ما معنى أبي الضيم؟

السؤال: ما معنى لقب الإمام الحسين (عليه السلام) "أبيُّ الضَيم"؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

من جملة الألقاب المشهورة لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) لقب (أبيِّ الضيم)، ومعنى ذلك أنَّه يأبى ويرفض الضيم ـ الظلم ـ والذلَّ والإهانة وما شابه ذلك من معاني الانكسار والضعف والضعة.

قال العلَّامة القرشيُّ (طاب ثراه): (والصفة البارزة من نزعات الإمام الحسين (عليه السلام) الإباء عن الضيم حتَّى لُقب (بأبيِّ الضيم)، وهي من أعظم ألقابه ذيوعاً وانتشاراً بين الناس، فقد كان المثل الأعلى لهذه الظاهرة، فهو الذي رفع شعار الكرامة الإنسانيَّة ورسم طريق الشرف والعزَّة، فلم يخنع، ولم يخضع لقرود بني أميَّة، وآثر الموت تحت ظلال الأسنَّة، يقول عبد العزيز بن نباتة السعديّ: «والحسين الذي رأى الموت في العزّ .. حياةً، والعيش في الذلِّ قتلاً») [حياة الإمام الحسين ج1 ص121].

وقال ابن أبي الحديد تحت عنوان (أباة الضيم وأخبارهم) ما نصُّه: (سيِّد أهل الإباء، الذي علَّم الناس الحميَّة والموت تحت ظلال السيوف؛ اختياراً له على الدنيَّة، أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، عُرض عليه الأمان وأصحابه، فأنف من الذلّ، وخاف من ابن زياد أنْ يناله بنوعٍ من الهوان إنْ لم يقتله، فاختار الموت على ذلك.

وسمعتُ النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلويَّ البصريَّ يقول: كأنَّ أبيات أبي تمام في محمَّد بن حميد الطائيّ ما قيلت إلَّا في الحسين (عليه السلام):

«وقد كان فوت الموت سهلاً فردَّه .. إليه الحِفاظ المرُّ والخلُقُ الوعرُ .. ونفس تعاف الضيم حتَّى كأنَّه .. هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر .. فأثبتَ في مستنقع الموتِ رجلَه .. وقال لها: من تحت أخمصك الحشر .. تردَّى ثياب الموت حمراً فما أتى .. لها الليل إلَّا وهي من سندسٍ خضر».

ولـمَّا فر أصحاب مصعب عنه، وتخلَّف في نفرٍ يسيرٍ من أصحابه ، كسر جفن سيفه، وأنشد:

«فإنَّ الألى بالطفِّ من آل هاشم .. تأسَّوا فسنُّوا للكرام التأسِّيا» فعلم أصحابه أنه قد استقتل) [شرح نهج البلاغة ج3 ص249].

وتظهر صفة (الإباء) جليَّةً في خطابه الخالد: «ألا وإنَّ الدَّعيَّ ابن الدَّعي قد ركز بين اثنتين: السَلَّة والذلَّة، وهيهات منا الذلَّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت، وحجورٌ طهرت، ونفوسٌ أبيَّةٌ وأنوفٌ حميَّة من أنْ نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» [مثير الأحزان ص40].

لقد وقف الحسين (عليه السلام) في (يوم الطفِّ كالجبل الأشمّ غير حافلٍ بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردَّة الأمويَّة، وقد ألقى عليهم وعلى الأجيال أروع الدروس عن الكرامة وعزَّة النفس وشرف الإباء قائلاً: «والله لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد، إنّي عذتُ بربّي وربّكم أنْ ترجمون». وألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الإمام العظيم من الكرامة التي لا حدَّ لأبعادها، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الإسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد.

وتسابق شعراء أهل البيت (عليهم السلام) إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة، فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دوَّنته مصادر الأدب العربيّ، وقد عنى السيِّد حيدر الحلِّي بتصوير ذلك في كثيرٍ من روائعه الخالدة التي رثى بها جدَّه الحسين، يقول:

«طمعتْ أنْ تسومه القوم ضيماً .. وأبى الله والحسام الصنيع .. كيف يلوي على الدنية جِيْداً .. لسوى الله ما لواه الخضوع ..

ولديه جأش أردُّ من الدرع .. لضمأى القنا وهنَّ شروع ..

وبه يرجع الحِفْاظ لصدرٍ .. ضاقت الأرض وهي فيه تضيع ..

فأبى أنْ يعيش إلَّا عزيزاً .. أو تجلَّى الكفاح وهو صريع».

ولم تُصوَّر منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع، فقد عرض السيِّد حيدر الحلِّيّ إلى ما صمّمت عليه الدولة الأمويَّة من إرغام الإمام الحسين (عليه السلام) على الذلّ والهوان، واخضاعه لجورهم واستبدادهم، ولكن يأبى له الله ذلك، وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عزَّ النبوَّة أنْ يقرَّ على الضيم، فإنَّه (سلام الله عليه) لم يلو جيده خاضعاً لأيّ أحدٍ إلَّا لله، فكيف يخضع لأقزام بني أمية؟! وكيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبَّار الذي هو أردُّ من الدرع للقنا الظامئة، وما أروع قوله:

«وبه يرجع الحِفْاظ لصدر .. ضاقت الأرض وهي فيه تضيع» وهل هناك أبلغ أو أدق وصفاً لإباء الإمام الحسين وعزَّته من هذا الوصف؟ فقد أرجع جميع طاقات الحِفْاظ والذمام لصدر الإمام (عليه السلام) التي ضاقت الأرض من صلابة عزمه وتصميمه، بل إنَّها على سعتها تضيع فيه! ومن الحق أنَّه قد حلَّق في وصفه لإباء الإمام، ويضاف لذلك جمال اللفظ ... إلى أنْ قال (رضوان الله عليه): إنَّ مراثي السيِّد حيدر للإمام الحسين تعدُّ ـ بحق ـ طُغراءً مشرقاً في تراث الأمَّة العربيَّة، فقد فكَّر فيها تفكيراً جاداً ورتَّب أجزاءها ترتيباً دقيقاً حتَّى جاءت بهذه الروعة، وكان ـ فيما يقول معاصروه ـ ينظِّم في كلِّ حولٍ قصيدةً خاصةً في الإمام الحسين (عليه السلام) ويعكف طيلة عامه على اصلاحها، ويمعن امعاناً دقيقاً في كلِّ كلمةٍ من كلماتها حتَّى جاءت بمنتهى الروعة والابداع) [حياة الإمام الحسين ج1 ص121].

والخلاصة من كلِّ ذلك، أنَّ لقب (أبيِّ الضيم) من الألقاب التي تحمل أسمى معاني العزَّة والكرامة ورفض الظلم بكلِّ ألوانه وأشكاله، فسلامٌ على (أبيِّ الضيم) ما دجى الليل وأضاء النهار .. والحمد لله ربِّ العالمين.