلاف لدى المؤرخين فيه.
وقد كانت سيرة العباسيّين تقضي بحبس الشخصيّات والأعيان والوجهاء في أماكن غير تلك التي يُحبس فيها عوامّ الرعيّة كما نصّ على ذلك غير واحد من المؤرّخين.
فقد روى ابن الأثير أنّه لَمّا غضب الرشيد على عبد الملك بن صالح قام بحبسه عند وزيره الفضل بن الربيع في بعض بيوته [الكامل في التاريخ ج6 ص179]، وروى اليعقوبيّ والذهبيّ قيام المأمون بحبس إبراهيم بن المهديّ بن شكلة عند أحمد بن أبي خالد من غير وثاق وأمره بالإحسان إليه [تاريخ اليعقوبيّ ج2 ص452، تاريخ الإسلام ج14 ص29]؛ لذا فقد كانت مكانة الإمام (عليه السلام) عند المسلمين وجلالة قدره وسمو منزلته تشكّل عامل ضغط على هارون ممّا حدا به إلى حبسه مدّة طويلة في بيت الوزير الفضل بن الربيع، وهو يقع بجوار قصر الخليفة. ثمّ أمر هارون بنقل الإمام إلى بيت الفضل بن يحيى البرمكيّ الذي يعدّ من كبار رجالات الدولة وكان بيته هو الآخر قريباً من القصر. [ينظر: حياة الإمام موسى بن جعفر دراسة وتحليل ج2 ص496]، وقد كان الرجلان يوسّعان على الإمام (عليه السلام) طيلة حبسه عندهما.
من هنا يتّضح لنا الوجه في رواية السجدة الطويلة التي رواها الصدوق بإسناده عن الثوباني قال: «كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) بضع عشرة سنة كلّ يوم سجدة من انقضاض الشمس إلى وقت الزوال!. فكان هارون ربّما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الذي حُبس أبو الحسن (عليه السلام) فكان يرى أبا الحسن (عليه السلام) ساجداً. فقال للربيع: يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟! فقال: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب وإنّما هو موسى بن جعفر (عليهما السلام) له كلّ يوم سجده بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال. قال الربيع: فقال لي هارون: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم..! قلت: فمالكَ قد ضيقت عليه الحبس قال: هيهات لا بدّ من ذلك» [عيون أخبار الرضا ج1 ص88].
فإنّ الذي رآه هارون من طول سجود الإمام إّنما كان عند حبسه (عليه السلام) في بيوت رجال الدولة المجاورة لقصره، وكان (عليه السلام) حينها في سعة من الحركة كما عرفت.
لكن المشكلة التي واجهت هارون هي ذلك التأثير الهائل للإمام (عليه السلام) في نفوس الناس حتّى رجالات الدولة حيث انجذبوا إلى الإمام، وصاروا يخالفون أوامر هارون فيه، فخشي هارون من تداعي أركان دولته وتشيّع قادتها؛ لذا أخذ بالتضيّيق على الإمام (عليه السلام) والسعي الحثيث إلى قتله، فقام بتسليم الإمام (عليه السلام) إلى اللعين السنديّ بن شاهك وأمره بشدّة التضيّيق عليه؛ فحبسه في طامورة ظلماء لا يُعرف فيها وقت الصلاة إلّا من خلال المناوبة بين حرّاس السجن، وقيّده بثلاثين رطلاً من الحديد حتّى رُضّت ساقه بسبب ذلك، ولا زال يضيّق عليه حتّى كانت شهادته مسموماً على يده (عليه لعائن الله). [الإرشاد ج2 ص240، مناقب آل أبي طالب ج3 ص440].
فاتّضح من خلال ما تقدّم: أنّه لا تنافي بين الحادثتين؛ لتعدّد سجن الإمام (عليه السلام)، فإنّ ما رآه هارون كان حين حبس الإمام (عليه السلام) في بيت أحد رجال الدولة وهو الفضل بن الربيع أو الفضل بن يحيى، وأمّا الطامورة الظلماء فإنّها كانت في سجن السندي بن شاهك.
ختاماً: هذا تمام ما وفّقنا الله تعالى لتحريره في المقام، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
اترك تعليق