بَرَاءَةُ نَبِيِّ الإسْلَامِ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ.
تخيّلُوا لو ظَهرَ شَخصٌ و ادَّعى النُّبوَّةَ وحدَّثَ أصحَابَه قَائِلاً: اُغْزُوا مَكَّةَ والْمَدِينةَ تَغْنَمُوا بَنَاتَ الحِجَازِ! مَاذا ستَكُونُ رِدَّةُ فِعلِ العَالمِ على هذا مُدَّعي النُّبوَّةِ الَّذي يُحرِّضُ أتبَاعَهُ على اغْتِصابِ النِّساءِ ويُغرِيهِم بالجِنسِ لكَي يُحارِبُوا ويَفتَحُوا البُلدَانَ ويَحصَلُوا عليْهنَّ! هذا ما كانَ يَفعَلُه مُحمَّدٌ عندَما قَالَ: اُغْزُوا تَبُوكَ تَغْنَمُوا بَنَاتَ الْأَصْفَرِ وَنِسَاءَ الرُّومِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِم، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنْ ابنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {اِئْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي} قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اُغْزُوا تَبُوكَ تَغْنَمُوا بَنَاتَ الْأَصْفَرِ وَنِسَاءَ الرُّومِ" فَقَالَ الْجَدُّ: اِئْذَنْ لَنَا، وَلَا تَفْتِنَّا بِالنِّسَاءِ. رَجلٌ يُغرِي أتباعَهُ باغْتصَابِ النِّسَاءِ ويُلبِّي شَهوَاتِهم هل يُعقَلُ أنْ يَكُونَ مُرسَلاً مِن عندِ اللهِ ويَكُونَ صَاحِبَ رِسَالةٍ عَالميَّةِ يَتشدَّقُ أتبَاعُها بأنَّها في قمَّةِ الإنسَانيَّةِ؟!
إنَّ هذِهِ الرّوايةَ الّتي ذَكرَها السّائلُ لا يُوجَدُ لها سَندٌ مُعتَبرٌ إطلاقاً، وإنَّما هيَ ضَعِيفةٌ ومُرسلَةٌ كَما يُعبَّرُ في عِلمِ الدِّرَايةِ.
فمُجاهِدٌ هوَ ابنُ جَبرِ المَلكيِّ وهوَ تَابعيٌّ مِنَ الطَّبقَةِ الثَّالِثةِ ولمْ يُعاصِرْ الرّسولَ (صلّى الله عليهِ وآلهِ) فكيفَ يَروِي عنهُ مِنْ دُونِ وَاسِطةٍ.
وكذلِكَ هذِهِ الرِّوايةُ لها عِدَّةُ طُرُقٍ وكُلُّها مُبتَلاةٌ بالضَّعفِ، فعِندَنا الرِّوايةُ الّتي تُروَى بِطَريقٍ غَيرِ مُعتَبَرٍ لا يُمكِنُ الإستِدلَالُ بها إطلَاقاً.
أمّا ما ذَكرهُ المُفسِّرونَ في تَفسِيرِ قَولهِ تعالى (وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذَنْ لي وَلاَ تَفتِنِّي أَلاَ في الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وإِنَّ جَهَنَّمَ لَمحِيَطةٌ بِالْكَـفِرينَ (٤٩))
فقد قَالَ جمَاعةٌ مِنَ المفَسِّرين: إنَّ النَّبيَّ (صلّى الله عليهِ وآله وسلّم) كانَ يُعبِّئُ المُسلِمينَ ويُهيِّؤُهُم لمِعرَكةِ تَبوكٍ ويَدعُوهُم للتَّحرُّكِ نَحوَها، فبَينَا هوَ على مثلِ هذِهِ الحَالِ إذا برَجُلٍ مِنْ رُؤَساءِ طَائِفةِ «بني سَلمة» يُدعَى «جدّ بنُ قَيسٍ» وكانَ في صُفوفِ المنَافِقينَ، فجَاءَ إلى النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُستأذِناً أنْ لا يَشْهدَ المعْركةَ، مُتذرِّعاً بأنّْ فيهِ شَبَقاً إِلى النِّساءِ، وإذا ما وَقعَتْ عَينَاهُ على بَناتِ الرُّومِ فرُبَّما سَيُهِيمُ وَلَهاً بِهنَّ ويَنسحِبُ مِنَ المَعركَةِ!! فأَذِنَ لهُ النَّبيُّ بالإنصرَافِ.
فَنزلَتْ الآيةُ أعلَاهُ مُعنِّفةً ذلكَ الشّخصَ!
فالتفتَ النَّبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) إِلى بني سَلمةَ وقَالَ: مَنْ كَبيرُكم؟ فَقَالُوا: جدّ بنُ قَيسٍ، إلَّا أنَّه رَجلٌ بَخِيلٌ وجَبانٌ، فقَالَ: وأيُّ شَيءٍ أبشعُ مِنَ البُخلِ؟ ثمّ قَالَ: إِنّ كَبيرَكم ذلكَ الشّابُّ الوَضيءُ الوَجهِ بِشرُ بنُ برَاء «وكانَ رَجُلاً سَخِيّاً سَمِحاً بَشُوشاً».
اترك تعليق