إذا كان الإنسان في أحسن تقويم فلماذا وجودُ المرض، والأمر بالختان، وفرض الحجاب على المرأة ؟!! 

جواد/ العراق/: بعض المستلحدين يقول: من ضمن المواضيع التي تم حشوها في رؤوسنا منذ الصغر واصبحت تعتبر من البديهيات في مجتمعاتنا الاسلامية، قصّة خلق الله للانسان في أحسن تقويم واعتبار جنس البشر احسن مافي السماوات و الارض. فهل هذا الامر صحيح؟ إذا كان الانسان في أحسن تقويم فلماذا ختانه، وهذا التقويم يتناقض مع كل الدراسات الاسلامية، حيث تشير الى ضرر هذا الجزء من الانسان وتعامله كمعاملة الخنزير (المحرم بسبب القران ايضا). واذا كان الانسان في أحسن تقويم ، لماذا هذا الجسد هو عرضة للأمراض؟ ولماذا المرأة تحتاج الى أن تغطي رأسها اذا كانت في أحسن تقويم ؟ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)

: اللجنة العلمية

 قبلَ الجواب لا بُدّ من ذكرِ مقدّمة، نتعرّفُ من خلالها إلامَ تشيرُ الآية؟ وما هو معنى خلقِ الإنسان في أحسن تقويم؟ وهل يؤثّر في ذلك وجودُ المرض والأمرُ بالختان والحجاب، أو لا يؤثّر؟

الآيةُ تشيرُ إلى عناية الله بخلق هذا الإنسان ابتداءاً على أحسن تقويم، والله – سبحانه وتعالى - أحسنَ كلّ شيءٍ خَلقَه، فتخصيصُ الإنسان هنا وفي مواضعَ قرآنية أخرى بحسنِ التركيب، وحسنِ التقويم، وحسنِ التعديل فيه فضلُ عنايةٍ بهذا المخلوق، وإنّ عنايةَ الله بأمر هذا المخلوق على ما به من ضَعف ٍوعلى ما يقع منه من اِنحرافٍ عن الفطرةِ وفساد - لَتشيرُ إلى أنّ له شأناً عند الله. وتتجلّى هذه العنايةُ في خلقهِ وتركيبهِ سواءٌ في تكوينه الجسماني البالغِ الدّقة، أم في تكوينه العقلي، أم في تكوينه الروحي.

ما هوَ معنى خلقِ الإنسان في أحسنِ تقويم؟

المعنى أنّ اللّه تعالى جعلَ صورةَ الإنسان صورةً حسنةً وخَلَقهُ في أحسن تقويم، والتقويمُ معناه: جعلُ الإنسانِ ذا قوامٍ، وقوام الشيء هو ما يقومُ به الشيء ويثبت، الآية تريدُ أن تبيّنَ أنّ صورةَ الإنسان بشكل عامّ صورةً حسنة، وأنّ هذا النوع من الكائنات الحيّة يمتلكُ أحسنَ قوام بحسب الخلقة. 

والمرادُ من الصّورة الحَسنة: ليسَ هو صَباحةَ المنظر وجمالَه؛ إذ ليسَ جميعُ البشر كذلك، بل المقصودُ تناسبُ أجزاءِ الإنسان بعضها مع بعض وتناسبُ مجموعِها مع الغاية التي خُلِق من أجلِها، فالأجهزةُ الفعّالةُ في جسم الإنسان فيها غايةُ التناسبِ والاِنسجام وتفاعلِ بعضِها مع البعض الآخر حتّى في جسم الإنسان الذي له يدٌ زائدة، أو رجلٌ أو غير ذلك، فجسمُ كلّ إنسانٍ متناسبُ الأجزاءِ والأجهزة بمعنى اِنسجام بعضِها مع البعض الآخر، وأيضاً بمعنى اِنسجامها مع الغايةِ والهدف من الخليقة، حيثُ أنّ مجموعَ هذا التركيب الخاصّ من الجسم والرّوح يعتبرُ منسجماً مع درجةِ الكمال التي ينبغي للإنسان الوصولَ إليها من خلال هذه التركيبة الخاصّة المكوّنة من الجسم والروح.

