هل كانت الخلافة بعد النبيّ (ص) إسلاميَّة أم دنيويّة؟
السؤال: هل يُعبّر مفهوم الخلافة في الفكر الإسلاميّ عن نظام حكمٍ دينيٍّ يُمثّل جوهر الإسلام، أم هو نظامٌ سياسيٌّ يعكس مصالح دنيويّة لفئات معيّنة؟
الإجابة:
إنَّ مفهوم الخلافة كما طرحه الفكر السنّيّ ليس إلّا بناءً سياسيّاً صاغته ظروف الصراع على السلطة بعد وفاة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، حيث انفصلت الخلافة عن المنهج النبويّ القائم على الوحي لتتحوّل إلى نظامٍ دنيويٍّ يتّسم بالتحالفات القبليّة والمصالح الفئويّة.
يَدَّعي أهل السنّة أنّ الخلافة تُمثّل واجباً شرعيّاً يرتبط بكيان الدين، إلّا أنّ التاريخ نفسه يكشف أنّ الخلافة كانت نظاماً بشريّاً أقرب إلى الملكيّة منها إلى الشورى أو العدالة الإسلاميَّة، فمنذ اللحظات الأولى من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدأ التنافس المحموم على السلطة، وما جرى في سقيفة بني ساعدة يُؤكّد تسابق المهاجرين والأنصار نحو القيادة بعد رسول الله (ص)، فعندما اجتمع الأنصار لاختيار قائدٍ منهم، بادر أبو بكر وعمر إلى احتكار السلطة بحجّة أنّ «الأئمّة من قريش». وقال عمر: (مَن يُنازعنا سلطان محمّد..) [تاريخ الطبريّ ج2 ص457، الإمامة والسياسة ج1 ص15]. هذه الحادثة أظهرت أنّ الاختيار لم يستند إلى نصٍّ شرعيٍّ، بل إلى منطق التحالفات القبليّة.
أمّا الرؤية الشيعيّة فإنَّها تستند إلى النصوص النبويّة التي تُؤكّد أحقّيّة الإمام عليّ (عليه السلام) بالخلافة، والنصوص في ذلك كثيرةٌ وواضحةٌ، مثل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غدير خُمّ: «مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه»، وهو نصٌّ واضحٌ في جعل الإمامة لعليٍّ كامتدادٍ للقيادة النبويّة، لكنّ هذا النصّ وغيره من النصوص أُقصي لصالح مشاريع سياسيّةٍ فرضتها قريش عبر السقيفة، ممّا أدّى إلى تهميش الإمام عليّ وأهل البيت (عليهم السلام) عن دورهم الطبيعيّ في قيادة الأمّة.
ومن الشواهد التاريخيّة التي تُؤكّد بأنّ الخلافة السنّيّة تحوّلت عبر التاريخ إلى نظامٍ قمعيٍّ لا يمتّ بصلة إلى قيم الإسلام:
1ـ واقعة الحرّة: عندما استباح يزيد بن معاوية المدينة المنوّرة وقتل الصحابة والتابعين.
2ـ قتل الإمام الحسين (عليه السلام): في كربلاء قُتل سبط النبيّ (ص) وأهل بيته (ع) بوحشيّةٍ لمجرّد رفضهم بيعةً ظالمة، وهو ما يكشف عن الانحراف الكامل للخلافة عن الدين.
3ـ إعدام حجر بن عديّ: وهو أحد الصحابة الأوفياء لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، قُتل ظلماً لموقفه من معاوية.
استمرّت الانحرافات في الخلافة حتّى بلغت ذروتها مع العبّاسيّين، الذين رفعوا شعار (الرضا من آل محمّد) للوصول إلى السلطة، ثمّ نقضوا ذلك بشدّة بطشهم بأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، والتاريخ مملوءٌ بالمظالم والفواجع التي ارتُكبت في حقّ أهل البيت خاصّة وفي حقّ المسلمين عامّة.
في المحصّلة،
الخلافة السنّيّة كانت تجربةً سياسيّةً دنيويّةً بحتةً لا تُمثّل روح الإسلام، وارتبطت بشكلٍ مباشرٍ بالصراع على السلطة، وعلى النقيض، فإنّ الإمامة في الفكر الشيعيّ هي نظامٌ إلهيٌّ يستمدّ شرعيّته من النصوص ويهدف إلى تحقيق العدالة الحقيقيّة، فالأحداث التاريخيّة تُثبت أنّ مدرسة الخلفاء دافعت عن نظام قريش القبليّ على حساب قيم الإسلام، بينما تمسّك الشيعة بالحقّ المُتمثّل في ولاية أهل البيت (عليهم السلام).
اترك تعليق