هل قبل الإمام الحسين (ع) ببيعة يزيد؟

السؤال: ينقل أرباب التاريخ أنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) طلب من عمر بن سعد (لعنه الله تعالى) أنْ يكلِّمه بكلام، وكان من جملة هذا الكلام هو قبول الإمام ببيعة يزيد، فهل صحَّ ذلك؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يُشير الأخ السائل إلى ما رواه الطبريُّ في تاريخه، حيث روى عن أبي مخنف، عن جماعة المحدِّثين أنَّهم قالوا: (إنَّه ـ أي: الحسين ـ قال: اختاروا منِّي خصالاً ثلاثاً: إمَّا أنْ أرجع إلى المكان الذي أقبلتُ منه، وإمَّا أنْ أضع يدي في يدِ يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه، وإمَّا أنْ تسيِّروني إلى أي ثغرٍ من ثغور المسلمين شئتم، فأكون رجلاً من أهله، لي ما لهم، وعليَّ ما عليهم) [تاريخ الطبري ج4 ص312].

وممَّن ذكر ذلك من الشيعة السيِّد المرتضى علم الهدى (رحمه الله تعالى) في كتابه [تنزيه الأنبياء ص229].

والجواب عن ذلك يقع ضمن أمور:

الأمر الأوَّل: إنَّ نقل الطبريّ ـ وأمثاله ـ هكذا أمور ليس حُجَّةً علينا ولا ملزم لنا؛ وذلك لأنَّ الحجَّة علينا هو أقوال أئمَّتنا (عليهم السلام). وأمَّا كلام السيد المرتضى (طاب ثراه)، فهو من باب إلزام المخالفين، حيث كان كلامه في ردِّ شبهةِ أنَّ الإمام قد يُلقي نفسه في التهلكة، فكان ردُّه من باب الإلزام لا الالتزام، ويمكن مراجعة نصّ كلامه.

وبعبارة أُخرى: إنَّ نقل الطبريّ وأمثاله خلافاً لما نعتقده في الإمام الحسين (عليه السلام) من كونه رافضاً لبيعة الطاغية يزيد (لعنه الله تعالى) يجعلنا على قناعةٍ تامةٍ بعدم صدق ذلك المنقول؛ ولذلك فلا يكون حُجةً علينا بوجهٍ من الوجوه، ولا يصح الاستشهاد به أو الاعتماد عليه، كما هو واضح.

الأمر الثاني: لقد نقل الطبريُّ نفسه بأنَّ الحسين (عليه السلام) وعمر بن سعد كانا يتكلَّمان وحدهما، ولم يسمع بذلك شخص، وبعدها تكلَّم الناس ظنّاً منهم بأنَّ الحسين (عليه السلام) قبل ببيعة يزيد، وعليه، يكون هذا الظن ناشئاً من قبل أعداء الحسين (عليه السلام)، والظنُّ لا يُغني من الحق شيئاً.

قال ما نصُّه: (فلما التقوا، أمر حُسينٌ أصحابه أنْ يتنحَّوا عنه، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك، قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما... وتحدَّث الناس فيما بينهما ظنَّاً يظنُّونه أنَّ حُسيناً قال لعمر بن سعد: أُخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين... فتحدَّث الناس بذلك، وشاع فيهم من غير أنْ يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علموه) [تاريخ الطبريّ ج4 ص312].

وعليه، فإذا كان الأمر بهذه الطريقة السريَّة، فكيف علم به القوم؟! إلَّا أنْ يكون ابن سعد هو من أشاعه بينهم كذباً وزوراً. خصوصاً وأنَّ تحقق أحد هذه الشروط كان يصبُّ في مصلحة ابن سعد، إذْ كان غرضه الحصول على ملك الريّ بأيَّة وسيلةٍ كانت، كما لا يخفى على العارف بأحواله.

كيف، وقد كذَّب هذه المقولة أحد الرواة الذين شاهدوا الواقعة بأنفسهم، مما يكون دليلاً حسيَّاً على كذب خبر البيعة من رأس.

