هل سمى النبي(ص) عمر بالفاروق؟

هل صحيحٌ ما يُنسَبُ عندَ أهلِ السنّةِ من قولٍ للنبيّ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أنّه قالَ عَن عُمر أنّه الفاروق؟ ما صحّةُ هذا الحديث؟

الجواب :

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

لا شكَّ عندَنا أنَّ (الفاروقَ) مِن ألقابِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالب (عليهِ السلام)، فإنّهُ (عليهِ السلام) يُفرّقُ بينَ الحقِّ والباطل، جاءَت بذلكَ رواياتٌ كثيرة ـ كما سيأتي سردُ بعضِها ـ، كما جاءَت رواياتٌ تفيدُ المضمونَ كقولِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « عليٌّ معَ الحقّ، والحقُّ معَ عليّ، يدورُ الحقُّ حيثُما دارَ عليّ »، وغيرُ ذلكَ كثير. 

قالَ العلّامةُ الطريحيّ في [مجمعِ البَحرين ج5 ص226]: « وفي حديثِ عليٍّ (عليهِ السلام): (أنا الفاروقُ الأعظم)، الفاروقُ: اسمٌ سُمِّيَ بهِ عليٌّ (عليهِ السلام)، وربّما انتحلَه غيرُه. ولعلَّ المُرادَ به الذي يُفرّقُ بينَ الحقِّ والباطِل، والحلالِ والحرام ».

وينبغي الكلامُ أوّلاً عن تلقيبِ عُمرَ بنِ الخطّابِ بهذا اللقبِ وبيانِ كونِه مَسروقاً، ثمَّ الكلامُ ثانياً حولَ تلقيبِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالب (عليهِ السلام) به، ولذا يقعُ كلامُنا في مَقامين: 

المقامُ الأوّل: تلقيبُ عُمر بنِ الخطّابِ بلقبِ الفاروق: 

صرّحَ علماءُ المُخالفينَ بأنَّ هناكَ خلافاً في تحديدِ أوّلِ مَن لقّبَ عُمر بلقبِ الفاروق، فلا يُعلَمُ بالضبطِ مَن هوَ أوّلُ مَن أطلقَ هذا اللقبَ عليه، قالَ ابنُ حجرَ العسقلانيّ في [فتحِ الباري شرحُ صحيحِ البخاري ج7 ص34]: « وأمّا لقبُه فهوَ الفاروقُ باتّفاقٍ، فقيلَ: أوّلُ مَن لقّبَه بهِ النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم)، رواهُ أبو جعفرٍ ابنُ أبي شيبة في تاريخِه مِن طريقِ ابنِ عبّاس عَن عُمر، ورواهُ ابنُ سعدٍ مِن حديثِ عائشة. وقيلَ: أهلُ الكتابِ، أخرجَه ابنُ سعدٍ منَ الزهري. وقيلَ: جبريلُ، رواهُ البغويّ »، وما يهمُّنا مِن كلامِه هوَ وجودُ الخلافِ عندَهم في أوّلِ مَن لقّبَه بهذا اللقب. 

روى ابنُ شبّةَ النميريّ في [تاريخِ المدينة ج2 ص662]، وابنُ سعدٍ في [الطبقاتِ الكُبرى ج3 ص270]، والبلاذريّ في [أنسابِ الأشراف ج10 ص297]، والمؤرّخُ الطبريّ في [التاريخِ ج3 ص267]، وابنُ عساكرَ في [تاريخِ دمشق ج44 ص51]: بإسنادٍ صحيحٍ عن مُحمّدٍ ابنِ شهاب الزهريّ، قالَ: « بلغنا أنَّ أهلَ الكتابِ كانوا أوّلَ مَن قالَ لعُمر: (الفاروق)، وكانَ المُسلمونَ يؤثرونَ ذلكَ مِن قولهم، ولم يبلُغنا أنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) ذكرَ مِن ذلكَ شيئاً ».

أقولُ: وقبلَ بيانِ معنى كلامِ مُحمّدٍ بنِ مُسلم ابنِ شهابٍ الزهريّ، ينبغي التعريفُ بمكانتِه عندَ المُخالفين، فإنّه مِن رجالِ الكتبِ الستّة، وقد اتّفقَت كلماتُ عُلماءِ المُخالفينَ على مدحِه والإطراءِ عليه، نكتفي في المقامِ ببعضِ ما ذكرَه الحافظُ الذهبيّ في ترجمتِه في كتابِه [سيرِ أعلامِ النبلاء ج5 ص352 وما بعدَه]: « الإمامُ العَلَم، حافظُ زمانِه.. روى عن ابنِ عُمر وجابرٍ بنِ عبدِ الله شيئاً قليلاً... روى إبراهيمُ بنُ سعد، عن أبيه، قالَ: ما رؤيَ أحدٌ جمعَ بعدَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) ما جمعَ ابنُ شهاب. الليثُ، عن يحيى بنِ سعيد، قالَ: ما بقيَ عندَ أحدٍ منَ العلمِ ما بقيَ عندَ ابنِ شهاب. عن عبدِ الرزّاق، حدثّنا مُعمّر، عن رجلٍ: قالَ عمرُ بنُ عبدِ العزيز: عليكُم بابنِ شهاب هذا فإنّكم لا تلقونَ أحداً أعلمَ بالسنةِ الماضيةِ منه. سعيدٌ بنُ بشير، عن قتادة: ما بقيَ أحدٌ أعلمُ بسُنّةٍ ماضيةٍ مِن ابنِ شهاب، وآخر ـ كأنّه عنى نفسَه ـ. سعيدٌ بنُ عبدِ العزيز: سمعتُ مكحولاً يقولُ: ما بقيَ أعلمُ بسُنّةٍ ماضيةٍ مِن ابنِ شهاب. وهيب: سمعتُ أيّوبَ يقولُ: ما رأيتُ أحداً أعلمَ منَ الزهري، فقالَ له صخرٌ بنُ جويرية: ولا الحسن البصري؟ فقالَ: ما رأيتُ أحداً أعلمَ منَ الزهري. الوليدُ بنُ مسلم: سمعتُ سعيداً بنَ عبدِ العزيز يقولُ: ما كانَ إلّا بحراً، وسمعتُ مكحولاً، يقولُ: ابنُ شهاب أعلمُ الناس. وقالَ ابنُ عُيينة: سمعتُ أبا بكرٍ الهذليّ يقولُ ـ وقد جالسَ الحسنَ وابنَ سيرين ـ: لم أرَ مثلَ هذا قط ـ يعني الزهريّ ـ. وقالَ العدنيّ: قالَ ابنُ عُيينة: كانوا يرونَ يومَ ماتَ الزهري أنّه ليسَ أحدٌ أعلمَ بالسُّنّةِ مِنه. بقيّة، عن شُعيبٍ بنِ أبي حمزة، قيلَ لمكحول: مَن أعلمُ مَن لقيتَ؟ قالَ: ابنُ شهاب، قيلَ: ثمَّ مَن؟ قالَ: ابنُ شهاب، قيلَ: ثمَّ مَن؟ قالَ: ابنُ شهاب. قالَ ابنُ القاسمِ: سمعتُ مالِكاً يقول: بقيَ ابنُ شهاب وما لهُ في الناسِ نظيرٌ... الليثُ، عن جعفرٍ بنِ ربيعة، قلتُ لعراكَ بنِ مالك: مَن أفقهُ أهلِ المدينة؟ قالَ: أمّا أعلمُهم بقضايا رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم)، وقضايا أبي بكرٍ وعُمر وعُثمان، وأفقهُهم فقهاً، وأعلمُهم بما مضى مِن أمرِ الناس، فسعيدٌ بنُ المسيب، وأمّا أغزرُهم حديثاً فعروة، ولا تشاءُ أن تفجّرَ منِ عبيدِ اللهِ بنِ عبدِ الله بحراً إلّا فجّرته، وأعلمُهم عندي جميعاً ابنُ شهاب، فإنّه جمعَ علمَهم جميعاً إلى علمِه... إلى آخره ».

