مَا هَكَذَا يُحْكَمُ عَلَى الأَحَادِيثِ تَصْحِيحًا وَتَضْعِيفًا.

جَلِيلٌ:      مَنْ حَجَّ البَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي.      قَالَ الإِمَامُ الأَلْبَانِيُّ: "45 -" مَنْ حَجَّ البَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي"      مَوْضُوعٌ.       قَالَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي" المِيزَانِ "(3 / 237)، وَأَوْرَدَهُ الصّغَانِيُّ فِي "الأَحَادِيثِ المَوْضُوعَةِ" (ص 6) وَكَذَا الزَّرْكَشِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ فِي" الفَوَائِدِ المَجْمُوعَةِ فِي الأَحَادِيثِ المَوْضُوعَةِ" (ص 42).      قُلْتُ :وَآفَتُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ شِبْلٍ، أَوْ جَدُّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا.      أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِي (7 / 2480)، وَابْنُ حَبَّانَ فِي" الضُّعَفَاءِ" (2 / 73)، وَعَنْهُ ابْنُ الجَوْزيِّ فِي "المَوْضُوعَاتِ" (2 /217) وَقَالَا: يَأْتِي عَنْ الثُّقَاتِ بِالطَّامَّاتِ، وَعَنْ الإِثْبَاتِ بالمَقْلُوبَاتِ. قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ عَقِبَهُ: قَالَ الدَّارقطْنِيُّ: الطَّعْنُ فِيهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ.      وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وَضْعِهِ أَنَّ جَفَاءَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ الكَبَائِرِ إِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا، وَعَلَيْهِ فَمَنْ تَرَكَ زِيَارَتَهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِذَنْبٍ كَبِيرٍ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الزِّيَارَةَ وَاجِبَةٌ كَالحَجِّ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، ذَلِكَ لِأَنَّ زِيَارَتَهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ القُرُبَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَتَجَاوَزُ عِنْدَ العُلَمَاءِ حُدُودَ المُسْتَحَبَّاتِ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَارِكُهَا مُجَافِيًا لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَمُعْرِضًا عَنْهُ؟! " أَه. [1].      478 - سِلْسِلَةُ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالمَوْضُوعَةِ - مُحَمَّدٌ نَاصِرُ الدِّينِ الأَلْبَانِيُّ - ج 1 ص 119.

: اللجنة العلمية

     الأَخُ جَلِيلٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     هَذَا مِنَ التَّدْلِيسِ العَجِيبِ مِنْ قِبَلِ الشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ، أَوْ مِنْ قُصُورِهِ وَضَعْفِهِ فِي الفِقْهِ كَمَا عُرِفَ عَنْهُ، أَوْ مِنْ عَادَتِهِ وَعَادَةِ عُمُومِ الوَهَّابِيَّةِ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَأَتْبَاعِهِ فِي إِصْدَارِهِمُ الأَحْكَامَ عَلَى الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ تَبَعًا لِهَوَاهُمْ وَمَذْهَبِهِمْ الشَّاذِّ.

     فَمَرَّةً يُحْكَمُ عَلَى نَصِّ حَدِيثٍ مُعَيَّنٍ أَوْ الحُكْمُ عَلَى إِسْنَادٍ مُعَيَّنٍ لِلحَدِيثِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقْبَلَ هَذَا القَوْلُ، وَلَكِنْ مِنْ الأَلْبَانِيِّ لَا يُمْكِنُ قَبُولُهُ حَيْثُ لاَبُدَّ لَهُ مِنْ الأَخْذِ بِنَظَرِ الإِعْتِبَارِ الشَّوَاهِدَ وَالمُتَابَعَاتِ كَمَا يَعْلَمُ هُوَ ذَلِكَ جَيِّدًا، بَلْ هَذَا عَيْنُهُ هُوَ أَكْثَرُ مَا عِيبَ عليهِ الأَلْبَانِيُّ!

     وَأُخْرَى يُحْكُمُ عَلَى مَعْنَى الحَدِيثِ وَنَفْسِ مَضْمُونِهِ، فَهَذَا مَا أَخْطَأَ الشَّيْخُ فِيهِ فَخَلَطَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ لِغَايَةٍ فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا.

