الحُرِّيةُ لا تَعنِي إقامةَ الحَفلَاتِ المَاجِنةِ والتَحلُّلِ الأخلَاقِي.

نَتِيجةٌ للهَجْمةِ الثَّقافِيةِ الشَّرِسةِ على مُجتَمعَاتِنا أصبَحْنا نَرى ظَواهِرَ تُنافِي مُعتَقداتِنا ومَبادِئِنا مِن قَبِيلِ الحفَلاتِ الغِنائِيةِ وما يَحصَلُ فيها مِن اخْتلَاطٍ وأمُورٍ مُحرَّمةٍ، حتى وَصلَ الأمرُ إلى إقامةِ هذِه الحَفلَاتِ في مُدُنِنا المُقدَّسةِ التي لها مَكانةٌ خاصَّةٌ في نُفوسِ مِئاتِ المَلايِينَ منَ البَشر، هذِه الحَفلَاتُ ومَن يُشجِّعُونَ عليْها يَقُولونَ إنَّها مِن بابِ الحُرِّيةِ الشَّخصِيةِ ومَن لا يُرِيدُ المُشارَكةِ لا يُشارِكُ و... ما هي أسالِيبُ التَّعامُلِ مع مَن يُروِّجُونَ لهذِه الأمُورِ بعُنوانِ الحُرِّيةِ الشَّخصِية والتَّطوُّرِ والتَّحضُّرِ؟

: اللجنة العلمية

   الجواب:  

     الأخُ المحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكم ورَحمةُ اللهِ وبرَكاتُه.

     مِن مَهازلِ الدَّهرِ أنْ يُفسِّرَ بَعضُ المُتخلِّفينَ الحُرِّيةَ بأنَّها تَعنِي التَّحلُّلَ عن القِيمِ والأخلَاقِ، وهذا هو مَحضُ السُّقوطِ الفِكرِيِّ والنَّفسيِّ أمامَ هَيمَنةِ الشَّهوَاتِ عليْهم، ونحنُ مِن حقِّنا كمُسلِمينَ لنا دِينُنا وعَقِيدتُنا وتأرِيخُنا وحَضارَتُنا وفَلسَفتُنا في الحَياةِ أنْ نَعملَ بما تُملِيهِ عليْنا شَرِيعتُنا مِن مَفاهِيمَ، ولا نَستَنسِخُ المَفاهِيمَ القَادِمةَ إليْنا مِن جَماعَاتٍ غَرِيبةٍ عن ثَقافَتِنا ودِينِنا وأخلَاقِنا وعَقِيدتِنا، فمَفهُومُ الحُرِّيةِ في الإسْلامِ مَعناهُ رَفضُ العُبودِيةِ، العُبودِيةُ للبَشرِ والعُبودِيةُ للشَّهوَاتِ، هذا هو مَفهُومُ الحُرِّيةِ الَّذي تَقُومُ عليْه شَرِيعةُ الإسْلامِ.

     يقول تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) البقرة: 256.

     فهُنا يُخاطِبُنا المَولى سُبحانَه بكلِّ وُضوحٍ بأنَّك حرٌّ في مُعتَقدِك، ولا إكرَاهَ فيما تُرِيدُ التَّديُّنَ به، لقد أوضَحْنا لك الأمُورَ كلَّها، وأمامَك طَرِيقانِ: طَرِيقُ العُبودِيةِ لمَن هم مِن جِنسِك وخَلقِك (الطَّواغِيتُ الَّذين يَستَعبِدونَك ويُلغُونَ إنسَانيَّتَك) وطَرِيقُ العِزةِ والكَرامَةِ في الإيمَانِ بخَالقٍ ليس كَمِثلِه شيءٌ (وهو طَرِيقُ العُروَةِ الوُثقَى التي لا انفِصامَ لها).  

     يَقُول الإمامُ عليٌّ (عليه السلام): (لا تَكنْ عَبدَ غَيرِك وقد خَلقَك اللهُ حُراً).

     كما يَقُول تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) الجاثية: 23.

     وهُنا يَنهَانا المَولى عن عُبودِيةِ الشَّهواتِ واتِّخَاذِها آلهةً تُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ.

     هذا هو مَفهُومُ الحُرِّيةِ الَّذي عَرفْنَاه مِن دِينِنا، ومِن حقِّنا كمُسلِمينَ أنْ نَمنعَ أيَّ مَفهُومٍ آخرَ للحُرِّيةِ يَأتِينا مُخالِفاً لمُعتقَداتِنا وأخلَاقِنا ويُرادُ له أنْ يُعِيثَ الفَسادَ في بِلَادِنا، وعلى كلِّ الجِهاتِ المَسؤُولةِ، رَسمِيةٍ وغَيرِها، أنْ يَكُونَ لها دَورٌ في رَدعِ مِثلِ هذِه المُمارَساتِ الدَّخِيلةِ على بِلَادِنا وبالطُّرقِ القَانُونِيةِ التي تُوقِفُ المُختَل والمُنحرِفَ أخلَاقيّاً عن غَيِّه ونزقِه.

     ودُمتُم سَالِمينَ.