إذن: مثلُ هذا العالمِ ـ الذي يعدُّ أعلمَ عُلماءِ عصره، ولا نظيرَ له في الحفظِ وجمعِ الأحاديثِ والآثار ـ يقولُ: « بلغنا أنَّ أهلَ الكتابِ كانوا أوّلَ مَن قالَ لعُمر: (الفاروق)، وكانَ المُسلمونَ يؤثرونَ ذلكَ مِن قولِهم، ولم يبلُغنا أنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) ذكرَ مِن ذلكَ شيئاً »، والمُستفادُ مِن كلامِه أمران:

الأوّل: الذي بلغَ الزهريَّ ووصلَ لسمعِه أنَّ أهلَ الكتابِ هُم أوّلُ مَن أطلقوا على عُمرَ لقبَ الفاروق، وكانَ المُسلمونَ يؤثرونَ ذلكَ مِن قولِ أهلِ الكتاب.

الثاني: لم يبلُغ الزهريَّ روايةٌ نبويّةٌ تفيدُ أنَّ النبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أطلقَ على عُمر هذا اللقبَ ونحوَه. 

وقد تقدّمَ بيانُ سعةِ علمِ الزهريّ ومعرفتِه، وسعةِ مرويّاتِه ومحفوظاتِه، لدرجةٍ كانَ يكادُ لا يغادرُه حديثٌ، وقد تقدّمَ نقلُ كلماتِ العلماءِ في سعةِ محفوظاتِ الزهريّ، فلو كانَ آنذاكَ روايةٌ بهذا الخصوصِ لطرقَ سمعَ الزهريّ، وهوَ القائلُ « اختلفتُ منَ الحجازِ إلى الشامِ خمساً وأربعينَ سنةً، فما استطرفتُ حديثاً واحداً، ولا وجدتُ مَن يُطرِفُني حديثاً » يعني طوالَ خمسٍ وأربعينَ سنةً لم أنقُل حديثاً واحداً ولا وجدتُ مَن ينقلُ لي حديثاً، يقصدُ بذلكَ أنّه أحاطَ بجميعِ الأخبارِ التي كانَت تُنقَلُ وتُروى، بحيثُ أنّه طوالَ خمسٍ وأربعينَ سنةً لم يعثُر على مَن يُحدّثُه بحديثٍ لم يكُن قد سمعَه مِن قبل. 

حينئذٍ، يكونُ قولهُ: « ولم يبلُغنا أنَّ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) ذكرَ مِن ذلكَ شيئاً » مؤشِّراً قويّاً على عدمِ صحّةِ حديثٍ للنبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يرتبطُ بتسميةِ عُمرَ بلقبِ الفاروق. خصوصاً إذا لاحَظنا أنَّ الزهريَّ كانَ مِن عُمّالِ بني أميّة، ومُخالطاً لخلفائِهم وأمرائِهم، ومحسوباً على نهجِهم ومسلكِهم، فقد نقلَ الذهبيُّ في [ميزانِ الاعتدال ج1 ص625] عن خارجةَ بنِ مصعب أنّه قالَ عن الزهريّ: « صاحبُ شرطِ بني أميّة »، وذكرَ ابنُ حجر في [تهذيبِ التهذيب ج4 ص197] عن إمامِ الحديثِ يحيى بنِ معين أنّه قالَ عن الزهريّ: « يعملُ لبني أميّة ».

إذا تبيّنَ لكَ ذلك، فينبغي استعراضُ الأحاديثِ التي رواها بعضُ مُحدّثي المُخالفين، والتعليقُ عليها بكلماتِ أربابِ الرّجال، ليكونَ بياناً توضيحيّاً لكلامِ ابنِ شهاب الزهريّ الذي نقدَ بشكلٍ إجماليّ هذهِ الأحاديث. 

الحديثُ الأوّل: 

ما رواهُ أبو نعيمٍ الأصفهانيّ في [حليةِ الأولياء ج1 ص40، ودلائلِ النبوّةِ ج1 ص241] عن أحمدَ بنِ مُحمّدٍ بنِ الحسن، عن محمّدٍ بنِ عُثمان بنِ أبي شيبة، عن عبدِ الحميدِ بنِ صالح، عن محمّدٍ بنِ أبان، عن إسحاقَ بنِ عبدِ الله، عن أبانَ بنِ صالح، عن مُجاهد، عن ابنِ عبّاس، قالَ: « سألتُ عُمر لأيِّ شيءٍ سُمِّيتَ الفاروق؟ قالَ: .. فسمّاني رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) يومئذٍ الفاروق، وفرّقَ اللهُ بينَ الحقِّ والباطِل ». 

أقولُ: وهذا الحديثُ موضوعٌ بلا مريّة، فإنّا لو غضَضنا النظرَ عن وجودِ محمّدٍ بنِ أبان بنِ صالحٍ الكوفيّ، الذي ضعّفَه يحيى بنُ معين والبخاريُّ والنسائيُّ وابنُ حبان وغيرُهم [ينظرُ الكاملُ في الضعفاءِ لابنِ عدي ج6 ص128 ت1631]، فإنَّ فيه إسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي فروة، مولى آلِ عُثمانَ بنِ عفّان، الذي اتّفقَت كلمةُ نُقّادِ الحديثِ والرّجالِ على ضعفِه وتركِه، قالَ الزهريُّ لمّا سمعَه يرسلُ الأحاديثَ: (قاتلكَ اللهُ يا ابنَ أبي فروة، ما أجرأكَ على الله، ألا تسندُ حديثَك؟ تحدّثُ بأحاديثَ ليسَ لها خطمٌ ولا أزمة)، وقالَ يحيى بنُ معين: (ليسَ بشيءٍ، لا يكتبُ حديثُه)، وقالَ: (كذّاب)، وقالَ ابنُ خراش: (كذّاب)، وقالَ أحمدُ بنُ حنبل: (ما هوَ بأهلٍ أن يُحمَلَ عنه ولا يُروى عنه)، وقالَ النسائيُّ وأبو زرعةَ وأبو حاتم: (متروكُ الحديث)، وقالَ الدارقطنيّ: (متروكٌ)، وقالَ البُخاريُّ: (تركوهُ)، وقالَ ابنُ عدي بعدَما ترجمَه وذكرَ بعضَ أحاديثِه: (إسحاقُ ابنُ أبي فروة هذا ما ذكرتُ هاهُنا مِن أخبارِه بالأسانيدِ التي ذكرتُ فلا يتابعُه أحدٌ على أسانيدِه ولا على متونِه، وسائرُ أحاديثِه ممّا لم أذكُره تشبهُ هذهِ الأخبارَ التي ذكرتُها، وهوَ بيّنَ الأمرَ في الضّعفاء). [ينظرُ: الكاملُ في الضعفاءِ ج1 ص326 ت152، تهذيبُ التهذيب ج1 ص210 ت449].

