لا معنى للحياة من دون الإيمان بالله تعالى.
ملحد/: ألا يكفي جمال الطبيعة وروعة الحياة لكي نتمتع بوجودنا، ونعيش بأمان من دون الإيمان بالله؟
من غير المعقول أن يعيش الإنسان على هذه المعمورة، ويجد أن كل ما حوله في الكون من جبال وبحار وأنهار ومحيطات وشجر وحجر وكائنات مسخرة له، ولا يسأل لماذا وجد، ولماذا وجدت هذه الطبيعة، ولماذا الإنسان هو المتميز فيها؟ ولماذا هي مسخرة لي؟ لا يمكن أن يكون الجواب هو فقط كي نتمتع بجمال الطبيعة لنأكل ونشرب ونتكاثر ونلهو ونلعب؛ فأقصى متعة في الطبيعة وفي هذه الحياة لا تكفي إنساناً يعلم أنه وُلد وسيموت.
بل بدون وجود إله تفقد كل الكائنات حدودها وحيزها، وتنشأ إشكاليات في النظام المعرفي والأخلاقي، وتفقد الأشياء حدودها وهويتها ويَصعُب التمييز بينهما، كما تختفي التفرقة بين الخير والشر، فلا يستحق الإنسان لقب إنسان.
فتميز الإنسان كونه خليفة لله في الأرض، والموكل بإصلاحها وتعميرها وجعلها مكاناً أجمل وأفضل، خلقه فيها وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً؛ ليصلح الأرض ويعمرها ويجعلها مكاناً مليئاً بالخير والسلام والحب والجمال بين البشر فيها، فيطعم مسكيناً، أو يساعد فقيراً، أو يغيث ملهوفاً أو يعطي السائل والطالب، ويحنُّ فيها على الكبير والصغير، ويقف إلى جانب أخيه الإنسان، ويحمي الأرض ممن خربوها، ونشروا فيها القتل وسفك الدماء والشر... ومما لا شك فيه أن من يفهم السبب الأسمى لخلق الله له، سيبدأ بنشر الخير في كل مكان، ويستشعر وجود ربه إلى جانبه، فيدعوه بأن يوفقه خير التوفيق لهذه المهمة العظيمة التي خلقه الله لأجلها، وسيعيش في سعادة وهناء، ويكون مستحقاً لسعادة الله في الدارين والفوز بجنان النعيم، له فيها كل ما طابت له نفسه من النعم والملذات التي لا حصر لها.
نعم، إذا تصورنا هذا العالم بدون الإيمان بالله وبالعالم الآخر، لظهر لنا أن عالمنا فارغ ولا معنى له؛ وإنه أشبه ما يكون بافتراض دورة حياة الجنين من دون خروجه من تلك الحياة إلى هذه الحياة الدنيا. إن الجنين الذي يعيش في رحم أمّه، ويقضي في هذا العالم - عالم الرحم - الضيق والمظلم شهوراً عدة، ليأخذه العجب حقاً لو أنه أوتي عقلاً وحكمة ليتفكر بهما في أمره، لماذا أنا حبيس في هذا السجن المظلم، لماذا علي أن أخوض في هذه المياه والدماء، ما نتيجة ذلك، من الذي أرسلني، ولماذا؟
أما إذا قيل له: إنك تقضي هنا فترة مؤقتة، تتشكل فيها أعضاؤك، فتقوى وتصبح قادراً على الحركة والسعي في عالم كبير آخر، وإن قرار خروجك من هذا العالم سوف يصدر بعد انقضاء تسعة أشهر، فتضع قدمك في دنيا فيها شمس ساطعة، وقمر منير، وأشجار خضر، ومياه جارية، وكثير من النعم الأخرى، عندئذٍ سيتنفس الجنين الصعداء، ويقول: الآن أدركت الحكمة من وجودي. فهذه الدنيا وهذه الطبيعة مقدمة للعالم الآخر، إنها المدرسة التي تعد المرء لدخول الجامعة الكبيرة. أما إذا قطعت علاقة حياة الجنين بالحياة في هذه الدنيا، لغرق كل شيء في الظلام ولم يعد له أي معنى، ولكان السجن رهيباً، ومستقبل السجين أليماً.
كذلك هي العلاقة بين الحياة في هذه الطبيعة والحياة بعد الموت. فما الداعي الذي يدعونا لأن نظل نتقلب في هذه الدنيا سبعين سنة، أو أقل أو أكثر، متحملين العذاب والعناء، نقضي فترة أخرى ندرس ونتعلم، وما أن تنتهي مرحلة النضج والتعلم حتى نجد ثلج الكهولة قد حط على رؤوسنا! ثم ما الهدف من كل هذا؟ ألكي نأكل ونلبس وننام، ثم لكي نكرر هذا عشرات السنين؟! فهل هذه السماء الشاسعة، وهذه الأرض الواسعة، وكل هذه المقدمات والدرس واختزان المعلومات والتجارب، وكل هؤلاء الأساتذة والمربين، لم يكونوا إلا للأكل والشرب واللبس في هذه الحياة المنحطة المتكررة؟ هنا تتأكد عبثية هذه الحياة وفراغها عند أولئك الذين لا يؤمنون بالله وبالمعاد؛ لذلك نجد أن كثيراً من هؤلاء يلجأون إلى الإنتحار للخلاص من حياة عديمة المعنى والهدف.
إذن، الإيمان بالله وبالمعاد يمنح الحياة معنى ويعطي الفرد اطمئناناً، ويخلصه من "الإضطراب" و"القلق" و"العبث"...
اترك تعليق