كيفيَّةِ اغتنام شهرِ رمضانَ المباركِ رُوحيَّاً؟

أَحمدُ العراقيُّ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ .. نرجو مِن جنابِكم الكريمِ أَن تُوجِّهوا لَنا ولِجميعِ شيعةِ أهلِ البيت ﴿ع﴾ كلاماً حولَ كيفيَّةِ اسْتثمارِ شهرِ رمضانَ المباركِ رُوحيَّاً؟ وبتعبيرٍ آخرَ: {كيفَ أَجعلُهُ يؤثِّرُ لِجميعِ أيًّامِ السُّنَّة}؟

: اللجنة العلمية

    الأخُ أحْمَدُ الْمُحْتَرَمُ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ

    مِن لُطفِ ٱللهِ تعالى بنا ورحمتِهِ لنا وعلمِهِ بضَعفِنا وغفلتِنا جعلَ لنا برأفتِهِ ولُطفهِ ورحمتَهُ محطَّاتٍ للقائِهِ عندَها نتوبُ فيها ونستغفرُ مِن غفلتِنا وانحرافِنا عنِ المسارِ الَّذِي رسمَهُ تعالى لَنا وصراطِهِ المستقيمِ الَّذِي أَمرَنا وأَرشدَنا وهدانَا إِلى سُلوكِهِ؛ لنصبحَ أولياءً لهُ تعالى فنَنجُوا.

    حيثُ خلقَنا ٱلله ﴿ﷻ﴾؛ لنكونَ صالحينَ نافعينَ هادئينَ ننشرُ الرَّحمةَ والصلاحَ دونَ أَن نظلمَ أَو نعتديَ على أحدٍ؛ لكونِنا خلفاء ٱللهِ في أَرضِهِ ويتباهى تعالى بنا بينَ ملائكتِهِ حيثُ أودعَ فينا قوى الخيرِ والشَّرِ مِنَ العقلِ والشَّهوةِ وكلَّفنا بخًوضِ الصِّراعِ بينَهما فمَن يتغلَّب فيهِ العنصرُ الصالحُ والعقلُ الراشدُ والنفسُ اللوامةُ أَو المطمئنةُ يكونُ عندَ ٱللهِ أَفضلَ مِنَ الملائكةِ الَّذِينَ أَودعَ فِيهم العقلَ دونُ الشًّهوةِ وإِن تغلَّب فينا الشَّرُ والشَّهوةُ والنًّفسُ الأَمَّارةُ بالسوءِ، فتنزلُ منزلةَ البشرِ إِلى ما هو أَسوءُ عندَ ٱللهِ تعالى مِنَ الحيواناتِ؛ ولذلكَ تَعَبَّدَنَا سبحانهُ بالصًّلاةِ والصِّيامِ والزَّكاةِ والخُمسِ والحجِّ ووو؛ لِـنُهَذِّبَ أنفسَنا ونزكِّيها؛ لتسموَ وترجعَ إِلى ربِّها راضيةً مرضيَّةً فتدخلَ في عبادهِ الصَّالحينً وجنًّتِهِ الَّتِي أُعِدَّت لِلمتَّقِينَ.

    ولكنَّ الإِنسان خلقٌ خطَّاءٌ واللهُ تعالى يُحِبُّ توبتَهُ وعودتَهُ إِلى الصِّراطِ بعدَ انحرافِهِ وزلَّتِهِ عنهُ؛ فجعل تعالى هذه المحطات الإيمانية والهِباتُ الإِلهيَّةِ ليرحمَ بها الإِنسانَ ويلطفَ بهِ كي يَعودَ إِلى صَوابِهِ ورشدِهِ فلا يبقى بعيداً عنِ ٱلله تعالى وذكرِهِ فيغوَى، فحثَّنا ورغَّبنا بالعودةِ فأَكرمنا بالمغفرةِ، فقال ﴿عزَّوجلَّ﴾: (إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) وقال عزَّ مَن قائل محرِّضاً وحاثَّـاً على التَّوبةِ والعودةِ لهُ ﴿عزَّ وجلَّ﴾: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وقال تعالى على لسان رسوله ص: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾، وأَكثرُ مِن ذلكَ حيثُ قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.

    ومِن أَعظمِ هذه المحطَّاتِ الَّتِي جعلَها تعالى لعبادِهِ ؛ ليرجعونَ إلى لفائِهِ بعدَ ابتعادِهم وغفلتِهم عنهُ _ هُو شهرَ رمضانَ المباركِ هذا الشهرُ الكريمُ فلا نجدُ كُلَّ هذهِ الهِباتِ والرَّحمةَ في المحطَّاتٍ الأخرى الَّتِي جعلَها ٱلله تعالى لِعبادِهِ رأفةً ورحمةً بهِم كما جعلَ الوضوءَ إِلى الوضوءِ وكذلكَ الصَّلاةِ إِلى الصَّلاةِ والجُمُعَةِ إِلى الجُمُعَةِ والعَمرةِ إلِى العَمرةِ كفارةً لِمَا بينَها! ولكن جعلَ تعالى محطَّةً كُبرى وموهِبةً عظمى لا تُضاهَىٰ وهو شهرَ رمضانَ شهرَ الرَّحمةِ والغُفرانِ شهرً البركاتِ والخيراتِ شهرَ تُغَلُّ فيهِ الشًّياطينَ في الأَصفادِ فلا يُسَلَّطُ الشًّيطانُ على بني آدمَ.