ولهذا جعلَ المُحدّثُ الألبانيُّ الحديثَ في [سلسلةِ الأحاديثِ الضعيفة ج14 ص72] وقالَ: « منكرٌ، أخرجَه أبو نعيمٍ في الحِلية.. » ثمّ قالَ: « قلتُ: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدّاً ».

الحديثُ الثاني: 

روى ابنُ سعدٍ في [الطبقاتِ الكُبرى ج3 ص270] عن أحمدَ بنِ مُحمّدٍ الأزرقيّ المكيّ، عن عبدِ الرحمانِ بنِ حسن، عن أيّوبَ بنِ موسى، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم): « إنَّ اللهَ جعلَ الحقَّ على لسانِ عُمرَ وقلبِه، وهوَ الفاروق، فرّقَ اللهُ بهِ بينَ الحقِّ والباطل ». 

أقولُ: أيوبُ بنُ موسى الأمويّ المكّيّ، توفّيَ سنةَ (132هـ) ـ كما في [تهذيبِ التهذيب ج1 ص361] ـ، وعليهِ ينبغي أن يكونَ قد سقطَ منَ الإسنادِ أكثرُ مِن اثنين، وعليهِ فالإسنادُ مُعضلٌ. يضافُ لذلك: أنَّ عبدَ الرّحمنِ بنَ الحسنِ الزجّاجِ الموصليّ ذكرَه ابنُ أبي حاتمٍ الرازيّ في [الجرحِ والتعديلِ ج5 ص227] قالَ: « سألتُه [يعني أباهُ أبا حاتمٍ] عنه، فقالَ: يُكتبُ حديثُه، ولا يُحتجُّ به ».

ولهذا عدَّ المُحدّثُ الألبانيّ هذا الحديثَ في [سلسلةِ الأحاديثِ الضعيفة ج7 ص63]، وقالَ: « ضعيفٌ، أخرجَه ابنُ سعدٍ في الطبقات.. » ثمَّ قالَ: « قلتُ: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ ومُعضلٌ »، وقد بانَ لكَ وجهُ ضعفِه وإعضالِه، فلا اعتبارَ بهِ بالمرّة. 

الحديثُ الثالث:

روى ابنُ سعدٍ في [الطبقاتِ الكُبرى ج3 ص270ـ271]، والطبريُّ في [تاريخِه ج3 ص267] عن مُحمّدٍ بنِ عُمر، عن أبي حزرةَ يعقوبٍ بنِ مُجاهد، عن مُحمّدٍ بنِ إبراهيم، عن أبي عمرو ذكوان، قالَ: « قلتُ لعائشة: مَن سمّى عُمرَ الفاروق؟ قالَت: النبيُّ (عليهِ السلام) ».

أقولُ: مُحمّدٌ بنُ عُمر هوَ الواقديُّ المعروف، ضعّفَه نقّادُ الحديث، ذكرَ ابنُ حجرٍ العسقلانيّ في ترجمتِه في [تهذيبِ التهذيب ج9 ص334 وما بعدَه]: « قالَ البُخاريّ: الواقديُّ مدنيٌّ سكنَ بغداد، متروكُ الحديث، تركَه أحمدُ وابنُ المُبارك وابنُ نُمير وإسماعيلُ بنُ زكريا، وقالَ في موضعٍ آخر: كذّبَه أحمد، وقالَ معاويةُ بنُ صالح: قالَ لي أحمدُ بنُ حنبل: الواقديُّ كذّابٌ، وقالَ لي يحيى بنُ معين: ضعيفٌ، وقالَ مرّةُ: ليسَ بشيءٍ، وقالَ مرّة: كانَ يقلبُ حديثَ يونسَ بغيرِه، ليسَ بثقةٍ، وقالَ مرّة: ليسَ بشيء... قالَ الشافعيُّ ـ فيما أسندَه البيهقيّ ـ: كتبَ الواقديُّ كلّها كذبٌ، وقالَ النسائيُّ في الضّعفاء: الضعفاءُ الكذّابونَ المعروفونَ بالكذبِ على رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) أربعةٌ: الواقديُّ بالمدينة، ومقاتلٌ بخراسان، ومحمّدٌ بنُ سعيدٍ المصلوبِ بالشام، وذكرَ الرّابع، وقالَ ابنُ عدي: أحاديثُه غيرُ محفوظةٍ والبلاءُ منه، وقالَ ابنُ المديني: عندَه عشرونَ ألفَ حديثٍ ـ يعني ما لها أصلٌ ـ، وقالَ في موضعٍ آخر: ليسَ هوَ بموضعٍ للرّواية، وإبراهيمُ بنُ أبي يحيى كذّابٌ وهوَ عندي أحسنُ حالاً منَ الواقديّ » إلى غيرِ ذلكَ مِن كلماتِ النقّادِ التي جاءَت ناصّةً على كذبِه ووضعِه الحديث. 

الحديثُ الرّابع: 

ذكرَ الواحديُّ في [أسبابِ النزولِ ص107] والبغويّ في [معالمِ التنزيلِ ج1 ص446] ـ في تفسيرِ قولِه تعالى: {ألم ترَ إلى الذينَ يزعمونَ أنّهم آمنوا بما أنزلَ إليكَ وما أنزلَ مِن قبلِك يريدونَ أن يتحاكموا إلى الطاغوت}: « قالَ الكلبيّ: عَن أبي صالحٍ عن ابنِ عبّاس: ... فنزلَت هذهِ الآيةُ وقالَ جبريل: إنَّ عُمرَ فرّقَ بينَ الحقِّ والباطل، فسُمّيَ الفاروق ».

أقولُ: بغضِّ النظرِ عن الواسطةِ بينَ الواحديّ [ت468هـ] وبينَ الكلبيّ، فإنَّ الكلبيَّ هوَ محمّدٌ بنُ السائبِ النسّابةُ المشهور، اتّفقَت كلمةُ نقّادِ الحديثِ على جرحِه وضعفِه، تركَه يحيى وابنُ مهدي وغيرُه، وقالَ الدارقطنيُّ وجماعة: (متروكٌ)، وقالَ ابنُ حبان: (يروي عن أبي صالحٍ عن ابنِ عبّاسٍ التفسير، وأبو صالحٍ لم يرَ ابنَ عباس، ولا سمعَ منهُ شيئاً، ولا سمعَ الكلبيُّ مِن أبي صالحٍ إلّا الحرفَ بعدَ الحرف..)، ومَن شاءَ تفصيلَ حالِه فليُراجِع الجرحَ والتعديلَ لابنِ أبي حاتمٍ الرازيّ، والمجروحينَ لابنِ حبان، وتهذيبَ التهذيبِ لابن حجرٍ العسقلاني. 

الحديثُ الخامِس: 

ما رواهُ ابنُ عدي في [الكاملِ في الضّعفاءِ ج5 ص215 ت1369]، والطبرانيُّ في [المُعجمِ الكبيرِ ج11 ص63] عن عليٍّ بنِ جميلٍ الرقيّ عن جريرٍ، عن ليثٍ، عن مُجاهد، عن ابنِ عبّاس، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ [وآلِه] وسلّم): « ما في الجنّةِ ورقةٌ ـ أو قالَ: شجرةٌ ـ إلّا مكتوبٌ عليها: لا إلهَ إلّا الله، محمّدٌ رسولُ الله، أبو بكرٍ الصدّيقُ، عمرُ الفاروقُ، عثمانُ ذو النورين ».

