لم يثبت عند التحقيق العلمي وجود أبي بكر في الغار مع النبي (ص)!!
عائشة/ السعودية/: لماذا تحاولون نفي كل فضيلة من فضائل أبي بكر، وأشهرها قوله عز وجل:{إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} فهذه فضيلة لا خلاف بين المسلمين في أبي بكر، حيث أوجب الله تعالى له فضيلة المشاركة في إخراجه معه، وفي أنه خصه باسم الصحبة له، وبأنه ثانيه في الغار، وأعظم من ذلك كله أن الله معهما. وهذا ما لا يلحقه فيه أحد، فأنتم بذلك تعارضون الله تعالى الذي أعطاه هذه الفضيلة. فما لكم كيف تحكمون!
الأخت عائشة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لم يثبت عند التحقيق العلمي -المجرد عن العاطفة والمذهبية- وجود أبي بكر مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار، إذ توجد عدة مؤشرات تمنع من ذلك، منها:
1- الإختلاف بين الروايات والقرآن في بيان الواقعة، فالقرآن الكريم يخبرنا أن محل قوله: (لا تحزن إن الله معنا) كان في الغار. قال تعالى: (إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).
بينما الوارد في الروايات -كما في صحيحي البخاري ومسلم- أن النبي قالها وهما ما زالا في أول الطريق.
ففي صحيح البخاري فيما يرويه عن البراء بن عازب عن أبيه عازب عن أبي بكر: "... فارتحلنا بعدما مالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أتينا يا رسول الله. فقال: لا تحزن إن الله معنا".
وفي صحيح مسلم: "قال: فارتحلنا بعدما زالت الشمس واتبعنا سراقة بن مالك، قال ونحن في جلد الأرض، فقلت: يا رسول الله: أتينا. فقال: لا تحزن إن الله معنا".
فالإختلاف بين القرآن والروايات واضح جداً.
2- توجد روايات في البخاري نفسه تقول: إن أبا بكر كان في المدينة قبل هجرة النبي (ص) إليها.
فقد روى البخاري عن ابن عمر قال: لما قدم المهاجرون الأولون العصبة موضع بقباء قبل مقدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة. انتهى. صحيح البخاري ج1 ص 170.
ثم يذكر في رواية أخرى أسماء من كان يؤمهم سالم، والرواية عن ابن عمر نفسه، قال: "كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة" انتهى. صحيح البخاري ج8 ص 115.
فالرواية الأولى صريحة بأن إمامة سالم للمهاجرين الأوائل كانت قبل مقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والرواية الثانية صريحة في أن أبا بكر كان ضمن الذين يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة.
وهذا كما ترى لا يجتمع مع أنه كان في الغار مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وقد عانى شراح الصحاح من هذه الرواية أشد المعاناة، ولم يجدوا حلاً لها سوى دفعها باحتمالات لا تغني ولا تسمن من جوع.
قال ابن حجر في "فتح الباري" ج1 ص 147: (والجواب عن استشهاد عد أبي بكر فيهم، لأنه إنما هاجر صحبة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد وقع في حديث ابن عمر أن ذلك كان قبل مقدم النبي (صلى الله عليه وسلم)، وذكرت جواب البيهقي بأنه يحتمل أن يكون سالم استمر يؤمهم بعد أن تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ونزل بدار أبي أيوب قبل بناء مسجده بها، فيحتمل أن يقال: فكان أبو بكر يصلي خلفه إذا جاء إلى قباء) انتهى.
فكما ترى لا يوجد علاج لحل هذا الإشكال عند أهل السنة سوى يحتمل ويحتمل، من دون أي دليل يعضد هذا الإحتمال، بل وجدنا الدليل على خلافه، فقد ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب ج2 ص 68 أن سالماً كان يؤم المهاجرين بقباء فيهم عمر قبل قدوم رسول الله (ص) المدينة. انتهى.
وهو ما رواه ابن سعد في الطبقات ج3 ص 87 أيضاً.
كما لا يوجد دليل ولو ضعيف السند يثبت أن سالماً بقي يؤم المسلمين بعد قدوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، ولو كان شيئاً من هذا القبيل لبان واشتهر.
3- إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يؤثر عنه أي قول أو نص يثبت أن أبا بكر كان معه في الغار، ولو كان ذلك لطارت هذه المنقبة أي مطار!!.
4- شهدت عائشة عن نفسها وأبيها أنه (لم ينزل فينا قرآن) صحيح البخاري ج6 ص 42.
لهذه الأسباب وغيرها كثير يبقى للتأمل مجال في دعوى وجود أبي بكر مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار التي تصدح بها كتب أهل السنة.
نعم، كان مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هجرته شخص اسمه عبد الله بن اريقط من بني الديل بن بكر الذي كان دليلاً حاذقاً يعرف طريق الصحراء جيداً (كما يذكر ذلك ابن حجر في الفتح ج7 ص 186، وابن الأثير في الكامل ج2 ص 104، وابن كثير في البداية والنهاية ج3 ص 218). ومن الممكن جداً لتقارب الأسماء بين أبي بكر وابن بكر حصل الإشتباه المتقدم والله العالم. هذا إذا لم تكن ليد الأمانة دور في الموضوع!!
ودمتم سالمين.
اترك تعليق