حَدِيثُ دَعوَةِ العَبدِ الصَّالِحِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ﴿ع﴾ عَلَى أَنَسٓ بْنِ مَالِكِ وَغَيرِهِ مِنِ الصَّحَابِةِ.
الفَاضِلُ الشَّجَنُ: مَا لَكَ لَا تَقُومُ مَعَ أَصْحَابِ .. أَصَابَتْنِي دَعوَةُ العَبدِ الصَّالِحِ زَعَمَ الرَّافِضِيُّ عَبْدِ الحُسَينِ أَنَّ عَلِيَّاً قَالَ لِأَنِسِ بْنِ مَالِكٍ: "مَا لَكَ لَا تَقُومُ مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ ٱللهِ ﴿صَلَّى ٱللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ﴾ فًتَشْهَدُ بِمَا سَمِعَتَهُ يَومَئِذٍ؟ فَقَالَ: يَا أَميرَ المُؤمِنِينَ كَبِرَت سِنِّي وَنَسِيتُ. فَقَالَ عَلِيّ: إِنْ كنتَ كَاذِباً فَضَرَبَكَ ٱللهُ بِبَيضَاءَ لَا تُوَارِيها العِمَامَةُ. فَمَا قَامَ حَتَّى ٱبْيَضَّ وَجْهُهُ بَرَصَاً. فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: أَصَابَتنِي دَعوَةُ العَبدِ الصَّالِحِ". رَوَاهُ الكَذَّابُ فِي (المُرَاجَعَاتِ ص195) عَنْ شَيخِهِ إِبْلِيسَ. وَلَم أَجِدْهُ فِي مَصْدَرٍ مِنْ مَصَادِرِ السُّنَّةِ ولًا حَتَّى الشِّيعَةِ. وَنَقَّبتُ عَنْهُ فِي المُعجَمِ الفِقهِيِّ الشِّيعِيِّ الأَلِكِترُونِيّ المُتَضَمِّنُ لِآلآفِ الكُتُبِ الرَّافِضِيَّةِ، فلم أَجِدْ هَذِهِ الرُّوَايَةَ إِلَّا فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَحرَى أَنْ يُسَمَّى (المُفتَرَياتُ) بَدَلَ (المُرَاجَعَاتِ). قَالَ عَبْدِ الحُسَينِ " ويَشهَدُ لَهَا - أًيْ هَذِهِ الرُّوَايَةُ - مَا أَخرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسنَدِهِ (1/ 119) حَيثُ قَالَ "فَقَامُوا إِلَّا ثَلاثَةٌ لَمْ يَقُومُوا فَدَعَا عَلَيهِم فَأَصَابَتْهُم دعوته. قُلْتُ: وَهَذِهِ الرُّوَايَةُ آفَتُها الوَليدُ بْنُ عُقبَة بْنِ نِزَارالعَنسيِيّ. قَالَ الحَافِظُ "مَجهُولٌ" (تَقرِيبُ التَّهذِيبِ1/ 583 لِسَانُ المِيزَانِ/ 426).
السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ:
فِي البِدايَةِ نَوَدُّ أَنْ نُبَيِّنُ لكً وَلِغيرِكَ مِمَّن يَسلُكَ مِثلَ هَذَا السُّلُوكِ فِي التَّهَجُّمِ عَلَى الآخَرِينَ وَيَكِيلُ لَهُم التُّهَمَ جُزَافاً، إِنَّ هَذَا مِنْ أُسلُوبِ العَاجِزِينَ المُهَرِّجِينَ الَّذِي مَا عَادَ يُنتَفعُ بِهِ، وَلَن يَنفَعَ أَحَدَاً يَبتَغِي الوُصُولُ إِلَى الحَقيقِةِ المَنشُودَةِ، فيَنبَغي لَكَ أَنْ تَكُونً مُهَذَّباً، وٱطْرَحْ سُؤاَلكَ بأَدَبِ الحِوارِ المُتَعارفِ بَينَ أَهْلِ العِلمِ عَسَى أَنْ تَعرِفَ بَعضَ الأُمورُ الَّتِي غَابَت عَنكَ والآنَ نَعودُ إِلَى الإِجابَةِ عَلَى سُؤآلِكَ، فَنَقُولُ:
لَقَدْ ٱتَّهَمْتَ السَّيِّدَ شَرَفَ الدِّينِ بالكَذِبَ حِينَ ٱسْتَدْلَلْتَ بِهَذا الحَدِيثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَ هَذَا الحَدِيثِ بِحَسَبِ زَعْمِكَ لَا يُوجَدُ فِي مَصَادِرِ السُّنَّةِ أَو فِي مَصَادِرِ الشِّيعَةِ رَغْمَ أنّك بَحَثتَ عَنْهُ كَثِيراً، بلْ فَوقَ هَذَا سَوَّلَت لَكَ نَفسُكَ أَنْ تَدَّعِي عَلَى السَّيِّدِ شَرَفِ الدِّينِ أَنَّهُ أَخَذَ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ شَيخِهِ إِبْلِيسَ!! فَسُبَحَانَ ٱللهِ كَمْ هُوَ حَلِيمٌ، وَرَؤُوفٌ بِعِبادِهِ الظَّالِمِينَ، فإِنَّ مِنْ أَكبَرِ الظُّلمِ أَنْ تَتَعَدَّى عَلَى غَيرِكَ، وَتَكيلَ لَهُ مِنَ التُّهَمِ بِلا وَازِعٍ دَاخِليٍّ أَو خَارِجيٍّ لِمُجَرَّدِ أَنَّهُ يُخالِفُكَ فِي الإِعْتِقَادِ، مَعَ أَنَّكَ لَو كُنتَ وَرِعَاً غَيرَ مُتَسَرِّعٍ فِي إِطلاقِ التُّهَمِ عَلَى الآخرِينَ لَعَرَفتَ أَنَّ السَّيِّدَ أَخَذَ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ كِتَابِ (الروضة في فَضَائِلِ أَميرِ المُؤمِنينَ ﴿عَلَيهِ السَّلَامُ﴾، لِشَاذانَ بْنِ جِبريلَ، الصَّفحَة (204 - 206)، حَيثُ ذَكَرَ شَاذانُ بإِسنادٍ يَرفَعُهُ إِلَى سَالِمِ بْنِ أبي جعدة قال: حَضَرتُ مَجلِسَ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ بِالبَصرَةِ، وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَقامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ القَومِ، وَقالَ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ ٱللهِ ﴿ﷺ﴾ مَا هَذِهِ الشِّيمَةُ الَّتِي أَراهَا بِكَ؟ فأَنَا حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ رَسُولِ ٱللهِ﴿ﷺ﴾، أَنَّهُ قَالَ: البَرَصُ وَالجُذَامُ لَا يُبلي ٱللهُ بِهِ مُؤمِناً، فَعِندَ ذَلِكَ أَطْرَقَ أَنَسُ بْنُ مَالكٍ رَأسَهُ إِلَى الأَرضِ، وَعَينَاهُ تُذرَفَانِ بِالدُّمُوعِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وقال: دَعوَةٌ العَبدِ الصَّالِحِ عَلِيٍّ ٱبْنِ أَبِي طالب ﴿ع﴾ نَفَذَت فِيَّ، فَعِندَ ذَلِكَ قَامَ النَّاسُ مِنْ حَولِهِ وَقَصَدُوهُ. ... إِلَى آخِرِ الحَدِيثِ الطَّوِيلِ.. هَذَا أَوَّلَاً.