أقولُ: ذكرَ ابنُ عدي هذا الحديثَ ضمنَ الأحاديثِ المُنكرةِ على ابنِ جميلٍ في ترجمتِه؛ إذ قالَ: « حدّثَ بالبواطيلِ عن ثقاتِ الناس، ويسرقُ الحديثَ »، ثمّ ساقَ هذا الحديث، وعلّقَ عليه قائِلاً: « وهذا لم يأتِ به عن جريرٍ بهذا الإسنادِ غيرُ عليٍّ بنِ جميل، وحلفَ عليهِ أنَّ جريرَ حدّثَه، وقد سرقَه مِن عليٍّ بنِ جميل رجلٌ يُقالُ له معروفٌ بنُ أبي معروفٍ البلخيّ، ومعروفٌ هذا غيرُ معروف ».

قالَ ابنُ حبّان في [المجروحينَ ج2 ص116]: « يروي عن عيسى بنِ يونس وجرير، يضعُ الحديثَ وضعاً، لا يحلُّ كتابةُ حديثِه ولا الروايةُ عنه بحال »، ثمَّ ساقَ له روايتين، إحداهُما هذهِ الرواية، ثمّ علّقَ بقولِه: « وهذانِ خبرانِ باطلانِ موضوعانِ لا شكَّ فيه، وله مثلُ هذا أشياءُ كثيرةٌ يطولُ الكتابُ بذكرِها ».

وعدَّ ابنُ الجوزيّ هذا الحديثَ في [الموضوعاتِ ج1 ص336] وذكرَ كلامي ابنُ حبّانَ وابنُ عدي. وقالَ ابنُ كثيرٍ في [البدايةِ والنهاية ج7 ص231]: « حديثٌ ضعيفٌ، في إسنادِه مَن تُكلِّم فيه، ولا يخلو مِن نكارة ».

الحاصلُ: هذا الحديثُ موضوعٌ، وآفتهُ عليٌّ بنُ جميلٍ الكذّاب الوضّاع. 

الحديثُ السادس:

ما رواهُ الخطيبُ البغداديّ في [تاريخِ بغداد ج10 ص263]، وابنُ الجوزيّ في [الموضوعاتِ ج1 ص337]، وابنُ عساكرَ في [تاريخِ دمشق ج39 ص51]، عن مُحمّدٍ بنِ عُبيدِ الله الحنائيّ، قالَ: أنبأنا عثمانُ بنُ أحمدَ الدقاق، قالَ: أنبأنا إسحاقُ بنُ إبراهيم الختليّ، قالَ: حدّثنا أبو بكرٍ عبدُ الرحمنِ بنُ عفّان الصوفيّ، قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ مُجيبٍ الصائغ، قالَ: حدّثنا جعفرٌ بنُ مُحمّد، عن أبيهِ، عن جدِّه، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ [وآلِه] وسلّم): « ليلةُ أسريَ بي رأيتُ على العرشِ مكتوباً: لا إلهَ إلّا الله، محمّدٌ رسولُ الله، أبو بكرٍ الصدّيقُ، عمرُ الفاروق، عثمانُ ذو النورينِ يقتلُ مَظلوماً ».

أقولُ: هذا الحديثُ موضوعٌ بلا شكّ، فإنَّ في إسنادِه ثلاثُ رواةٍ منَ الضعفاءِ، أوّلُهم: إسحاقُ بنُ إبراهيمَ الختليّ، قالَ الحاكمُ: (ليسَ بالقويّ)، وقالَ مرّة: (ضعيفٌ)، وقالَ الدارقطنيّ: (ليسَ بالقويّ) [ينظر: ميزانُ الاعتدال ج1 ص180].

وثانيهم: عبدُ الرحمنِ بنُ عفّان، قالَ يحيى بنُ مُعين: (كذّابٌ مُكذّب) [ينظرُ: لسانُ الميزان ج3 ص424]. وثالثُهم: محمّدٌ بنُ مجيبٍ الصائغ، قالَ يحيى بنُ معين: (كذّاب)، وقالَ أبو حاتمٍ الرّازيّ: (ذاهبُ الحديث)، وقالَ ابنُ عقدة: (مُنكَرُ الحديث)، وذكرَ ابنُ غيلان: (أنَّ أحمدَ وابنَ معينٍ وأبا خيثمة ضربوا عليه)، وقالَ ابنُ عدي: (لهُ أشياءُ غيرُ محفوظةٍ). [ينظر: تهذيبُ التهذيبِ ج9 ص379ـ380، ميزانُ الاعتدال ج4 ص24].

قالَ ابنُ الجوزيّ ـ بعدَما أوردَ هذا الحديث ـ: « هذا حديثٌ لا يصحُّ عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم)، وأبو بكرٍ الصوفيّ ومحمّدٌ بنُ مجيبٍ كذّابان، قالَه يحيى بنُ معين »، وذكرَه ابنُ حجرٍ في [لسانِ الميزان ج3 ص424] في ترجمةِ الصوفيّ وقالَ: « رواهُ الختليّ في الديباجِ عنه، والمُتّهمُ به صاحبُ الترجمة »، وذكرَه الكنانيُّ في [تنزيهِ الشريعةِ المرفوعةِ عن الأخبارِ الشنيعةِ الموضوعة ص351].

الحاصلُ: إنَّ الأحاديثَ التي يرويها المخالفونَ في أنَّ النبيَّ الأعظمَ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) سمّى عمرَ بنَ الخطّابِ بـ(الفاروق) هيَ أحاديثُ موضوعةٌ، لا تصحُّ أبداً، مرويّةٌ مِن طرقِ الضعفاءِ والكذّابينَ والوضّاعينَ، كما نصَّ على ذلكَ نقّادُ الحديثِ والرجالِ عندَ المُخالفين. وبهذا يظهرُ دقّةُ كلامِ المُحدّثِ الزهريّ في نقدِه هذهِ الأحاديثَ بقولِه: « بلغنا أنَّ أهلَ الكتابِ كانوا أوّلَ مَن قالَ لعُمر: (الفاروق)، وكانَ المُسلمونَ يؤثرونَ ذلكَ مِن قولهم، ولم يبلُغنا أنَّ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) ذكرَ مِن ذلكَ شيئاً »، وقد تقدّمَ بيانُ مقامِه العلميّ وشرحُ كلامِه بشكلٍ وافٍ. 

