شبهة عدم فائدة غياب الإمام.
تقرير الشبهة: إذا كانت الإمامة واجبة كالنبوة كما تدّعون لأجل هداية الناس من الضلالة، فَلِماذا الإمام غائب أليس غيابه نقض للغاية والغرض الّذي خلق الله تعالى الامام (عليه السلام) من اجلها!!
نقضاً وحلاً.
أمّا الجواب الاول : النقضي:
إذا اشكلتم علينا بغيبة الإمام(عليه السلام)، فسنشكل عليكم بغيبة الأنبياء(عليهم السلام)؛ لأنّ غيبة الإمام (عليه السلام) لم تكن بدعة إنّما غاب أنبياء قبله كثيرون، وسنذكر لكم عدة من الأنبياء الذين غابوا عن الناس.
1ـ نبي الله ادريس (عليه السلام) فقد حدثتنا الروايات عن طريق أهل البيت(عليهم السلام) أنّه غاب عن أهل قريته عشرون سنة في كهف الجبل، ووكل الله تعالى به ملك يأتيه بطعامه كل مساء( تنحى عن القرية الّتي كان فيها، وكان أهلها يعبثون، وأخبرهم بأن الله سبحانه يحبس عنهم المطر بدعائه، وآوى إلى كهف، ووكل الله سبحانه به ملكا يأتيه بطعامه كلّ مساء، فمكثوا بعده عشرين سنة لم يمطروا)(1).
2ـ نبي الله صالح (عليه السلام) قد غاب عن قومه وهو كهلاً فعاد إليهم، وهو شيخ كبير ما عرفه أحد من قومه (عن الصدوق، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن أسباط، عن ابن أبي عمير، عن الشحّام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ صالحاً (عليه السلام) غاب عن قومه زماناً، وكان يوم غاب كهلاً " حسن الجسم، وافر اللحية، ربعة من الرجال، فلما رجع إلى قومه لم يعرفوه)(2).
3ـ الخضر (عليه السلام) غائب أيضاً حتّى ساعتنا هذه، ولم يعرفه أحد إلاّ موسى الكليم (عليه السلام). قال تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا* قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)(3) بناءً على أنّ العبد الصالح هو الخضر عليه السلام.
4- نبي الله موسى (عليه السلام) قد غاب في بيت فرعون منذ ولادته إلى ثلاثين سنة حينما خرج إلى المدينة، ورأى رجلين يقتتلان ( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ)(4)
وغاب قرابة عشرين سنة في أهل مدين عندما هرب من فرعون.
5- عيسى (عليه السلام) قد غيّبه الله بشخصه إلى أن يأذن الله في خروجه.
6- نبي الله يوسف (عليه السلام) قد غاب عن الناس في بيت العزيز وفي السجن عشرات السنين دون أن يتعرّف عليه أحد قط
7 – يونس (عليه السلام) قد غاب عن قومه ثمانية وعشرين يوماً ( أبو عبيدة: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كم كان غاب يونس عن قومه حتّى رجع إليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه ؟ قال: أربعة أسابيع سبعاً منها في ذهابه إلى البحر، وسبعاً في بطن الحوت، وسبعاً تحت الشجرة بالعراء، وسبعاً منها في رجوعه إلى قومه، فقلت له: وما هذه الاسابيع شهوراً أو أيام أو ساعات ؟ فقال: يا أبا عبيدة إن العذاب أتاهم يوم الاربعاء في النصف من شوال، وصرف عنهم من يومهم ذلك، فانطلق يونس مغاضباً، فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى البحر، وسبعة أيام في بطن الحوت، وسبعة أيام تحت الشجرة بالعراء، وسبعة أيام في رجوعه إلى قومه، فكان ذهابه ورجوعه ثمانية وعشرين يوماً)(5).
إذن لم تكن غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام) بدعة من القول، أو أمراً غريباً لم يحصل مثله، فمن أراد أن ينقض علينا لينقض على غيرنا.
أمّا الجواب الحَلّي:
إنّ الغيبة غيبتان, غيبة بالشخص, وغيبة بالعنوان, أمّا الأولى، مثل غيبة النبي عيسى (عليه السلام).
وأمّا الثانية فهي لكلّ الأنبياء(عليهم السلام) الذين ذكرتهم.
هل غيبة الامام المهدي(عليه السلام) كغيبة عيسى أم كغيبة باقي الانبياء (عليهم السلام)؟
وبقول آخر هل كانت غيبة الإمام (عليه السلام) شخصية أم عنوانيّة؟
إنّ مما لا شك فيه، وبحسب الأدلة الّتي بين أيدينا أنّ غيبته(عليه السلام) غيبة عنوانيّة لا شخصية، من هنا ينطلق الجواب على هذه الشبهة وهي ما فائدة إمام غائب؟
والفوائد جمه أوجِزها في نقاط:
1- هو يمارس ما أوكل إليه من مهام لكن دون أن يعرفه أحد، ومن مهامه (عليه السلام) هداية الناس عن طريق ما يفيض علينا من وجوده المقدّس وهي الهداية الّتي تكون في جميع جوانب الحياة، وغير محدودة في شيءـ لولا وجود الإمام لسخات الأرض بأهلهاـ فالهداية تتحقق من المهدي حتى وإن لم تعرفه.
