عبد الله بن عفيف الأزدي

السؤال: من هو عبد الله بن عفيف؟ وما دوره في الأحداث الحسينيَّة؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

هو عبد الله بن عفيف الأزدي الغامدي، كان من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد ذهبت عينه اليسرى في يوم الجمل، كما ذهبت الأُخرى في يوم صفين؛ ولذلك صار كفيفاً لا يفارق المسجد [يُنظر: أنساب الأشراف ج3 ص210].

قال العلَّامة النمازي: (عبد الله بن عفيف الأزدي، لم يذكروه. قال السيِّد ابن طاووس: وكان من خيار الشيعة وزهَّادها، وكانت عينه اليسرى ذهبت في يوم الجمل، والأُخرى في يوم صفِّين. وكان يلازم المسجد الأعظم فيصلِّي فيه إلى الليل، فلمَّا قُتل الحسين (عليه السلام) وصعد ابن زياد المنبر وقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه وقتل الكذَّاب بن الكذَّاب. قال عبد الله: يا بن مرجانة، إنَّ الكذَّاب بن الكذَّاب أنت وأبوك، ومن استعملك وأبوه. يا عدو الله .. إلى آخر ما جرى بينه وبين اللعين من الكلمات الدالَّة على حُسن حاله وعقيدته وكماله وشجاعته إلى أنْ رُزِق الشهادة) [مستدركات علم الرجال ج5 ص56].

كان عبد الله بن عفيف (رضوان الله عليه) من مصاديق قوله (عليه السلام): «إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرِّبان من أجل، ولا يُنقصان من رزق، وأفضل من ذلك كلِّه كلمةُ عدلٍ عند إمامٍ جائرٍ» [نهج البلاغة ج4 ص90]، وهو ما فعله مع طاغية زمانه عُبيد الله بن زياد (لعنه الله تعالى).

قال الطبريُّ: (قال حُميد بن مُسلم: ‌لما ‌دخل ‌عُبيد ‌الله ‌القصر ‌ودخل ‌الناس، نُودِي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس في المسجد الأعظم، فصعد المنبر ابن زياد فقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه، وقتل الكذَّاب ابن الكذَّاب، الحسين بن علي وشيعته، فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتَّى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزديّ ثمَّ الغامديّ، ثمَّ أحد بني والبة ـ وكان من شيعة علي (كرَّم الله وجهه)، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي، فلما كان يوم صفين ضرب على رأسه ضربة، وأُخرى على حاجبه، فذهبت عينه الأخرى، فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلِّي فيه إلى الليل ثمَّ ينصرف ـ قال: فلما سمع مقاله ابن زياد، قال: يا بن مرجانة، إنَّ الكذَّاب ابن الكذَّاب أنت وأبوك والذي ولَّاك وأبوه، يا بن مرجانة، أتقتلون أبناء النبيين، وتتكلَّمون بكلام الصدِّيقين! فقال ابن زياد: عليَّ به، قال: فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه، قال: فنادى بشعار الأزد: يا مبرور ـ قال: وعبد الرحمن بن مخنف الأزديّ جالس ـ فقال: ويح غيرك، أهلكت نفسك، وأهلكت قومك، قال: وحاضر الكوفة يومئذٍ من الأزد سبعمائة مقاتل، قال: فوثب إليه فتيةٌ من الأزد فانتزعوه فأتوا به أهله، فأرسل إليه من أتاه به، فقتله وأمر بصلبه في السبخة، فصُلب هنالك) [تاريخ الطبريّ ج5 ص458].

وقال أحمد بن أعثم الكوفي: (فصعد ابن زياد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال في بعض كلامه: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه، وقتل الكذَّاب ابن الكذَّاب. قال: فما زاد على هذا الكلام شيئاً ووقف، فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزديّ (رحمه الله) وكان من خيار الشيعة وكان أفضلهم ... ثمَّ قال: يا بن مرجانة، الكذَّاب ابن الكذَّاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه، يا عدو الله، أتقتلون أبناء النبيين وتتكلَّمون بهذا الكلام على منابر المؤمنين - إلى قوله - فقال ابن زياد: اضربوا عنقه، فضربت رقبته وصُلب (رحمة الله عليه)) [الفتوح ج5 ص123].

وقال الشيخ المفيد (طاب ثراه): (ثمَّ قام [ابن زياد] من مجلسه حتَّى خرج من القصر ودخل المسجد، فصعد المنبر فقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذَّاب ابن الكذَّاب وشيعته، فقال إليه عبد الله بن عفيف الأزديّ ـ وكان من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ فقال له: يا عدو الله، إنَّ الكذَّاب أنت وأبوك، والذي ولَّاك وأبوه، يا بن مرجانة، تقتل أولاد النبييّن وتقوم على المنبر مقام الصدِّيقين؟! فقال ابن زياد: عليَّ به، فأخذته الجلاوزة، فنادى شعار الأزد، فاجتمع منهم سبعمائة فانتزعوه من الجلاوزة، فلما كان الليل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته، فضرب عنقه وصلبه في السبخة (رحمة الله عليه)) [الإرشاد ج2 ص117].

وقال السيِّد ابن طاووس (طيَّب الله ثراه): (قال عبد الله بن عفيف: الحمد لله ربِّ العالمين، أما أني قد كنتُ أسأل الله ربي أنْ يرزقني الشهادة من قبل أنْ تلدك أمك، وسألتُ الله أنْ يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه وأبغضهم إليه، فلما كفَّ بصري يئست من الشهادة، والآن، فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها، وعرَّفني الإجابة بمنه في قديم دعائي) [الملهوف ص98].

هذا، وقد ورد في نقل السيِّد ابن طاووس ـ وغيره ـ ما يُوهم رضاه عن بعض الشخصيات الغاصبة لحق أهل البيت (عليهم السلام).

فقال ما نصُّه: (فما زالوا به حتَّى أخذوه، ثمَّ حُمل فأدخل على ابن زياد، فلما رآه قال: الحمد لله الذي أخزاك. فقال له عبد الله بن عفيف: يا عدو الله، بماذا أخزاني الله ... إلى قوله: فقال له ابن زياد: ماذا تقول يا عبد الله في أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان؟ فقال: يا عبد بني علاج، يا بن مرجانة ـ وشتمه ـ ما أنت وعثمان بن عفَّان أساء أم أحسن، وأصلح أم أفسد، والله تعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق، ولكنْ سلني عنك وعن أبيك وعن يزيد وأبيه. فقال ابن زياد: والله لا سألتك عن شيءٍ أو تذوق الموت غصَّة بعد غصَّة) [الملهوف ص98].

فنقول في ردِّه: إنَّ الملاحَظ في سيرة الطواغيت أنهم يختلقون الأعذار عند إرادتهم قتل واحدٍ من الناس، وهو ما فعله ابن مرجانة مع ابن عفيف، حتَّى يُشيع بعدها بأنه قتله من أجل طعنه بالثالث وليس لأجل الانتقام، ولكنَّ ابن عفيف (رحمه الله) كان ذا بصيرةٍ عاليةٍ حيث فوَّت الفرصة عليه، وحصر سبب قتله بالحسين (عليه السلام). على أنّك سمعت سابقاً بأنَّ الرجل من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد شارك في معركة الجمل التي قادها الطغاة بذريعة الطلب بدم الثالث، فدقق.

والنتيجة النهائيَّة من كلِّ ذلك، أنَّ الرجل كان من خيار الشيعة، وقد ردَّ ابن مرجانة في أوج سلطته وبطشه حتَّى مضى شهيداً مقتولاً .. والحمد لله ربِّ العالمين.