     فَمَعْنَى الحَدِيثِ وَمَضْمُونُهُ إِنَّمَا هُوَ الحَثُّ عَلَى زِيَارَةِ النَّبِيِّ الأَعْظَمِ وَقَبْرِهِ الشَّرِيفِ لِمَنْ يَحُجُّ أَوْ لِعُمُومِ المُسْلِمِينَ، فَهَذَا أَمْرٌ مَشْرُوعٌ ثَابِتٌ لَا يُمْكِنُ لِمُسْلِمٍ التَّشْكِيكُ بِهِ فَضْلًا عَنْ رَفْضِهِ وَإِنْكَارِهِ، كَمَا قَامَ المُسْلِمُونَ بِالإِجْمَاعِ بِتَكْفِيرِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي زَمَانِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ.

     وَقَالَ الشَّوْكَانيُّ فِي نَيْلِ الأَوْطَارِ (5 / 180): وَاسْتَدَلَّ القَائِلُونَ بِالوُجُوبِ بِحَدِيثِ: (مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي) وَقَدْ تَقَدَّمَ، قَالُوا: وَالجَفَاءُ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مُحَرَّمٌ، فَتَجِبُ الزِّيَارَةُ لِئَلَّا يَقَعَ فِي المُحَرَّمِ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الجُمْهُورُ بِأَنَّ الجَفَاءَ يُقَالُ عَلَى تَرْكِ المَنْدُوبِ كَمَا فِي تَرْكِ البِرِّ وَالصِّلَةِ، وَعَلَى غلْظِ الطَّبْعِ كَمَا فِي حَدِيثِ: (مَنْ بَدَا فَقَدْ جَفَا)....

     ثُمَّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَقَالَ الحَافِظُ أَيْضًا: أَكْثَرُ مُتُونِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مَوْضُوعَةٌ، وَقَدْ رُوِيَتْ زِيَارَتُهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ بِلَالٌ عِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، وَابْنُ عُمَرَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي المُوَطَّأِ، وَأَبُو أَيُّوبَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَنَسٍ ذَكَرَهُ عياضُ فِي الشِّفَاءِ، وَعُمَرُ عِنْدَ البَزَّارِ، وَعَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عِنْدَ الدَّارقطْنِيِّ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ شَدَّ الرَّحْلَ لِذَلِكَ إِلَّا عَنْ بِلَالٍ لِأَنَّهُ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ بِدَارِيَا يَقُولُ لَهُ: مَا هَذِهِ الجَفْوَةُ يَا بِلَالُ، أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنِي؟ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ عَسَاكِرَ.

      فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَيْرُ ذَاكَ، وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِالجَفَاءِ لِمَنْ لَمْ يَزُرْ قَبْرَ رَسُولِ اللهِ (ص) فَهَلْ يَكْفِي هَذَا فِي رَدِّ فَلْسَفَتِكَ يَا أَلْبَانِيُّ وَعَدَمِ رَدِّ الأَحَادِيثِ بِادِّعَاءِ التَّفَلْسُفِ وَالتَّلَاعُبِ فِي الْمَعْنَى وَزَعْمِ كَوْنِ الجَفَاءِ كَبِيرَةً أَوْ كُفْرًا مَعَ مَا فَهِمَهُ العُلَمَاءُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ بِلَالًا عَلِمَ أَهَمِّيَّةَ زِيَارَةِ النَّبِيِّ الأَعْظَمِ وَخَافَ الجَفَاءَ لِعِلْمِهِ بِشَوْقِ رَسُولِ اللهِ (ص) لَهُ فَأَجَابَ دَعْوَتَهُ الكَرِيمَةَ لَهُ وَلَمْ يَتَحَمَّلْ عِتَابَهُ لِفِرَاقِهِ وَهِجْرَانِهِ وَعَدَمِ زِيَارَتِهِ.

