شُبهةُ القَولِ بأنَّ أمْوالَ الدَّولةِ مَجهُولةُ المَالكِ يُسهِّلُ الإسْتِيلاءَ على المَالِ العامِّ!!

إنَّ الرأيَ القَائلَ بأنَّ أمْوالَ الدَّولةِ مَجهُولةُ المَالكِ سهَّلَ الإسْتِيلاءَ وسَرِقةَ أمْوالِ الدَّولةِ، وشَرَّعَ سَرِقةَ المَالِ العامِّ، ما رَدُّكم على هذا الكَلامِ؟

: اللجنة العلمية

     الأخُ المحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه. 

     هذا العُنوانُ (مَجهُولُ المَالكِ) هو اصْطلَاحٌ فِقهيٌّ يُطلَقُ على المَالِ الذي لا يُعرَفُ صَاحِبُه، وتَترتَّبُ عليْه جُملةٌ منَ الآثارِ الفِقهيَّةِ مَذكُورةٌ في مَحلِّها مِن كُتبِ الفِقهِ، وقد ذَهبَ بَعضُ الفُقهَاءِ بعَدمِ مِلكيَّةِ الدَّولةِ، ويُعامِلُ المَالَ المَوجُودَ تَحتَ يَدِها مُعامَلةَ مَجهُولِ المَالكِ، ولكنْ هذا ليس مَعناهُ هو دَعوةٌ لِأخْذِه من كلِّ أحدٍ، بل تُوجدُ جُملةُ ضَوابِطَ في التَّعامُلِ مع المَالِ مَجهُولِ المَالكِ، سَواءٌ ما كانَ تَحتَ يدِ الدَّولةِ أم غَيرِها.

     وإليْك بَعضُ الإسْتِفتاءَاتِ الوَارِدةُ على مَوقعِ سَماحةِ السِّيدِ السِّيستانِي (دام ظله الوارف) حَولَ أمْوالِ الدَّولةِ وكَيفِيةِ التَّعامُلِ معها:

(سُؤالٌ: ما حُكمُ الرَّاتبِ الذي يَتقاضَاهُ مُوظَّفٌ في جَهازٍ حُكومِيٍّ.. هل يَقعُ هذا الرَّاتبُ أُجْرةً بِإزاءِ العَملِ المُؤدَّى، أم أنَّه منَ المَالِ المَجهُولِ المَالكِ المَأذُونِ في قَبضِه مُطلقاً حتى لو أخلَّ المُوظَّفُ بِوَاجبَاتِ الوَظِيفةِ، أو بَأوقَاتِ الدَّوامِ؟

     الفَتوَى:

     منَ المَالِ المَجهُولِ المَالكِ، ولكنَّ سَماحةَ السَّيدِ لا يأذنُ بِقَبضِه، إلا في إطارِ قُانونِ الإدَارةِ وعَقدِ التَّوظِيفِ).

     فأنْتَ تُلاحِظُ فَتوى سَماحةِ السَّيدِ (دام ظله) هنا تُشِيرُ بكلِّ وُضُوحٍ إلى أنَّ هذا المَالَ المَجهُولَ المَالِكَ (وهو الرَّاتبُ هنا) لا يَجوزُ قَبضُه إلا في إطَارِ القَانُونِ وعقدِ التَّوظِيفِ، فمَن اسْتَلمَ رَاتباً بلا قَانُونٍ أو بدُونِ عقدِ تَوظِيفٍ يُعدُّ المَالُ المَذكُورُ مُحرَّماً عليه.

     (سُؤالٌ: هل يَجوزُ أخذُ شيءٍ منَ مُؤسَّساتِ الدَّولةِ من دُونِ إذنٍ؟ ولو أخَذَ شَيئاً.. ما حُكمُه؟

     الفَتوَى:

     لا يَجوزُ، ويَجِبُ دَفعُ ما أخَذَه للفُقرَاءِ، والأحْوطُ أنْ يَكونَ بِإذنِ الحَاكمِ الشَّرعيِّ، وإذا كانَ مِن أمْوالِ المُستشْفيَاتِ والمَدارسِ وأمْثالِها فَتجِبُ إعَادتُها مع الإمْكانِ).

     وهنا أيْضاً الفَتوى صَرِيحةٌ بعَدمِ جَوازِ أخذِ شيءٍ مِن أمْوالِ الدَّولةِ، ولو أخَذَ الإنْسانُ شَيئاً فَعلَيه أنْ يَتصدَّقَ به على الفُقرَاءِ ويَكونَ هذا التَّصدُّقُ بِإذنِ الحَاكِم الشَّرعيِّ لا مُطلقاً، فإذا أذِنَ له بالتَّصدُّقِ يَجوزُ له ذلِك، ورُبَّما يأخُذُه منه الحَاكِمُ إذا لم يَطمئِّن بوُصُولِه لِمُستِحقِّيه من الفُقرَاءِ ويَقومُ هو بِعَملِّيةِ التَّوزِيعِ.

     فمَا ذَكرْتُمُوه أخي الكَريمُ مُخالِفٌ تَماماً لِفتَاوَى القَائِلينَ بمَجهُوليَّةِ المَالكِ لأمْوالِ الدَّولةِ منَ الفُقهَاءِ، فهم أشدُّ النَّاسَ حِرْصاً على النِّظامِ والمَالِ العامِّ.

     ودُمتُم سَالِمينَ.