كَيْفَ نَفْهَمُ وُجُودَ الآلَامِ؟
خالد الشمري: إِذَا كَانَ اللهُ رَحِيمًا وَقَدِيرًا فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ هَذِهِ الآلَامُ؟
يَرْتَكِزُ هَذَا الإِشْكَالُ عَلَى كَوْنِ الأَلَمِ نَوْعًا مِنَ العَذَابِ، وَبِالتَّالِي لَا يَنْسَجِمُ وُجُودُهُ مَعَ وُجُودِ الرَّحْمَةِ; لِأَنَّ العَذَابَ وَالرَّحْمَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَعَلَيْهِ كَيْفَ نَفْهَمُ كَوْنَ اللهِ رَحِيمًا وَهُوَ يَسْمَحُ بِهَذِهِ الآلَامِ؟ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى رَفْعِهَا أَوْ غَيْرَ قَادِرٍ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِلَهٍ عَاجِزٍ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا وَلَكِنَّهُ سَمَحَ لِلآلَامِ فَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ غَيْرُ رَحِيمٍ.
وَهَذَا الإِشْكَالُ لَيْسَ إِلَّا مُغَالَطَةً وَاضِحَةً لِأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ (أَنَّ الأَلَمَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الرَّحْمَةِ)، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَقَدْ تَكُونُ الرَّحْمَةُ فِي الأَلَمِ مِثْلَ العَمَلِيَّةِ الجِرَاحِيَّةِ أَو العِقَابِ التَّأْدِيبِيِّ وَالتَّدْرِيبِيِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَمْثِلَةِ الكَثِيرَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الأَلَمُ هُوَ عَيْنَ الرَّحْمَةِ، وَبِالتَّالِي لَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّحِيمِ القَدِيرِ أَنْ يُزِيلَ الأَلَمَ فَقَدْ يَكُونُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَمَعَ هَذَا الإِحْتِمَالِ لَا يَصِحُّ الإِعْتِرَاضُ.
وَالأَمْرُ الآخَرُ إِغفالُ الإِشْكَالُ عَنْ كَوْنِ اللهِ لَيْسَ رَحِيمًا وَقَادِرًا فَحَسْبٌ، وَإِنَّمَا حَكِيمًا أَيْضًا، وَبِثُبُوتِ الحِكْمَةِ لَهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الإِشْكَالُ; لِأَنَّ الحِكْمَةَ حِينَهَا تَكُونُ هِيَ الحَاكِمَةُ وَلَيْسَ مُجَرَّدَ القُدْرَةِ، وَيُصْبِحُ السُّؤَالُ الصَّحِيحُ هُوَ: مَا هِيَ الحِكْمَةُ مِنْ وُجُودِ الآلَامِ؟ وَحِينَهَا يَتَغَيَّرُ مَسَارُ البَحْثِ تَمَامًا، وَحَتَّى لَوْ لَمْ نَكْتَشِفْ الحِكْمَةَ عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ إِلَّا أَنَّ بَابَ البَحْثِ مَفْتُوحٌ أَمَامَ الجَمِيعِ، وَعَلَى أَقَلِّ التَّقَادِيرِ يُمْكِنُنَا القَوْلُ إِنَّ الحِكْمَةَ مِنَ الأَلَمِ هِيَ الإِمْتِحَانُ وَالإِخْتِبَارُ مِنْ أَجْلِ الفَوْزِ بِدَرَجَةٍ رَفِيعَةٍ، وَهَذَا كَافٍ عِنْدَ العُقَلَاءِ، فَالأَلَمُ الَّذِي يَنْتِجُ عَنِ الإِمْتِحَانَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي يُقِيمُهَا البَشَرُ فِي مَا بَيْنَهُمْ كَاشِفٌ عَنْ ضَرُورَةِ الأَلَمِ لِلحُصُولِ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ.
اترك تعليق