     وَيُقَوِّي حَقِيقَةَ هَذَا المَعْنَى مَا صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ نَفْسُهُ كَمَا فِي سِلْسِلَةِ أَحَادِيثِهِ الصَّحِيحَةِ (ح2497) قَوْلُ رَسُولِ اللهِ (ص) لِمَعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَمَا أَرْسَلَهُ إِلَى اليَمَنِ فأَوْصَاهُ بِأَنْ لَا يَهْجُرَهُ وَلَا يَجْفُوهُ، فَلَا يَغِيبُ عَنْهُ كَثِيرًا حَيْثُ أَنَّهُ سَيُغَادِرُ هَذِهِ الدُّنْيَا العَامَ القَادِمَ فَحَثَّهُ عَلَى زِيَارَةِ المَجِيءِ وَشَدِّ الرَّحْلِ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ بَعْدَ وَفَاتِهِ (ص)، وَنَصُّ الحَدِيثِ:

     يَا مَعَاذُ! إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وَقَبْرِي". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (5 / 235) وَكَذَا الطَّبَرانِيُّ وَالبَزَّارُ.

     1 - الحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ رَاوٍ كَذَّابٌ أَوْ وَضَّاعٌ أَوْ مُتَّهَمٌ أَوْ مَتْرُوكٌ حَتَّى يُعَامَلُ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ القَسْوَةِ مِنْ أَجْلِ إِسْنَادِهِ، أَمَّا ظَاهِرُ كَلَامِ الأَلْبَانِيِّ فَهُوَ يُبَرِّرُ الحُكْمَ بِوَضْعِ الحَدِيثِ لِأَجْلِ حُكْمِ العُلَمَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ وَأَضَافَ لِذَلِكَ كَلَامَهُ فِي مَتْنِ الحَدِيثِ فَادَّعَى بِأَنَّ الجَفَاءَ المَذْكُورَ فِي الحَدِيثِ يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبَ الزِّيَارَةِ، بَلْ كُفْرَ مَنْ لَا يَزُورُ النَّبِيَّ الأَكْرَمَ (ص) وَهَذَا الكَلَامُ لَا يَصْدُرُ مِنْ عَاقِلٍ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ لِأُمُورٍ:

     الأَوَّلُ: دَلَّسَ الأَلْبَانِيُّ فَأَخْفَى أَحَادِيثَ الحَثِّ عَلَى زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ (ص) وَفَضْلِهَا وَالحَثِّ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ أَقْوَالَ العُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فَحَكَمَ عَلَى هَذَا المَتْنِ مُنْفَرِدًا وَهُوَ جَفَاءُ مَنْ يَحُجُّ وَلَمْ يَزُرْ قَبْرَ النَّبِيِّ (ص)، وَهَذَا مَا يَعْتَقِدُ الوَهَّابِيَّةُ بِإِنْكَارِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَإِبْعَادِ النَّاسِ عَنْهُ.

     الثَّانِي: دَلَّسَ الأَلْبَانِيُّ أَيْضًا حِينَمَا أَخْفَى مَنْ صَحَّحَ أَصْلَ وَمَعْنَى الحَدِيثِ كَمَا ذَكَرُوا مَنْ صَحَّحَهُ مِثْلَ قَوْلِ الحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فِي تَلْخِيصِ الحبير (7 / 418) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ لِطُرُقِ أَحَادِيثِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ (ص):

      (فَائِدَةٌ) طُرُقُ هَذَا الحَدِيثِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، لَكِنْ صَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَبُو عَلِيٍّ ابْنُ السَّكَنِ فِي إِيرَادِهِ إِيَّاهُ فِي أَثْنَاءِ السُّنَنِ الصِّحَاحِ لَهُ، وَعَبْدُ الحَقِّ فِي الأَحْكَامِ فِي سُكُوتِهِ عَنْهُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السَّبْكِيُّ مِنْ المُتَأَخِّرِينَ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الطُّرُقِ (ثُمَّ أَضَافَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ تَقْوِيَةً لَهُ بِقَوْلِهِ: وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَخْرٍ حَمِيدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قسيطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: (مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَبِهَذَا الحَدِيثِ صَدَّرَ البَيْهَقِيُّ البَابَ.