قال أبو مخنف: (فأمَّا عبد الرحمن بن جندب فحدَّثني عن عقبة بن سمعان قال: صحبتُ حسيناً فخرجتُ معه من المدينة إلى مكَّة، ومن مكَّة إلى العراق ولم أفارقه حتَّى قتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكَّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلَّا وقد سمعتها، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أنْ يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أنْ يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنَّه قال: دعوني فلأذهب في هده الأرض العريضة حتَّى ننظر ما يصير أمر الناس) [مقتل الحسين ص100، تاريخ الطبري ج4 ص313].

وقال النويري: (وأنكر عقبة بن سمعان هذه المقالة وقال: (صحبتُ الحسين، فخرجت معه من المدينة إلى مكَّة، ومن مكَّة إلى العراق، ولم أفارقه حتَّى قتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكَّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلَّا وقد سمعتها، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس ويزعمون من أنْ يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أنْ يسيِّره إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتَّى ننظر إلى مَ يصير أمر الناس) [نهاية الأرب ج20 ص429].

الأمر الثالث: إنَّ الموقف الحسيني الواضح يحتِّم علينا الرفض والإنكار لمثل هكذا مرويّات، حيث صرَّح (عليه السلام) بضرسٍ قاطعٍ وقال: «مثلي لا يُبايع مثله»، فهل يُعقل بعد ذلك قولهم بقبوله (عليه السلام) بالبيعة؟!

1ـ قال العلَّامة ابن نما (طاب ثراه): (فغضب الحسين وقال: «ويلي عليك يا ابن الزرقاء، أنت تأمر بضرب عنقي، كذبت ولؤمت، نحن أهل بيت النبوَّة، ومعدن الرسالة، ويزيد فاسقٌ شاربُ الخمر، وقاتل النفس، ومثلي لا يبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة») [مثير الأحزان ص14].

2ـ وقال السيِّد ابن طاووس(طاب ثراه): (ثمَّ أقبل على الوليد فقال: «أيها الأمير، إنا أهل بيت النبوَّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرَّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يُبايع بمثله») [الملهوف ص23].

3ـ وقال السيِّد محمَّد الحائري (طاب ثراه): (ثمَّ أقبل الحسين على الوليد وقال: «أيُّها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوَّة، ومعدن الرسالة، وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة») [تسلية المجالس ج2 ص152].

أقول: إنَّ رفض الإمام الحسين (عليه السلام) لبيعة الطاغية يزيد (لعنه الله تعالى) أدركه حتَّى الأعداء؛ ولذلك نشاهد مروان بن الحكم يقول لوالي المدينة: والله لو لم يبايعك الآن فلا تقدر عليه أبداً، فكيف يُعقل بعدها أنْ يطلب من عمر بن سعد وضع يده في يدِ يزيد بن معاوية؟!

قال الطبريُّ: (فقال مروان له: ـ أي: للوليد والي المدينة ـ والله لئن فارقك ـ أي: الإمام الحسين (عليه السلام) ـ الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً، حتَّى تكثر القتلى بينكم وبينه) [تاريخ الطبريّ ج 4 ص 251، الكامل في التاريخ ج4 ص15، بحار الأنوار ج44 ص ٣٢٤]، وغيرها.

إذن: موقف الإمام الحسين (عليه السلام) الرافض لبيعة الفاسق يزيد (لعنه الله تعالى) يحتِّم علينا رفض هكذا مرويات، ومنه يتبيَّن الموقف الحسينيُّ الأبي من فرية القبول ببيعة الطاغية يزيد بشكلٍ واضح.

والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ما تقدَّم، أنَّ القول بقبول الإمام الحسين (عليه السلام) لبيعة الفاسق يزيد لا يُمكن القبول به بوجهٍ من الوجوه، كما هو واضح. نسأل الله تعالى أنْ يرزقنا وإياكم زيارة الحسين وشفاعته .. والحمد لله ربِّ العالمين.