لماذا الموسيقى حرام؟

السؤال: هل يوجد مبرر حقيقيٌّ لتحريم هذا الجمال؟

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

تتّضح الإجابة عن السؤال المذكور من خلال بيان الأمرين التاليين:

الأمر الأوّل: تحرير محل الكلام

إنّ الموسيقى - وهي: الأصوات الصادرة من آلات وتريّة أو هوائيّة خاصة ومعروفة لدى الناس - ليست على وتيرة واحدة، وإنّما تكون على نحوين:

أحدهما: ما لا يتناسب مع مجالس اللهو واللعب؛ كالموسيقى العسكريّة وموسيقى الجنائز الرسميّة، ومثل هذا النوع يرى كثير من الفقهاء عدم حرمته.

والآخر: هو أصوات الموسيقى التي تتناسب وتنسجم مع مجالس اللهو واللعب، وهذه هي يحرم عزفها والاستماع إليها سواء رافقها شيء من الغناء، أم تجرّدت عنه، وبالتالي فإنّ مصبّ الكلام هو هذا النوع دون سابقه.

وينبغي الالتفات في المقام إلى أنّه لا خصوصيّة للآلات الموسيقيّة بحدّ ذاتها في حليّة نوع وحرمة آخر، فإنّها آلات مشتركة تستعمل في النوعين المتقدّمين معاً، وإنّما المعيار والمدار في الحلّية والحرمة هو المناسبة والتوافق مع مجالس اللهو واللعب من عدمه، فما كان مناسباً لتلك المجالس يحرم، وإلّا فلا حرمة. وأيضاً لا مدخليّة للإثارة الجنسية وعدمها في تلك الحلّيّة أو الحرمة، فإنّ الموسيقى المناسبة للمجالس المذكورة تحرم وإن لم يكن لها تأثير جنسيّ، شأنها في ذلك شأن الخمر من جهة الإسكار فإنّه يحرم وإن لم يحصل الإسكار لبعضهم كالمدمنين - والعياذ بالله – وقد فصّل السادة العلماء الكلام في ذلك كلّه بما لا يُبقي إبهاماً في الموضوع أو الحكم. [ينظر: الفقه للمغتربين ص310ـ320].

الأمر الثاني: في بيان العلة أو الحكمة من وراء تحريم الموسيقى

لا يخفى أنّ الوقوف على علل الأحكام الشرعيّة بشكل مطلق ليس أمراً متيسّراً للإنسان؛ باعتبار أنّ ملاكات تلك الأحكام منحصرة بيد مشرّعها وهو الله تعالى، فما رأى مصلحة في كشفها لهم كشف عنها، وما لا مصلحة في كشفها لم يُطلعهم عليها، وحيث أنّ المولى حكيم عليم فقد كانت وظيفة الإنسان المسلم - فضلاً عن المؤمن – هي التسليم والتعبّد بما يرد إليه عن الله تعالى من تشريعات وأحكام من دون الحاجة إلى معرفة العلّة أو الحكمة من ورائها.

على الرغم من ذلك فقد وردت جملة من روايات أهل البيت (عليهم السلام)؛ لتصرّح ببعض الآثار الوضعيّة الخطيرة التي تترتّب على الموسيقى سواء كانت عزفاً أم استماعاً؛ إذ لا فرق في ذلك، ونحن نذكر بعضاً منها لا جميعها، فإنّ (الحرّ تكفيه الإشارة):

1ـ الموسيقى تورث النفاق وتميت القلب

روى ثقة الإسلام الكلينيّ بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «ضرب العيدان يُنبِتُ النفاقَ في القلبِ كما يُنبِتُ الماءُ الخُضرةَ» [الكافي ج6 ص434]، والعيدان جمع العُود، وهو الآلة الوتريّة المعروفة [ينظر: تاج العروس ج5 ص125]، وعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: «أربع يُفسِدنَ القلب ويُنبِتنَ النفاق في القلب كما يُنبت الماءُ الشجرَ: استماع اللهو، والبذاء، وإتيان باب السلطان، وطلب الصيد»، وأيضاً عنه (صلّى الله عليه وآله) قال: «ثلاث يُمتن القلب: استماع اللهو، وطلب الصيد، وإتيان باب السلطان» [مشكاة الأنوار ص446] وعليه فلو لم يكن للموسيقى أثر إلّا هذا المرض الخطير وما يستتبعه من موت القلب؛ لكان ذلك كافياً في ردع المسلم عنها، فتدبّر جيّداً.

2ـ الموسيقى رجس من عمل الشيطان!

روى الكليني أيضاً بإسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): « لَمّا مات آدم (عليه السلام) وشمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم (عليه السلام) فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذاك!» [الكافي ج6 ص431].