المقامُ الثاني: تلقيبُ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) بلقبِ الفاروق: 

لا شكَّ لدى الشيعةِ أنَّ الفاروقَ مِن ألقابِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، جاءَت بذلكَ رواياتٌ كثيرةٌ لدى المُسلمين، وردَت جملةٌ مِنها في كتبِ غيرِ الإماميّة، وبما أنَّ المجالَ لا يسمحُ لاستقرائِها جميعاً فسنذكرُ جُملةً مِنها ونجعلُها على قِسمين: 

القسمُ الأوّل: الأحاديثُ الواردةُ في كتبِ غيرِ الإماميّة: 

الحديثُ الأول: 

ما رواهُ الحافظُ الطبرانيُّ في [المُعجمِ الكبير ج6 ص269]، والحافظُ ابنُ عساكر في [تاريخِ دمشق ج42 ص41] عن إسماعيلَ بنِ موسى السدّي، حدّثنا عمرُ بنُ سعيد، عن فُضيلٍ بنِ مرزوق، عن أبي سخيلة، عن أبي ذرٍّ وعن سلمانَ قالا: أخذَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) بيدِ عليٍّ (رضيَ اللهُ عنه) فقالَ: « إنَّ هذا أوّلُ مَن آمنَ بي، وهوَ أوّلُ مَن يصافحُني يومَ القيامة، وهذا الصدّيقُ الأكبر، وهذا فاروقُ هذهِ الأمّة، يُفرّقُ بينَ الحقِّ والباطل، وهذا يعسوبُ المؤمنينَ، والمالُ يعسوبُ الظالم ».

ورواهُ مُحمّدٌ بنُ سُليمانَ الكوفي في [مناقبِ الإمامِ أميرِ المؤمنين ج1 ص267]: حدّثنا محمّدٌ بنُ منصور المُرادي قالَ: حدّثنا إسماعيلُ بنُ موسى الفزّاري قالَ: حدّثنا عمرُ بنُ سعيدٍ البصري، عن فضيلٍ بنِ مرزوق، عن أبي سخيلة، عن أبي ذرٍّ وسلمان، وساقَ الحديثَ مثله. ورواهُ أيضاً في [المناقبِ ج1 ص280] عن محمّدٍ بنِ منصور، حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعي (محمّدٌ بنُ يزيد بنِ مُحمّدٍ بنِ كثير)، عن عُمرَ بنِ سعيدٍ أبي حفص، عن فضيلٍ بنِ مرزوق، عن أبي سخيلة. 

الحديثُ الثاني: 

روى الحافظُ ابنُ عساكر في [تاريخِ دمشق ج42 ص41] والعلّامةُ الحموينيّ في [فرائدِ السمطين] عن أبي العبّاسِ ابنِ عقدة قالَ: نبّأ محمّدٌ بنُ أحمدَ بنِ الحسنِ القطواني، قالَ: نبّأ مخلدٌ بنُ شداد قالَ: نبّأ محمّدٌ بنُ عبدِ الله، عن أبي عبدِ الله، عن ابنِ سخيلةَ قالَ: حججتُ أنا وسلمانُ فنزلنا بأبي ذر، فكُنّا عندَه ما شاءَ الله، فلمّا حانَ مِنّا خفوقٌ قُلنا: يا أبا ذر، إنّي أرى أموراً قد أحدثَت، وإنّي خائفٌ على الناسِ الاختلافَ، فإن كانَ ذلكَ فما تأمرُني؟ قالَ: إلزَم كتابَ اللهِ وعليّاً بنَ أبي طالب (عليهِ السلام)، فأشهدُ أنّي سمعتُ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) يقول: « عليٌّ أوّلُ مَن آمنَ بي وأوّلُ مَن يُصافحُني يومَ القيامة ، وهوَ الصدّيقُ الأكبرُ والفاروقُ يُفرّقُ بينَ الحقِّ والباطل ».

ورواهُ مُحمّدٌ بنُ سُليمانَ الكوفي في [مناقبِ الإمامِ أميرِ المؤمنين ج1 ص299] عن محمّدٍ بنِ عبيدٍ بنِ عُتبة قالَ: حدّثنا إسماعيلُ بنُ صبيحٍ قالَ: حدّثنا زيادٌ بنُ مُنذر، عن أبي عبدِ الله، عن أبي سخيلة، عن أبي ذرٍّ قالَ: إن كنتَ تخافُ منَ الفتنِ فالزَم كتابَ اللهِ وعليٍّ بنِ أبي طالب، فأشهدُ على رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) أنّي سمعتُه وهوَ يقول : « عليٌّ أوّلُ مَن آمنَ بي وأوّلُ مَن يُصافحُني وهوَ الصدّيقُ الأكبرُ وهوَ الفاروقُ بينَ الحقِّ والباطل »

الحديثُ الثالث:

ما رواهُ أخطبُ خوارزم في [المناقبِ ص62] قالَ: وأخبرَني سيّدُ الحُفّاظِ أبو منصورٍ شهردارُ بنُ شيرويه بنِ شهردار الديلميّ ـ فيما كتبَ إلى مَن همدان ـ، أخبرَني الحدّاد، أخبرَني أبو نعيمٍ، أخبرنا محمّدٌ بنُ يعقوب ـ فيما كتبَ إليَّ ـ، حدّثني إبراهيمُ بنُ سليمانَ بنِ عليٍّ الحمصيّ، حدّثني إسحاقُ بنُ بشر، حدّثني خالدٌ بنُ الحارث، عن عوفٍ، عن الحسنِ، عن أبي ليلى الغفاريّ، قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) يقولُ: « ستكونُ بعدي فتنةٌ، فإذا كانَ ذلكَ فالزموا عليّاً بنَ أبي طالب ، فإنّهُ أوّلُ مَن يراني، وأوّلُ مَن يُصافحُني يومَ القيامة، وهوَ الصدّيقُ الأكبر، وهوَ فاروقُ هذهِ الأمّة، يفرّقُ بينَ الحقِّ والباطل، وهوَ يعسوبُ المؤمنينَ، والمالُ يعسوبُ المُنافقين ».

ونقلَه الكنجيُّ الشافعيّ في [كفايةِ الطالبِ ص188] بالإسنادِ عن مُحمّدٍ بنِ إسحاقَ بنِ محمّدٍ بنِ يحيى العبديّ، أخبرَنا محمّدٌ بنُ يعقوب، حدّثنا إبراهيمُ بنُ سليمان بنَ عليّ الحمصيّ.. إلى آخرِه. ثمَّ قالَ: « قلتُ: هذا حديثٌ حسنٌ عال، رواهُ الحافظُ في أماليّه ». 

ونقلَه الحافظُ ابنُ عبدِ البرِّ في [الاستيعابِ ج4 ص1744] عن إسحاقَ بنِ بشيرٍ بإسنادِه الحديث. 

الحديثُ الرّابع: 

ما رواهُ العلّامةُ الحموينيّ في [فرائدِ السّمطين] بإسنادِه عن الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ الحافِظ قالَ: نبّأ محمّدٌ بنُ عليّ الأسفرايني، نبّأ أحمدُ بنُ محمّد بنِ إسماعيلَ السوطي، نبّأ مذكورٌ بنُ سليمان، نبّأ أبو الصلتِ الهروي، قالا: نبّأ عليٌّ بنُ هاشم، نبّأ محمّدٌ بنُ عبدِ الله بنِ أبي رافع، عن أبيهِ، عن جدِّه، عن أبي ذرٍّ (رضيَ اللهُ عنه) قالَ: سمعتُ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) يقولُ لعليٍّ: « أنتَ أوّلُ مَن آمنَ بي وصدّقني، وأنتَ أوّلُ مَن يصافحُني يومَ القيامة، وأنتَ الصدّيقُ الأكبر، وأنتَ الفاروقُ الذي يُفرّقُ بينَ الحقِّ والباطِل، وأنتَ يعسوبُ المُسلمينَ، والمالُ يعسوبُ الكُفّار ».