فالمرادُ من حُسن القوام، هو أنّ نوعَ الإنسان وجنس هذا الكائن الحيّ صالح بحسبِ الخلقة للعروجِ إلى الرفيقِ الأعلى والفوز بحياةٍ خالدةٍ عند ربّه سعادة لا شقاءَ فيها، وذلك بما جهّزهُ اللّه به من العقلِ والعلم النافع، ومكّنهُ من العملِ الصالح، فكلّ إنسان ـ حتّى الناقصِ الخلقة ـ يستطيعُ من خلال هذه التركيبة الخاصّة التي خُلقَ عليها أن يرتقيَ ويرتفعَ إلى الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح.

فإنّ خلقةَ الإنسان في أحسنِ تقويم بمعنى تَناسُبِ الأجزاءِ بعضِها مع البعض، وتناسُبِ الجسم مع الرّوح، وتناسُبِ الأعضاءِ مع الغرض، والغايةِ المتوخّاة منها ليس معناهُ إبقاءَ ما كان على ما كان كإبقاء (الجلدة) وعدم الختان، أو إبقاءِ الشعر وإعفائه، وعدمِ قصّ الأظافر، بل خلقُ الشعرِ والأظافر على نحوٍّ  بحيث أنّهما ينموان، ويمكن إبقاؤها أو قصّهما هو من مصاديق (أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )؛ فكما إنّ الرجلَ يقصّ شعره؛ لئلّا يكون مثلاً نظير المرأة، والمرأة تبقي شعرها؛ لأنّ الشعرَ مؤثّرٌ في جمال المرأة، فلو كان الشعرُ يطولُ ولا يمكنُ قصّه أو لا ينمو ولا يطول لكانَ خلافَ الخلقةِ المتناسبةِ مع حالِ الإنسان، فيصدقُ أنّ الله تعالى خلق الإنسان في أحسنِ تقويم حتّى بالنسبة لأظافرهِ وشعرهِ وختانه. والسرّ في ذلك: أنّ المُشرّعَ في الإسلام هو الخالق الذي لا يحكمُ بحكمٍ إلا لمصلحةٍ فرديّة أو اِجتماعيّة راجعةٍ إلى الإنسان؛ لأنّه غنيّ على الإطلاق، وحكيمٌ على الإطلاق.

فأصلُ خلقةِ الغلاف على الحشفةِ فيه منافعُ ومصالح، ثمّ إزالةُ هذا الغلاف بعد الولادة فيه منافعُ ومصالح، ثمّ أمرهُ بالختان وإزالة ذلك الغلاف لمصالحَ أخرى، بل لا بدّ أن يكونَ الأمرُ كذلك؛ لأنّه حكيمٌ لا يعمل عملاً عبثاً فلا بدّ في خلقة الغلاف على الحشفة مصلحةٌ وفي أمره بإزالته مصلحةٌ أخرى وإن لم نعلمها تفصيلاً.

والمحتملُ قويّاً أنّ الله تعالى جعلَ الغلافَ على الحشفة في حال كونِ الذكر جنيناً لكي لا تتأثّر الحشفةُ بالسوائلِ الموجودة في الرحم؛ فانّ بشرةَ الحشفةِ ناعمةٌ وليّنةٌ جدّاً، ثم لما كان يجتمعُ تحتهُ المكروبات بعد الولادة أمرَ بإزالة هذا الغلاف.

مضافاً إلى أنّ غلافَ الحشفة يمنعُ من الِالتذاذ الجنسي لدى المرأة والرجل كليهما، وبإزالته يسهّل الوصولُ إلى اللّذة الجنسيّة، ولعلّ هناك فوائدُ أخرى جسميّة وروحيّة في الختان لا يعلمُ بها إلّا علّام الغيوب الذي أمرَنا بالختان.

إذن، الأمرُ بقصّ الأظافر والشعر وهكذا الأمر (بالختان) من مصاديق خلق الإنسان بأحسن تقويم.

أمّا الحجابُ، فهو أساسُ وسرُّ حفاظ المرأة على عفّتها وكرامَتها وشرفِها وقيمتِها في المجتمع، وليس الحجابُ هو مجرّد عادة أو مجرّد زيّ أو ثقافة، بل هو تغييرٌ شامل في حياة المرأة، وتغييرُ نظرتها لنفسها، وتغييرٌ جذريّ لنظرة الآخرين لها، طبعاً نحو الأفضل.