     وَرَوَاهُ الخَطِيبُ فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِي تَرْجُمَةِ ابْنِ النُّعْمَانِ بْنِ شِبْلٍ وَقَالَ: إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ (مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي) وَذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ حَبَّانَ فِي تَرْجُمَةِ النُّعْمَانِ، وَالنُّعْمَانُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَقَالَ الدَّارقطْنيُّ: الطَّعْنُ فِي هَذَا الحَدِيثِ عَلَى ابْنِهِ لَا عَلَى النُّعْمَانِ. وَرَوَاهُ البَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الغِفَاريُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ البَّيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيالِسيِّ عَنْ سوَارِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ البَّيْهَقِيُّ: إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ.

     وَكَمَا يَرَى الجَمِيعُ أَنَّ الحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِالوَضْعِ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدًا حَكَمَ عَلَيْهِ بِالوَضْعِ بِالإِضَافَةِ إِلَى ذِكْرِهِ لِفَائِدَةٍ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ فِي تَقْوِيَتِهِ وَذِكْرِ مَنْ صَحَّحَهُ مِنْ العُلَمَاءِ، فَهَكَذَا يَكُونُ دَأْبُ العُلَمَاءِ المُخْلِصِينَ المُنْصِفِينَ يَا أَلْبَانِيُّ وَأَتْبَاعَ الأَلْبَانِيِّ.

     الثَّالِثُ: دَلَّسَ الأَلْبَانِيُّ حُكْمَ العُلَمَاءِ عَلَيْهِ ليُوهِمَ وَيُوْحِيَ لِلقَارِئِ بِأَنَّ مَنْ نَقَلَ كَلَامَهُمْ كُلَّهَمْ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ إِذَا مَا قَرَأَ كَلَامَهُ مِنْ دُونِ تَرْكِيزٍ أَوْ مُرَاجَعَةٍ، وَحَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعَنَاوِينِ الكُتُبِ الَّتِي ذَكَرَتْهُ وَهِيَ كُتُبُ المَوْضُوعَاتِ.

     حَيْثُ قَالَ الحَافِظُ العَلَّامَةُ المُتَّقِيُّ الهِنْدِيُّ فِي كَنْزِ عُمَّالِهِ (5 / 135):

     "مَنْ حَجَّ البَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي"؟ (حُبٌّ فِي الضُّعَفَاءِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ) وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الجَوْزيِّ فِي المَوْضُوعَاتِ فَلَمْ يُصِبْ.

     وَقَالَ الْفتْنِيُّ فِي تَذْكِرَةِ المَوْضُوعَاتِ ص75: قَالَ البَيْهَقِيُّ: طُرُقُهُ كُلُّهَا لَيِّنَةٌ، وَلَكِنْ يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. ثُمَّ قَالَ ص76 :وَفِي اللَّآلِئِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ضَعِيفٌ. وَبَالَغَ ابْنُ الجَوْزيِّ فَذَكَرَهُ فِي المَوْضُوعَاتِ

     وَكَمَا نَرَى أَنَّ الزَّرْكَشِيَّ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الحَدِيثِ بِالوَضْعِ كَمَا أَوْهَمَ الأَلْبَانِيُّ، بَلْ هُوَ انْتَقَدَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَى حُكْمِ ابْنِ الجَوْزيِّ عَلَيْهِ بِالوَضْعِ، فَتَأَمَّلِ الأَمَانَةَ العِلْمِيَّةَ لَدَى القَوْمِ.

     وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ لَنَا الحَقَّ كُلَّ الحَقِّ فِي وَصْفِ الأَلْبَانِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ بَالَغَ فِي الحُكْمِ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ بِالوَضْعِ، فَلَا أَقَلَّ أَنَّهُ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ لِوُجُودِ الطُّرُقِ المُتَعَدِّدَةِ لَهُ مَعَ الشَّوَاهِدِ وَالمُتَابَعَاتِ الَّتِي تُثْبِتُ صِحَّةَ مَعْنَاهُ وَعَدَمَ وُجُودِ أَيِّ غُبَارٍ عَلَيْهِ مَعْنًى وَدِلَالَةً. وَاللهُ العَالِمُ.