ونقلَه أبو جعفرٍ الإسكافيّ في [النقضِ على العثمانيّةِ ص290] عن محمّدٍ ابنِ أبي رافعِ عن أبيهِ عن جدّه، قالَ: أتيتُ أبا ذرٍّ بالربدةِ أودّعُه.. إلى آخرِه. ونقلَه مثلُه ابنُ أبي الحديدِ في [شرحِ نهجِ البلاغة ج13 ص228]. 

ورواهُ مُحمّدٌ بنُ سليمانَ الكُوفي في [مناقبِ الإمامِ أميرِ المؤمنين ج1 ص277] عن محمّدٍ بنِ منصور عن الحكمِ بنِ سُليمان قالَ: حدّثنا أبو زكريّا السمسارِ، عن محمّدٍ بنِ عبيدِ اللهِ بنِ عليّ، عن أبيه، عن جدّه قالَ: أتيتُ أبا ذر أسلّمُ عليه.. إلى آخرِه.

الحديثُ الخامس:

روى الحافظُ ابنُ عدي في [الكاملِ ج4 ص229]، والعقيليُّ في [الضّعفاءِ ج2 ص47]، وابنُ عساكرَ في [تاريخِ دمشقَ ج42 ص42]، والكنجيُّ الشافعيُّ في [كفايةِ الطالبِ ص187] وغيرُهم، عن عليٍّ بنِ سعيدٍ بنِ بشير، حدّثنا عبدُ اللهِ بنُ داهر الرّازيّ، حدّثنا أبي، عن الأعمشِ، عن عبايةَ، عن ابنِ عبّاس، قالَ: ستكونُ فتنةٌ فمَن أدركَها مِنكم فعليهِ بخصلةٍ مِن كتابِ اللّهِ تعالى وعليٍّ بنِ أبي طالب (عليهِ السّلام)، فإنّي سمعتُ رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وهوَ يقول: « هذا أوّلُ مَن آمنَ بي، وأوّلُ مَن يُصافحُني، وهوَ فاروقُ هذه الأمّة، يفرّقُ بينَ الحقِّ والباطل، وهوَ يعسوبُ المؤمنينَ والمالُ يعسوبُ الظلمةِ، وهوَ الصدّيقُ الأكبر، وهوَ بابي الذي أوتى منهُ، وهوَ خليفتِي مِن بعدي ».

الحديثُ السّادس: 

ما قالَه ابنُ أبي الحديدِ المُعتزليّ في [شرحِ نهجِ البلاغة ج1 ص30]: (ذهبَ أكثرُ أهلِ الحديثِ إلى أنّه (عليهِ السلام) أوّلُ الناسِ اتّباعاً لرسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إيماناً به، ولم يخالِف في ذلكَ إلّا الأقلّونَ، وقد قالَ هوَ (عليهِ السلام): « أنا الصدّيقُ الأكبر، وأنا الفاروقُ الأوّلُ، أسلمتُ قبلَ إسلامِ الناس، وصلّيتُ قبلَ صلاتِهم ». ومَن وقفَ على كتبِ أصحابِ الحديثِ تحقّقَ ذلكَ وعلمَه واضحاً).

وقالَ في موضعٍ آخر في [شرحِ نهجِ البلاغة ج4 ص122]: (واعلَم أنَّ أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام) ما زالَ يدّعي ذلكَ لنفسِه، ويفتخرُ به، ويجعلهُ في أفضليّتِه على غيرِه، ويصرّحُ بذلك، وقد قالَ غيرَ مرّةٍ : « أنا الصدّيقُ الأكبر، والفاروقُ الأوّل، أسلمتُ قبلَ إسلامِ أبي بكرٍ، وصلّيتُ قبلَ صلاته »).

أقولُ: سياقُ كلامِ ابنِ أبي الحديدِ يفيدُ جزمَه بصدورِ هذا الكلامِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)؛ إذ جاءَ بالقولِ جازماً معَ سبقِه بحرفِ (قد) المُفيدِ لمعنى التحقيقِ، إضافةً إلى أنّه جاءَ بهذا القولِ للاستدلالِ به على صحّةِ قولِ الأكثرِ مِن أنَّ الأميرَ (عليهِ السلام) هوَ أوّلُ الناسِ إيماناً، والاستدلالُ به فرعُ ثبوتِه وتحقّقِه وصدورِه كما هوَ واضح. ثمَّ في كلامِه فائدةٌ أخرى وهوَ أنّ هذا الكلامَ صدرَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) أكثرَ مِن مرّة. 

الحديثُ السابع:

ما رواهُ ابنُ حسنويه في [درِّ بحرِ المناقب ص99] بالإسنادِ يرفعُه إلى أبي ذرٍّ وسلمانَ والمقدادِ أنّهم أتاهُم رجلٌ مُسترشدٌ في زمنِ خلافةِ عُمر بنِ الخطّاب وهوَ رجلٌ مِن أهلِ الكوفة، فجلسَ إليهم مُسترشِداً، فقالوا: عليكَ بكتابِ اللهِ فالزَمه وبعليٍّ بنِ أبي طالب، فإنّه معَ الكتابِ لا يفارقُه، فإنّا نشهدُ أنّنا سمِعنا مِن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) أنّه يقول: « إنَّ عليّاً معَ الحقّ، والحقُّ معه، كيفَما دارَ دارَ به، فإنّهُ أوّلُ مَن آمنَ بي، وأوّلُ مَن يُصافحُني يومَ القيامة، وهوَ الصدّيقُ الأكبر، والفاروقُ بينَ الحقِّ والباطل، وهوَ وصيّي ووزيري وخليفتِي في أمّتي مِن بعدي، ويقاتلُ على سُنّتي »، فقالَ لهُم الرجلُ: ما بالُ الناسِ يُسمّونَ أبا بكرٍ الصدّيقَ وعُمرَ الفاروق، فقالوا: الناسُ تجهلُ حقَّ عليٍّ كما جهلا هُما خلافةَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وجهلا حقَّ أميرِ المؤمنين، وما هوَ لهُما باسمٍ، لأنّه اسمُ غيرِهما، واللهُ إنَّ عليّاً هوَ الصدّيقُ الأكبرُ والفاروقُ الأزهر، وإنّه خليفةُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وإنّه أميرُ المؤمنين، أمرَنا وأمرَهم به رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فسلّمنا عليهِ جميعاً وهُما معنا بإمرةِ المؤمنين. 

الحديثُ الثامن: 

ما نقلَه القندوزيّ الحنفيّ في [ينابيعِ المودّة ص495] عن ياسرٍ الخادم، عن عليٍّ الرّضا، عن أبيهِ، عن آبائِه، عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلّم) قالَ: « يا عليُّ أنتَ حُجّةُ الله، وأنتَ بابُ الله، وأنتَ الطريقُ إلى الله، وأنتَ النبأ العظيم، وأنتَ الصراطُ المُستقيم، وأنتَ المثلُ الأعلى، وأنتَ إمامُ المُسلمين وأميرُ المؤمنينَ وخيرُ الوصيّينَ وسيّدُ الصدّيقين. يا عليُّ أنتَ الفاروقُ الأعظم، وأنتَ الصدّيقُ الأكبر، وإنَّ حزبكَ حِزبي وحِزبي حزبُ الله، وإنَّ حزبَ أعدائِك حزبُ الشيطان ».

