نقد نظريات نشوء الاديان (4)

: اللجنة العلمية

النظرية الرابعة: الدين مخدر للشعوب

وهي النظرية الّتي جاء بها الفيلسوف المادي (كارل ماركس) تحت شعار (الدين أفيون الشعوب)، وخلاصة هذه النظرية: 

إنّ الدين عبارة عن مؤسسة اجتماعية اقتصادية يأخذ قيمه، ومبادئه من القيم الاجتماعية السائدة في ذلك الزمان، ويُعطِيها صفةٌ القدسيّة، والخلود، الأمر الذي يجعل هذه القيم فوق حركة التطور، والتغير في المجتمع، والغاية من ذلك كله، هو ابقاء ما كان على ما كان

نقد النظرية: يمكننا تحديد مضامين هذه النظرية في نقطتين مهمتين:

النقطة الأولى: إنّ الدين عبارة عن تقاليد اجتماعية.

النقطة الثانية: إنّ الدين غير متحرك وجامد.

أمّا ما يرجع إلى النقطة الأولى. 

فجوابه: إنّ هذه النظرية هي عين النظرية الثالثة المتقدمة (نظرية دوركايم)، وعندها سيرد عليها جميع ما اوردناه عليه من الاشكالات الاربعة, فراجع.

وأمّا ما يخص النقطة الثانية. 

فجوابه: إنّ هذا الاشكال نابع عن عدم فهمه للدين, إذ أنّ في الدين (الجانب الفقهي) حيثيتان: أحدهما يمثل بالحيثية الثابت , والآخر يمثل بالحيثية المتحرك, وهذا الأخير يُترك خيارُ املاءهِ بالحكم الشرعي بيد الفقيه. 

إذن من هذا الجانب لا يوجد ثبات في الاحكام الشرعية.

ولكي يتضح المطلب أكثر للمطالع الكريم سأذكر بعض الامثلة الفقهية الواقعية.

إنّ الخضاب للرجل (وضع الحناء في يده)، والكحل من المستحبات في الشريعة الاسلامية, إلّا أنّ هذا الاستحباب قد يتحول إلى مكروه إذا تسبب ذلك في استهجان الناس له، وصيرورته موضعا للسخرية والاستهزاء والانتقاص.

وأمّا الثاني الذي يُمثّل الحيثية الثابت, فهذه غير قابلة للتغيير، ولا تتمتع بالمرونة من حيث امكانية التغيير، إلاّ أنّ هذا لا يمثل إشكالاً على الدين إذا فهمنا أنّ التشريع الديني ليس صادراً من إنسان بحيث يمكن أن يعتريه ما يعتريه من النقص، والخلل، والأخطاء، بسبب قابلية الإنسان المحدودة، وعدم إحاطته بجميع ملاكات الاحكام الشرعية, بل الدين صادر من موجود محيط تمام الاحاطة بكل ما هو صلاح واقعي وحقيقي للإنسان.