3ـ الله يغضب والملائكة تنفر!

روى الصدوق بإسناده عن الصادق (عليه السلام)، أنّه قال ضمن حديث طويل: «... وإيّاك والضرب بالصوانيج فإنّ الشيطان يركض معك والملائكة تنفر عنك، ومَن بقي في بيته طنبور أربعين صباحاً فقد باء بغضب من الله عزّ وجلّ» [الفقيه ج4 ص59]، والصوانج أو الصوانيج جمع الصَّنجُ: وهو آلة للطرب، تصنع عادة من النحاس ويضرب بعضه ببعض. [ينظر: صحاح الجوهريّ ج1 ص325].

4ـ الموسيقى تسوق إلى التسافل!

لا ريب في أنّ الله تعالى أراد لعباده السعي نحو الكمال ونيل أعلى مراتب القرب من حضرته عن طريق تزكية النفس بالتقوى، ولكنّ الموسيقى تسوق صاحبها نحو التسافل، فقد روى الصدوق يرفعه إلى الصادق (عليه السلام)، أنّه سُئل عن السَّفلة، فقال: «مَن يشرب الخمر ويضرب بالطُّنبور». [الخصال ص62] والطُّنبور من آلات اللَّهو الوَتَريَّة، والحاصل أنّ الواقع يشهد بتسافل أهل الموسيقى عازفين ومستمعين.

وقد يبدو التعبير بـ (السَّفَلَة) غريباً وقاسيّاً للوهلة الأولى لكن..! دعونا نعود أدراجنا إلى وجداننا فنتساءل مع أنفسنا ونجيب بكلّ حياديّة وموضوعيّة فنقول: هل يجهل الإنسان فعلاً أنّ الموسيقى من فخاخ الشيطان؟! أَلا يرشدنا العقل إلى أنّ الله تعالى لو ميّز بين الحقّ والباطل لكانت الموسيقى من جملة الباطل؟!. أليست الموسيقى تذهب بمخيّلة الإنسان بعيداً فتجعله يسبح في فضاءات الغفلة عن الغاية التي خُلق من أجلها وعن الاستعداد للقاء ربّه وملاقاة مصيره والعمل لآخرته؟! فيكون مصداقاً لقوله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ...} [الأنبياء: 1-3]، ألا نشاهد أنّ العقلاء وأصحاب المروءة يبتعدون عن مجالس اللهو والغناء ويبغضونها؟! ألا نرى أنّ الموسيقى تصيب الإنسان بحالة الطرب جراء استماعه لها وتفاعله معها حتّى تخرجه عن طوره وتُفقده وقاره وهيبته وتُعدمه توازنه وسيطرته على نفسه فيذهب راقصاً معها يتمايل يميناً وشمالاً؟!، فأي تسافل وانحطاط بعد هذا؟!.

ولأجل هذه الأسباب الواقعيّة والحقيقيّة كانت الموسيقى محرّمة، وكان لابدّ للأديان السماويّة من العمل على محاربتها وتطهير المجتمعات الإيمانيّة منها. روى ثقة الإسلام الكلينيّ بسند معتبر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: «إنّ الله بعثني رحمة للعالمين؛ ولِأَمحقَ المعازفَ والمزاميرَ وأمور الجاهلية والأوثان.. الخبر» [الكافي ج3 ص350] فإنّ واحدة من أهمّ غايات البعثة النبويّة الشريفة هي القضاء على الموسيقى وآلاتها لما فيها من الآثار السلبية المتقدّمة فكان شأنها في ذلك شأن الأصنام التي تُعبد من دون الله تعالى!.

وبما تقدّم يظهر لك فساد قول السائل: (هل يوجد مبرر حقيقيٌّ لتحريم هذا الجمال؟) فإنّ عدّ الموسيقى اللهويّة من الجمال مصادرة واضحة ورؤية للأشياء على غير حقائقها التي هي عليها، فيندرج تحت قوله (صلّى الله عليه وآله): «كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟!، فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم وشرٌّ من ذلك: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟!، فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشرٌّ من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟!» [الكافي ج5 ص59].

يبقى تذكير لقرّائنا الكرام بأنّ ما أوردناه من الأدلّة ليس إلّا غيضاً من فيض وقطرة من بحر، كما أنّ روايات حرمة الغناء شاملة ضمناً لحكم الموسيقى عزفاً واستماعاً، والأدلّة على حرمتها متواترة وعليها معقد إجماع علماء الطائفة الحقّة (أعلى الله برهانهم).

ختاماً: هذا ما وفّقنا الله تعالى لبيانه، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.