أقولُ: هذا ما عثَرنا عليهِ بعُجالةٍ في مصادرِ غيرِ الإماميّة، وهذهِ الأحاديثُ وإن كانَ فيها المُرسَلُ والضعيفُ، إلّا أنَّ ورودَها بطرقٍ مُتعدّدةٍ، وفي المصادرِ المُختلفة، ومِن جُملتِها مصادرُ مُعتبرةٌ لكبارِ الأئمّةِ، معَ حُكمِ بعضِهم ـ كالكنجيّ والمُعتزليّ ـ باعتبارِها، كافٍ في أمثالِ هذهِ المَقامات، خصوصاً معَ مُلاحظةِ مسلكِ أئمّةِ المُخالفينَ وعلمائِهم منَ التوجّسِ مِن روايةِ مناقبِ أهلِ البيت (عليهم السلام) وفضائلِهم، بحيثُ صارَت روايةُ مثلِ هذه الأخبارِ عندَهم مِن أهمِّ الأسبابِ في الطعنِ بالرواةِ والنيلِ مِنهم والجرحِ فيهم، كما يعرفُ ذلكَ المُتتبّعُ لتراثِهم ومبانيهم، ولتفصيلِ ذلكَ يراجعُ ما كتبَه العلّامةُ المُظفّرُ في مُقدّمةِ دلائلِ الصدق. 

القسمُ الثاني: الأحاديثُ الواردةُ في كتبِ الإماميّة: 

الأحاديثُ الواردةُ في كتبِ الإماميّةِ في هذا الصّددِ كثيرةٌ جدّاً، ولا يسعُ المجالُ لاستقصائِها واستقرائِها، وسنوردُ في المقامِ عشرةَ أحاديثَ مِنها:  

الحديثُ الأوّل: 

ما رواهُ سُليمٌ بنُ قيس الهلاليّ أنّهُ جلسَ إلى سلمانَ وأبي ذرٍّ والمقدادِ في إمارةِ عُمرَ بنِ الخطّاب، فجاءَ رجلٌ مِن أهلِ الكوفةِ فجلسَ إليهم مُسترشِداً، فقالوا له: عليكَ بكتابِ اللهِ فألزَمه، وعليٍّ بنِ أبي طالب فإنّه معَ الكتابِ لا يفارقُه، وإنّا نشهدُ أنّا سمِعنا رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يقولُ: « إنَّ عليّاً معَ القرآنِ والحقّ، حيثُما دارَ دار، إنّه أوّلُ مَن آمنَ باللهِ وأوّلُ مَن يُصافحُني يومَ القيامةِ مِن أمّتي، وهوَ الصدّيقُ الأكبر، والفاروقُ بينَ الحقِّ والباطل، وهوَ وصيّي ووزيري وخليفتي في أمّتي، ويقاتلُ على سُنّتي ». فقالَ لهُم الرجلُ: فما بالُ الناسِ يُسمّونَ أبا بكرٍ الصدّيقَ وعُمرَ الفاروق؟ فقالوا له: نحلَهُما الناسُ اسمَ غيرِهما، كما نحلوهُما خلافةَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وإمرةَ المؤمنينَ، وما هوَ لهُما باسمٍ لأنّه اسمُ غيرِهما، إنَّ عليّاً لخليفةُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأميرِ المؤمنين، لقد أمرَنا رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وأمرَهُما معنا، فسلّمنا على عليٍّ (عليهِ السلام) بإمرةِ المؤمنينَ. [كتابُ سُليم ص402].

الحديثُ الثاني: 

ما رواهُ الصفّارُ في [بصائرِ الدرجاتِ ص73] عن عبدِ اللهِ بنِ مُحمّد، عن موسى بنِ القاسم، عن جعفرٍ بنِ مُحمّدٍ بنِ سماعة، عن عبدِ اللهِ بنِ مسكان، عن الحكمِ بنِ الصّلت، عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) قالَ: « قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): خُذوا بحجزةِ هذا الأنزعِ ـ يعني عليّاً ـ، فإنّهُ الصدّيقُ الأكبر، وهوَ الفاروقُ يُفرّقُ بينَ الحقِّ والباطل... ».

ورواهُ ابنُ بابويه الأبُ في [الإمامةِ والتبصرِة منَ الحيرة ص111]، وابنهُ الصّدوقُ في [الأماليّ ص285، وص772] عن سعدٍ، عن ابنِ عيسى، عن موسى بنِ القاسمِ البجلي بإسناده. 

الحديثُ الثالث:

ما رُويَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) أنّه قال: «.. أنا قسيمُ الجنّةِ والنار، لا يدخلُها داخلٌ إلّا على أحدِ قِسمين، وأنا الفاروقُ الأكبر ..».

هذا الحديثُ رواهُ الصفّارُ في [بصائرِ الدرجات ص219، وص435، وص436]، والشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص198]، والحسنُ بنُ سُليمانَ الحليّ في [مُختصرِ البصائرِ ص204] عن عليٍّ بنِ حسّان، عن أبي عبدِ الله الرياحيّ، عن أبي الصامتِ الحلوانيّ، عن أبي جعفرٍ الباقرِ (عليهِ السلام)، عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام).

ورواهُ الصفّارُ في [بصائرِ الدرجات ص220، وص436]، والشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص196]، والشيخُ الصّدوقُ في [عللِ الشرائعِ ج1 ص164] عن أحمدَ بنِ مُحمّدٍ بنِ عيسى وعبدِ اللهِ بنِ عامر، عن محمّدٍ بنِ سِنان، عن المُفضّلِ بنِ عُمر، عن أبي عبدِ الله الصّادقِ (عليهِ السلام)، عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام). 

ورواهُ الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص197] عن عليٍّ بنِ مُحمّدٍ ومحمّدٍ بنِ الحسن، عن سهلٍ بنِ زياد، عن محمّدٍ بنِ الوليد، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام)، عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام).

ورواهُ الصفّارُ في [بصائرِ الدرجاتِ ص220] عن عبدِ اللهِ بنِ مُحمّد، عن إبراهيمَ بنِ محمّدٍ الثقفيّ، عن بعضٍ رفعَه إلى أبي عبدِ الله (عليهِ السلام)، عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام).

الحديثُ الرّابع:

ما رواهُ الصفّارُ في [بصائرِ الدرجات ص222] عن أبي الفضلِ العلوي، عن سعدٍ بنِ عيسى الكربزي البصري، قالَ: حدّثنا إبراهيمُ بنُ الحكمِ بنِ طهر، عن أبيه، عن شريكٍ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الأعلى الثعلبي، عن أبي وقّاص، عن سلمانَ الفارسي، عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، قالَ: سمعتُه يقول: « عِندي علمُ المنايا والبلايا والوصايا والأنسابِ والأسبابِ وفصلُ الخطابِ ومولدُ الإسلامِ مواردُ الكُفر، وأنا صاحبُ الميسمِ، وأنا الفاروقُ الأكبر.. ».

الحديثُ الخامس:

ما رواهُ الصفّارُ في [بصائرِ الدرجاتِ ص435] عن محمّدٍ بنِ الحُسين، عن المُفضّلِ بنِ عُمر، الجُعفي، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: سمعتُه يقول: « إنَّ أميرَ المؤمنين عليّاً بنَ أبي طالبٍ عليهِ السلام لديّانُ الناسِ يومَ القيامةِ وقسيمُ اللهِ بينَ الجنّةِ والنارِ لا يدخلُهما داخلٌ إلّا على أحدِ قِسمين وإنّه الفاروقُ الأكبر ». 