وَثَانِيَاً: إِسْتِشهَادُ السَّيِّدِ شَرَفِ الدِّينِ بِالرُّوَايةِ الَّتِي أَخرَجَها أَحْمَدُ بْنُ حَنبَل فِي مُسنَدِهِ (1/119) يُعَدُّ ٱسْتِشْهَادَاً فِي مَحلِّهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤيّدُ أَصلَ الرُّوَايَةِ الَّتِي هِيَ مَوضُوعُ البحث والنِّقاشِ، لَكِنَّكَ زَعمَتَ أَنَّ هَذِهِ الرُّوَايَةَ آفَتُهَا الوَليدُ بْنُ عُقبَة بْنِ نِزَار العَنسِيّ بِدَعوَى أَنَّهُ مَجهُولٌ وفْقاً لِما قال الحافظ ٱبْنُ حَجَرٍ فِي تَقرِيبِ التَّهذِيبِ (1/583) وَلِسَانِ المِيزَانِ 7/426). وَهَذَا الحُكمُ مِنكَ فِي غَايةِ الضَّعفِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَعرِفَتِكَ بأُسلُوبِ عُلمَاءِ الحَدِيثِ وٱستِعمَالِهم لِلمُصطَلَحاتِ الحَدِيثيَّةِ الَّتِي تُنَاسِبُ مَقَامَ نَقْدِ الرُّوَايَةِ، حَيثُ إِنْ عُلماءَ الحَدِيثِ إِذَا أَطْلَقُوا الحُكمَ عَلَى رُوَايةِ مَا بأَنَّ آفَتُها فُلانُ الرَّاوِي, فلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّاوِي مِمَّن يُتَّهُم بِالكَذبِ أَو وَضْعِ الحَدِيثِ أَو نحوهما مِنَ الأَحكامِ ذاتِ الطَّابِعِ الشديد جِدَّاً، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الراوي مَجهُولاً أَو ضَعِيفاً مِنْ جِهَةِ سُوءِ حِفظِهِ أَو قِلَّةِ ضَبْظِهِ أَو نَحوَهُما مِنَ الأَحكَامِ اليَسِيرةِ، فالحُكمُ عَلَى هَذَا النَّوعِ مِنَ الرُّوَاةِ يَكُونُ بأَقَلِّ المَرَاتِبِ، أَيْ أَنَّهُم يَحكُمُونَ عَلَيهِ بِالضَّعفِ فَقَط, وَلا يَستَعمِلُونَ مَعَهُ الأَحكَامَ القَاسِيَةَ إلّا إِذَا جَاءَ الرَّاوِي بِحَدِيثٍ لَا تَحتَمِلُهُ القُلُوبُ وَيَكُونُ مُبَايِنَاً لِلمَعقُولِ أَو يَكونُ مُخَالِفَاً لِلقُرآنِ أَوِ السُّنَّةِ المَقطُوعِ بِصَحَّتِهَا أَو نَحو ذَلِكَ، وَنَحنُ إِذَا نظرنا بعين الإنصاف إِلَى حَدِيثِ الوَلِيدِ بْنِ عقبة العَنسِيّ هَذَا وَدَقَّقْنَا فِيهِ لَوَجَدْنَا أَنَّهُ لَمْ يَنفَرِدْ بِهِ، بُلْ تَابَعَهُ ٱثْنَانِ مِنَ الرُّوَاةِ هُمَا: عَبدُ الأَعلَى بْنُ عَامِرِ الثَّعلَبِيّ، وَعَمرُو بْنُ عَبْدِ ٱللهِ الجَمَلِيّ، وِفْقَاً لِمَا رَوَاهُ ٱبْنُ عَسَاكِر الشَّافِعِيّ فِي تَأْرِيخِ دِمَشقَ (ج42/ص208) ، وَحِينَئِذٍ إِذَا ضَمَّ حَدِيثَهُما إِلَى حَدِيثِ الوَلِيدِ بْنِ عُقبَة يَقْوَى أَصْلَ الحَدِيثِ وَيَصِيرُ حَسَنَاً بِمَجمُوعِ طُرُقِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلمِ الحَدِيثِ.
وَعَلَيهِ: صَحَّ مَا قَالَهُ السَّيِّدُ شَرَفُ الدِّينِ فِي هَذَا المَوضِعِ، وَبَطَلَ ٱتِّهَامُكَ إِلَيْهِ بِالكَذبِ، بُلِ إِنَّهُ سَيَكُونُ خَصِيمَكَ يَومَ القِيَامَةِ، وَعِندَ ٱللهِ تَعَالَى تَجتَمِعُ الخُصُومُ.
وَدُمْتُم سَالِمِينَ
اترك تعليق