2- حفظه للدّين من تلاعب المندسين فيه، ومرادنا من الدّين هو الدّين الواقعي الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو محفوظ عنده صلوات الله عليه، باعتبار أنّ أهل البيت هم أهل العلم بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).
3- بما أن الأمة لم تقبل أن تحكمها الشريعة الإسلامية السمحاء، بما جاءت بدون تحريف، وهذا ما ذكره لنا، القرآن والتاريخ، فإن الإمة تميل إلى الضلالة أكثر من ميلها إلى الهدية، وتحب القوانين الّتي تضعها هي بنفسها وتحرف قوانين الشريعة وما جاء به الرسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه فإن الأمة بمر الزمان تجرب كل القوانين والدساتير العالمية وغير العالمية، وهذا هو أحد الأسباب التي غيبت الإمام.
قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)(6).
وأما في التاريخ: عند وفاة النبي الأكرم نست الأمة وصية الرسول من الخليفة من بعده، وراحت تنصب لها خليفة، وهذا واضح في الكتب التاريخية.
4- لو سلّمنا جدلاً بأن لا فائدة من إمام غائب إلاّ أنّ عدم الفائدة الفعليّة غير عدم الفائدة مطلقاً وابداً , وذلك بأن نقول: لو لم يكن للإمام فائدة في غيبته الآن فهذا لا يعني أنّه ليس له فائدة في المستقبل بعد أن ثبت لنا بالقطع واليقين أنّ له مهمة في المستقبل، وأنّه سيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً
5- إنّ من المقطوع به أنّ أهل البيت أمان لأهل الأرض من العذاب، ولا شك أنّ الامام المهدي (عجل الله فرجه) من أهل البيت (عليهم السلام)، فقد وَرَدَ في حديث جابر الأنصاري (رض) عن النبي ( صلى الله عليه وآله) أنّه قال: النجوم أمان لأهل السماء،، فإذا ذهبتْ أتاها ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي ما كنتُ، فإذا ذهبتُ أتاهم ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون). قال الحاكم في المستدرك هذا حديث صحيح ولم يخرجاه(7). فتبيّن من خلال هذه الرواية أنّ وجود الإمام أمان لأهل الأرض.
أمّا دليل الخصم على أنّ الإمام لا ينتفع به أحد، ولا يمكن لأحد أن يلتقي به هل لديهم دليل على ذلك فليبرزوه لنا!!
وهل دليلهم على ذلك؛ لأنّهم لم يلتقوا به؟
وجوابنا على الإشكال, بأنّه من الطبيعي أنّكم لا يمكنكم اللقاء به، وإلاّ فلماذا اختفى؟ أليس بسبب بطش اعدائه.
وإنّ قلتم لم يلتق به أحد , فهذا باطل يقيناً؛ لأنّ هناك الكثير من الصالحين ممن رووا رؤياهم له صلوات الله عليه.
6- لو سلّمنا بأنّ الإمام الغائب لا نفع فيه، إلاّ أنّ هذا لا ينفي الفائدة من أصل تنصيب الامام. مثلما لو فرضنا أنّ الإمام موجود ويراه الجميع، وهو منصوب من قبل الله، وقد أمرنا الله تعالى بالرجوع إليه, إلاّ أنّنا لم نرجع إليه أبداً, فهل هذا منافٍ لأصل وجود الامام؟
أعود إلى صلب الموضوع, إنّ نصب الإمام الذي هو واجب على الله تعالى من باب اللطف، وهو واجبٌ عقلاً، فهل هذا الوجوب تكويني (أي أنّ الإمام يجب أن يكون باقياً إلى قيام الساعة)، أم تشريعي ( بأن ينصّب فقط من قبل الله، ويجري على يده المعاجز)، وليس من الضروري أن يكون باقياً إلى قيام الساعة، فهذا أمرٌ موكول إلى العباد إن شاءوا اتبعوه واطاعوه، أو عصوه (وهذا معنى الوجوب التشريعي).
الجواب بكل وضوح هو الثاني، وأنّ الوجب عقلا من باب اللطف هو وجوب تشريعي لا تكويني. وعليه فالإشكال غير وارد من الاساس, بل هو مغالطة وليس بإشكال حقيقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ج 2 / ص 423
(2) البحار ج 11 / ص 387
(3) سورة الكهف، آية66.
(4) سورة القصص، آية14.
(5) البحار ج 14 / 398.
(6) سورة آل عمران، آية144.
(7) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج 2 / 448
اترك تعليق