إِنَّ تَحْرِيمَ زَوَاجِ الْمُسْلِمَةِ بِغَيْرِ الْمُسْلِمِ يُعَدُّ نَزْعَةً عُنْصُرِيَّةً؟
الْعُنْصُرِيَّةُ هِي الْإعْتِقَادُ بِوُجُودِ عَنَاصِرَ ذَاتِيَّةٍ نَابِعَةٍ مِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ مُكْتَسَبَةٍ بِسَبَبِ الْبِيئَةِ الْجُغْرَافِيَّةِ أَوِّ الْمُحِيطِ السِّيَاسِيِّ أَوِّ الْاِجْتِمَاعِيّ أَو الْاِقْتِصَادِيّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، بِحَيْثُ تُصْبِحُ هَذِهِ الْعَنَاصِرُ سَبَبًا لِلتَّمييزِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْحُقوقِ وَالْوَاجِبَاتِ.
وَالْعُنْصُرِيَّةُ ثَقَافَةٌ سَلْبِيَّةٌ نَهَتْ عَنْهَا الْأَعْرَافُ الدَّوْلِيَّةُ، فَبِحَسْبِ إعْلَاَنِ الْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ فَإِنَّ الْعُنْصُرِيَّةَ فِعْلٌ مُدَانٌ وَمُجَرَّمٌ، وَقَدْ أَكَّدَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى حُرْمَةِ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالتَّمْييزِ بَيْنَ الْبَشَرِ بِحَسْبِ الْقَوْمِيَّاتِ وَالْأَعْرَاقِ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى ٰ أَنَّ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى ٰ أَنَّ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَ ٰ ئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11 الْحَجَرَاتِ).
وَقَدْ حَرَّمَتِ الْآيَةُ حَتَّى التَّنَابُزَ بِالْأَلْقَابِ عَلَى أَسَاسٍ عُنْصُرِيٍّ نَاهِيِكَ عَنِ الظُّلْمِ فِي الْحُقوقِ وَالْوَاجِبَاتِ.
وَقَدْ وَضَعَ الْإِسْلَامُ مِعْيَارَهُ الخاصَّ لِلتَّمَيُّزِ بَيْنَ الْبَشَرِ، وَهُوَ مِعْيَارُ خاصٌّ لَا يَنْتَمِي إِلَى عَالَمِ الدُّنْيَا وَمَصَالِحِهَا الْآنِيَّةِ، فَلَيْسَتْ لَهُ عَلَاقَةٌ بِعُنْصُرِ الْإِنْسَانِ وَطَبِيعَتِهِ، أَوْ بِوَضْعِهِ ضِمْنَ التَّرْكِيبَةِ الْإجْتِمَاعِيَّةِ، أَوْ بِالْقَوْمِيَّةِ الَّتِي يَنْتَمِي إِلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ مِعْيَارُ التَّقْوَى وَالْقُرْبِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وسَلَّم): ( لَا فَرْقَ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَلَا أَعْجَميّ وَلَا أَبْيَضَ وَلَا أَسوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)، وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَّقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(13 الْحُجُرَاتِ)، وَمَنْزِلَةُ التَّقْوَى لَيْسَتْ خَاصَّةً بِعِرْقٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا الْجَمِيعُ بِإِمْكَانِهِمْ بُلُوغُ هَذِهِ الدَّرَجَةِ.
وَعِنْدَمَا يُرَاعِي الشَّارِعُ الْإيمَانَ بِاللهِ فِي بَعْضِ الأحكامِ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ أمراً عُنْصُريّاً فَحَالُهُ مِثْلُ مَنْ يَشْتَرِطُ لِزَوَاجِ اِبْنَتِهِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُتَعَلِّمًا، فَمَنْ يَرْفضُ تَزْوِيجَ اِبْنَتِهِ لِلْمُجْرِمِ مَثلًا لَا يُعَدُّ عُنْصُرِيّاً، وَالْخَوْفُ مِنْ حُصُولِ الضَّرَرِ مُتَفَاوِتٌ فَبعضهُ ضَرَرٌ مَادِّيٌّ وَبَعْضهُ ضَرَرٌ نَفْسِيٌّ، وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ يُرَاعِيهَا الْمُشَرِّعُ فِي أحكامهِ، وَزَوَاجُ الْمُسْلِمَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِ يُسَبِّبُ ضَرَراً عَلَى إيمَانِ الزَّوْجَةِ، وَهَذَا الْمِقْدَارُ يَكْفِي لِحَظْرَ هَذَا الزَّوَاجِ وَمَنْعِهِ، لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعُنْصُرِيَّةِ وَإِنَّمَا مِنْ بَابِ الضَّرَرِ النَّفْسِيِّ الَّذِي يَلْحَقُ بِالزَّوْجَةِ.
وَعَلَيْهِ كُلُّ الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ تُرَاعِي الضَّرَرَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَوَانِينِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ أمراً عُنْصُريّاً، وَكَذَلِكَ الشَّارِعُ يُرَتِّبُ أحكامَهُ عَلَى مَا يَرَاهُ ضَرَراً فِي نَظَرِهِ وَلَا يُعَدُّ أمراً عُنْصُريّاً.
اترك تعليق