لمَاذا لا يُقتَلُ المُسلِمُ إذا قَتلَ كَافِراً؟!!
مَاذا يَعنِي قَولُ رَسُولِ اللهِ مُحمَّدٍ (صلَّى اللهُ علَيهِ وآلِه) (لا يُقتَلُ مُسلِمٌ بكَافِرٍ)؟ لمَاذا يُعتَبرُ دَمُ المُسلِمِ أغلَى شَأناً مِن بَاقِي النَّاسِ؟ ألَيستْ هذِهِ دَعوَةً للمُجرِمِينَ لقَتلِ الآخَرِينَ بلا مُعاقَبَةٍ؟!
الأخُ المُحتَرمُ.. السَّلامُ علَيكُم ورَحمةُ اللهِ وبَركَاتُه.
هذِهِ المَسألَةُ خِلَافيَّةٌ بَينَ فُقَهَاءِ المُسلِمِينَ، فقَد ذَهبَ الجُمهُورُ مِن فُقَهَائِهِم سُنَّةٌ وشِيعَةٌ إلى أنَّ المُسلِمَ إذا قَتلَ كَافِراً عَمْداً لا يُقتَلُ، بل يَدفَعُ الدِّيَّةَ.
قَالَ الشَّيخُ الطُّوسِيُّ في "الخِلَافِ" ج5 ص 146: (مَسْألةٌ 2: [هل يُقتَلُ مُسلِمٌ بكَافِرٍ].
لا يُقتَلُ مُسلِمٌ بكَافِرٍ، سَواءٌ كانَ مُعَاهِداً، أم مُستَأمَناً، أم حَربِيّاً، وبه قَالَ في الصَّحابَةِ: عليٌّ (عليه السلام)، وعُمرُ، وعُثمَانُ، وزَيدُ بنُ ثَابِتٍ. وفي التَّابِعِينَ: الحَسنُ البَصْرِيُّ، وعَطاءٌ، وعِكرِمَةُ. وفي الفُقهَاءِ: مَالكٌ، والأوزَاعِيُّ، والثَّورِيُّ، والشَّافِعيُّ، وأحْمدُ بنُ حَنبَل وإسْحَاقُ. وإليْه ذَهبَ أبُو عُبيْدٍ، وأبُو ثَورٍ.
وذَهَبتْ طَائِفةٌ إلى أنَّه يُقتَلُ بالذِّمِّيِّ، ولا يُقتَلُ بالمُستَأمَنِ ولا بالْحَربِيِّ. ذَهبَ إليْهِ الشُّعبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، وأبُو حَنِيفةَ وأصْحَابُه. والمُستَأمَنُ عِندَ أبِي حَنِيفةَ كالْحَربِيِّ.
دَلِيلُنا: إجمَاعُ الفِرْقَةِ وأخبَارُهُم، وأيْضاً: قَولُه تَعَالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ولم يُفصِّلْ. والمُرَادُ بِالآيةِ: النَّهيُ لا الخَبَرُ، لأنَّه لو كَانَ المُرَادُ الخَبَرَ لكَانَ كَذِباً). انتَهى.
ولا يُفهَمُ مِن هذا القَوْلِ - لا يُقتَلُ مُسلِمٌ بكَافِرٍ - اسْتِباحَةُ دِمَاءِ الكَافِرِينَ مِن غَيرِ حقٍّ وعَدمُ أخْذِ المُسلِمِ القَاتِلِ بالجِنايَةِ، بل كُلُّ ما في الأمْرِ أنَّ الحُكمَ فيْه يَكُونُ بأخْذِ الدِّيَّةِ مِن القَاتِلِ دُونَ القِصَاصِ (أي القَتْل).. وهذا الحُكمُ قد لُوحِظً فيْه جَانِبَانِ:
الأوَّلُ: المُحافَظَةُ على شَأنيَّةِ الإسْلَامِ وشَأنيَّةِ الإنتِمَاءِ إليْه، وبَيَانِ عُلُوِّهِ على غَيرِهِ مِن الأديَانِ والمُعتَقدَاتِ، وهو حَقٌّ مَكفُولٌ للإسْلَامِ، بل هو حَقٌّ مَكفُولٌ لكُلِّ صَاحِبِ دِينٍ واعْتِقَادٍ أنْ يُحافِظَ على شَأنِيَّتِه.
الثَّاني: مُلاحَظةُ حُقُوقِ الآخَرِينَ وعَدمُ غَمطِهَا بالمَرَّةِ، وذلِك مِن خِلَالِ الإنتِقَالِ إلى مُستَوىً آخَرَ مِن العُقُوبَاتِ دُونَ العُقُوبَةِ الأُولَى وهي القَتلُ.
ودُمتُم سَالِمينَ.
اترك تعليق