    وخيرُ ما ننتفعُ ونتَّعظُ بهِ ونحصلُ فيه، على خيرِ هذا الشَّهرِ الكريمِ ما دلًّنا عليه أَعرفُ النَّاس بٱللهِ تعالى ومرادِهِ ﴿ﷻ﴾ وفضلِ هذا الشَّهرِ هو رسولُ ٱلله ﴿ﷺ﴾ حيثُ كانَ ﴿ﷺ﴾ كلًّما اقتربَ هذا الشَّهرُ الفَضيلُ جمعَ النَّاس وارْتقَى المِنبرَ وقال مرَّةً بعدَ أَن حمدَ ٱللَّهَ وأَثنى عليهِ: "أَيُّها النَّاسُ إ ِن هذا الشَّهرَ قد خصَّكُم ٱللَّهُ بهِ وحضرَكم فيهِ وهُو سيِّد الشُّهورِ وليلةٌ فيهِ خيرٌ مِن أَلفِ شهرٍ يُغلَقُ فيهِ أَبوابُ النَّارِ ويُفتَحُ فيهِ أَبوابُ الجنانِ، فمن أدركه ولم يُغفَرْ لهُ فأَبعدَه ٱللَّه تعالى...".

    وفي أُخرى قال ﴿ﷺ﴾: "يا مَعشرَ النَّاسِ إِذا طلعَ هِلالُ شهرِ رمضانَ غُلَّت مردةُ الشَّياطينَ وفُتِحَت أبوابُ السَّماءِ وأَبوابُ الجنانِ وأَبوابُ الرَّحمةِ وغُلِّقَت أَبوابُ النَّارِ واسْتُجِيبَ الدُّعاءُ وكانَ للهِ فيهِ عندَ كُلِّ فِطرٍ عُتَقَاءُ يعتقهُم مِنَ النَّارِ، ويُنادي مُنادٍ كُلَّ ليلةٍ، هل مِن سائلٍ؟ هل مِن مُستَغْفِرٍ؟ اللهمَّ أَعطِ كُلَّ مُنفِقٍ خَلَفَاً وأَعطِ كُلَّ مُمسِكٍ تَلَفَاً حَتَّى إذا طلعَ هِلالُ شوَّالَ نُودي المؤمنينَ أَنِ اغْدُوا إِلى جوائزِكم فهُو يومُ الجائزةِ...".

   وفي خطبةٍ ثالثةٍ طويلةٍ جِدَّاً قال فيها ﴿ﷺ﴾: "أَيُّها النَّاسُ إِنَّهُ قد أَقبلَ إِليكم شهرُ ٱللَّهِ بالبركةِ والرَّحمةِ والمغفرةِ شهرٌ هُو عندَ ٱللهِ أَفضلُ الشُّهور،ِ وأَيَّامُهُ أَفضلُ الأَيَّامِ، ولياليهِ أَفضلُ الليالي، وساعاتُهُ أَفضلُ السَّاعاتِ، هُو شهرٌ دُعِيتم فيهِ إِلى ضيافةِ ٱللهِ وجُعِلتُم فيهِ مِن أَهلِ كرامةِ ٱلله، أَنفاسُكُم فيهِ تسبيحٌ، ونَومُكُم فيهِ عبادةٌ، وعملُكُم فيهِ مقبولٌ، ودعاؤُكُم فيهِ مُستجابٌ، فاسْأَلوا ٱللهَ ربَّكم بنيَّاتٍ صادقةٍ وقلوبٍ طاهرةٍ أَن يوفِّقَكم لِصِيامِهِ وتلاوةِ كتابهِ؛ فإِنَّ الشَّقِيَّ مَن حُرِمَ غُفرانَ ٱللَّهِ في هذا الشَّهرِ العظيمِ، واذْكُروا بجوعِكم وعطشِكم فيهِ جوعَ يومِ القيامةِ وعطشَه وتصدَّقوا على فقرائِكم ومساكينِكم ... وتُوبوا إِلى ٱللَّهِ مِن ذُنوبِكم وارفَعوا إِليهِ أَيديَكُم بالدُّعاءِ في أَوقاتِ صلواتِكم؛ فإِنَّها أَفضلُ السًّاعاتِ يَنظرُ ٱللَّهُ تعالى فيها بالرَّحمةِ إِلى عبادِهِ يُجيبُهُم إِذا ناجَوه ويلبِّيهُم إِذا نادَوه ويَستجيبُ لهم إِذا دعَوه أَيُّها النَّاسُ إِنَّ أَنفسَكم مرهونةٌ بأَعمالِكم ففكُّوها باستغفارِكم وظهورَكم ثقيلةٌ مِن أَوزارِكم فخفِّفوا عنها بطولِ سُجودِكم واعْلمَوا أَنًّ ٱللَّهَ تعالى ذكرُهُ، أَقسمَ بعزَّتِهِ أَن لا يُعذِّبَ المصلِّينَ والسَّاجِدينَ ولا يُروِّعُهم بالنَّارِ يومَ يقومُ النَّاسُ لِربِّ العالمينَ..." إِلى آخرِ الخطبةِ بطولِها فلتراجعْ ونسألُ ٱللهَ تعالى أَن يوفِّقَ جميعَ المؤمنينَ فيهِ لِلعملِ الصَّالحِ والتَّوبةِ النَّصُوحِ والقبولِ والعِتقِ مِنَ النِّيرانِ، ففِيها الفوزُ العظيمُ ولا تنسَونا مِن صَالحِ دعائِكم.

  وَدُمْتُم سَالِمِينَ.