فالحجابُ هو حجبُ المرأة عن الكثير من المخاطر التي قد تتعرّض لها من دون حجاب، لأن المرأةَ المحجّبة سوف تغير عاداتِها وعلاقاتِها وطريقة حياتها، وتقلّلُ كثيراً من الاِختلاط بالرّجال.. وكل هذه الإجراءات سوفَ تُقلّل اِحتمالَ تعرّض المرأة لخطر الاِغتصاب أو التحرّش الجنسي، بل أكثر من هذا، الحجابُ له فوائدُ صحيّة هائلة منها: أنّ أشعةَ الشّمس فيها كثيرٌ من الموجات التي تضرّ بالإنسان إذا تعرّض لها لساعات طويلة منها الأشعة فوق البنفسجية. وتضرّ الأنثى أكثر من الذكر؛ لأن في طبيعة المرأة أنّ سُمكَ طبقة الدهون تحتَ جلدها أعلى من سُمك طبقة الدهون تحت جلد الرجل . الأشعةُ فوق البنفسجية تتفاعلُ مع هذه المواد البروتينية تحتَ الجلد وتؤدّي إلى أمراض متعددة منها سرطاناتُ الجلد، ومنها تساقطُ الشعر أحياناً، ومنها تقيّحاتٌ في فروةِ الرأس أو في الذراعين أو الرجلين، أمراضٌ كثيرة الإنسان في غنى عنها، وكمثال على ذلك النساء في أوروبا، شُغِفن باللون الأسمر (البرونزي) فجلسنّ يعرّضنَ أجسادهنّ لساعاتٍ طويلةٍ تحت الشمس وللأشعة فوق البنفسجية؛ فاتّضح بعد فترة اِنتشار سرطانات جلديّة رهيبة، فبدأَ الأطبّاءُ يحذّرون من التعرّض لساعات طويلة تحت الشمس... فهذا التعرّضُ يؤدّي إلى جفاف الشعر، والجفافُ يؤدّي إلى تقصّف الشّعر، والشعرُ زينةٌ للمرأة؛ فإذا فقدتِ المرأةُ هذا الجزء من زينتها لأصيبتْ بكثيرٍ من العقد النفسية والمشاكل الذاتية التي قد تُتعسها في حياتها... فالهدفُ من الحجاب هو في مصلحة الإنسان فرداً ومجتمعاً.

خلاصةُ الجواب:

أمّا قولُكم كيفَ خلقَ الأنسان في أحسن تقويم مع أنّ هذا الجسد يمرض؟ الجواب: حقيقةُ الإنسان بروحه لا بجسده، فهذا الجسمُ عبارةٌ عن لباس مادي ينسجمُ مع هذا العالم المادي الذي خلقه الله تعالى، وعالمُ المادةِ هو عالمُ التغيّر والتبّدل من نقصٍ إلى كمال ومن كمالٍ إلى نقص، من صحّةٍ إلى مرض ومن مرضٍ إلى صحة، ولكن بما أنّ الإنسان مركّبٌ من مادةٍ وعقل وروح وهناك تناسبٌ واِنسجام فيما بينها؛ فلهذا الشريعةُ المقدّسة لم تغفل هذا الجانب وأعطتْ الإنسان نظاماً متكاملاً لكيفيّة الحفاظ على نفسه من الأمراض والعلل الجسديّة والنفسيّة والروحيّة، فأمرتْ بالختان وأمرتْ بالحجاب، وقد تبيّنَ ممّا سبقَ ما هي الآثارُ السلبيّة والمرضيّة الجسديّة والنفسيّة لعدمِ الاِلتزام بالختان والحجاب. وقد تبيّن مما تقدمَ أنّهما من مصاديق خلقِ الإنسان في أحسنِ تقويم، فليس هناك تنافٍ بين الآية المباركة وبين الأمر بالختان والأمر بالحجاب.  

بل كل هذا - وجودُ المرض والأمر بالختان وبالحجاب - لا يؤثّر ولا يضرُّ في كونِ الإنسان قد خُلق في أحسنِ تقويم، كما في الأحجار الكريمة مثلاً، فكونها كريمة ونفيسةً لا يعني أنّه ليسَ هناك ما يؤثّر فيها وينقصُ من قيمتها وكفاءتها. بل على العكس؛ لأنّها كريمةٌ ولأنّها ثمينةٌ هنالك ما يؤثر فيها...، فيجب الحفاظ عليها.