الحديثُ السّادس: 

ما رواهُ الصّدوقُ في [عيونِ أخبارِ الرّضا ج2 ص9] عن حمزةَ بنِ محمّدٍ العلويّ، قالَ: حدّثني أبي، عن ياسرٍ الخادم، عن أبي الحسنِ عليٍّ بنِ موسى الرّضا، عن أبيهِ، عن آبائِه، عن الحُسينِ بنِ عليٍّ (عليهم السلام) قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لعليٍّ (عليهِ السلام): « يا عليُّ أنتَ حُجّةُ الله، وأنتَ بابُ الله، وأنتَ الطريقُ إلى الله، وأنتَ النبأ العظيم، وأنتَ الصراطُ المُستقيم، وأنتَ المثلُ الأعلى. يا عليُّ أنتَ إمامُ المُسلمينَ، وأميرُ المؤمنينَ، وخيرُ الوصيّين، وسيّدُ الصدّيقين. يا عليُّ أنتَ الفاروقُ الأعظم، وأنتَ الصّدّيقُ الأكبر.. ».

الحديثُ السابع:

ما رواهُ الشيخُ الصّدوقُ في [الأمالي ص78] عن محمّدٍ بنِ عليّ ماجيلويه، قالَ: حدّثنا عمّي محمّدٌ بنُ أبي القاسم، عن محمّدٍ بنِ عليّ الكوفي، عن محمّدٍ بنِ سنان، عن المُفضّلِ بنِ عُمر، عن جابرٍ بنِ يزيد، عن سعيدٍ بنِ المُسيّب، عن عبدِ الرّحمنِ بنِ سمرة، قالَ: قلتُ : يا رسولَ الله، أرشِدني إلى النجاة، فقالَ: يا ابنَ سمرة، إذا اختلفَت الأهواءُ، وتفرّقَت الآراء، فعليكَ بعليٍّ بنِ أبي طالب، فإنّهُ إمامُ أمّتي، وخليفتي عليهم مِن بعدي، وهوَ الفاروقُ الذي يميّزُ بينَ الحقِّ والباطل، مَن سألَه أجابه، ومَن استرشدَه أرشدَه.. ». ورواهُ أيضاً في [كمالِ الدين ص256] بعينِ الإسنادِ معَ زيادةٍ في المَتن.

الحديثُ الثامن:

قالَ الصّدوقُ في [الأمالي ص274] حدّثنا أبي (رحمَه الله)، قالَ: حدّثنا سعدٌ بنُ عبدِ الله، قالَ: حدّثنا عبادٌ بنُ سليمان، عن محمّدٍ بنِ سليمان، عن أبيه سليمانَ الديلمي، عن عميرٍ بنِ الحارث، عن عمرانَ بنِ ميثم، عن أبي سخيلة، قالَ : أتيتُ أبا ذرٍّ (رحمَه الله) فقلتُ: يا أبا ذر، إنّي قد رأيتُ اختلافاً، فبماذا تأمرُني؟ قالَ: عليكَ بهاتينِ الخصلتين: كتابَ الله، والشيخ عليّ ابن أبي طالب (عليهِ السلام)، فإنّي سمعتُ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يقول: هذا أوّلُ مَن آمنَ بي، وأوّلُ مَن يُصافحُني يومَ القيامة، وهوَ الصدّيقُ الأكبر، وهوَ الفاروقُ الذي يُفرّقُ بينَ الحقِّ والباطل ».

الحديثُ التاسع:

قالَ الشيخُ الصّدوقُ في [عيونِ أخبارِ الرّضا ج2 ص16]: حدّثنا محمّدٌ بنُ عليّ ماجيلويه وأحمدُ بنُ عليٍّ بنِ إبراهيم بنِ هاشم وأحمدُ بنُ زيادٍ بنِ جعفرٍ الهمداني (رضيَ اللهُ عَنهم) قالوا: حدّثنا عليٌّ بنُ إبراهيم بنِ هاشم، عن أبيه، عن عليٍّ بنِ معبد، عن الحُسينِ بنِ خالد، عن الرّضا عليٍّ بنِ موسى، عن أبيهِ موسى بنِ جعفر، عن أبيهِ جعفرٍ بنِ مُحمّد، عن أبيهِ محمّدٍ بنِ علي، عن أبيهِ عليٍّ بنِ الحُسين، عن أبيهِ الحُسينِ بنِ علي، عن أبيهِ عليٍّ بنِ أبي طالب (عليهِ السلام) قالَ: قالَ رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « لكلِّ أمّةٍ صِدّيقٌ وفاروق، وصدّيقُ هذهِ الأمّةِ وفاروقُها عليٌّ بنُ أبي طالب عليهِ السلام، وإنّه سفينةُ نجاتِها وبابُ حِطّتها... ».

الحديثُ العاشر:

قالَ الشيخُ الصّدوقُ في [معاني الأخبارِ ص402]: حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسن بنِ أحمدَ بنِ الوليد، قالَ: حدّثنا محمّدٌ بنُ الحسنِ الصفّار، عن أحمدَ بنِ محمّدٍ بنِ خالد، عن أبيه، عن خلفٍ بنِ حمّاد، عن أبي الحسنِ العبدي، عن الأعمشِ/ عن عبايةَ الأسدي، عن ابنِ عبّاس أنّه قالَ: ستكونُ فتنةٌ فإن أدركَها أحدٌ مِنكم فعليهِ بخَصلتين: كتاب اللهِ، وعليّ بن أبي طالب عليهِ السلام، فإنّي سمعتُ نبيَّ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يقولُ - وهوَ آخذٌ بيدِ عليٍّ (عليهِ السلام) -: « هذا أوّلُ مَن آمنَ بي، وأوّلُ مَن يصافحُني يومَ القيامة، وهوَ فاروقُ هذهِ الأمّةِ يُفرّقُ بينَ الحقِّ والباطِل، وهوَ يعسوبُ المؤمنينَ والمالُ يعسوبُ الظلمةِ، وإنّه لهوَ الصدّيقُ الأكبر، وهوَ بابي الذي أوتى منه، وهوَ خليفتي مِن بعدِي ».

ويتحصّلُ ممّا تقدّمَ أمران: 

الأوّلُ: أنَّ تلقيبَ عُمر بنِ الخطّابِ بلقبِ (الفاروقِ) ممّا لا يصحُّ فيه حديثٌ عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وسائرُ ما يُروى ضعيفٌ ومكذوب، وإنّما لقّبَه بذلكَ أهلُ الكتابِ كما نصَّ الحافظُ الزهريّ. 

الثاني: جاءَت رواياتٌ كثيرةٌ عندَ الفريقين ـ شيعةً وسنّةً ـ أنّ الفاروقَ أحدُ ألقابِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالب (عليهِ السلام)، وقد سُرِقَ هذا اللقبُ فأُطلقَ على مناوئيهِ كما هوَ الحالُ في جُملةٍ مِن أسمائِه وألقابِه الأخرى كـ(الصدّيقِ، أوّلُ مَن أسلم، أميرُ المؤمنينَ، سيفُ اللهِ المسلول...) وغيرها