بعض صفات خالق الكون غير مقبولة.

يَقُولُ الْمُلْحِدُونَ: إنَّ بَعْضَ الصِّفاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ لِخَالِقِ الْكَوْنِ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. فَأَحْيَانَاً تَرَى وَصْفًا لِلرَّبِّ فِي كِتَابِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجيلِ، وَكَأَنَّهُ يُحِبُّ إِرَاقَةَ الدِّمَاءِ، وَيَأْمُرُ بَعْضَ أنبيائهِ بِقَتْلِ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ!! وَحَتَّى لَوْ تَرَكْنَا مِثْلَ هَذِهِ الصِّفاتِ، وَنَظَرْنَا إِلَى مَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ الرَّبَّ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ شَيْءٍ بِمُجَرَّدِ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا مَعناهُ أَنَّ الرَّبَّ كَسُولٌ يُحَاوِلُ أَنْ يَخْلُقَ مايُريدُ بِأَقَلَّ مَا يُمكِنُ مِنَ الْجُهْدِ لِيَجْعَلَ الْكَوْنَ مَليئاً بِالْحَيَاةِ! وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ وَحَسْبَ تَعْبِيرِ بِيتِر آتكينز إِنَّ الإلَه يَبْدُو فِي كَثِيرٍ مِنْ صِفاتِهِ مُرَفّهاً لَيْسَ لَهُ إِرْتِبَاطَاتٌ، وَلَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ، وَعَاطِلٌ عَنِ الْعَمَلِ، أي أَنَّهُ زَائِدٌ عَنِ الْحَاجَةِ، وَعَدِيمُ الْفَائِدَةِ! وَمِنْ ثُمَّ يَقُولُ هَؤُلَاءِ: إِنَّ مِثْلَ هَذَا الْإلَهِ لَا شَيْءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

: اللجنة العلمية

الشّقُّ الْأَوَّلُ مِنَ السُّؤَالِ لَسْنَا مُطَالَبِينَ بِالْإِجَابَةِ عَلَيْهِ، وَلِيَبْحَثْ عَنْ مَنْ يُؤمِنُ بالتَّوراةِ والإنجيلِ بِوَصْفِهِمَا حَقَائِقَ مُطْلَقَةً، أَمَّا نَحْنُ فَلَا نُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ فِيهَا لِكَونِهَا مُجَرَّدَ قَصَصٍ تَمَّ تَأْلِيفُهَا وَنِسْبَتُهَا للهِ تَعَالَى( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيِهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيِهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ( 79 الْبَقَرَةَ).

وَطَرْحُ هَذَا السُّؤَالِ فِي الْوَسَطِ الْإِسْلَامِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَدَى تَبَعِيَّةِ الْإلْحَادِ فِي الْوَسَطِ الْعَرَبِيِّ وَالْإِسْلَامِيِّ لِمَّا يُثَارُ فِي أَوْسَاطِ الْإلْحَادِ الْغَرْبِيِّ.

أَمَّا قَوْلُهُ:( بِأَنَّ الرَّبَّ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ شَيْءٍ بِمُجَرَّدِ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا مَعناهُ أَنَّ الرَّبَّ كَسُولٌ يُحَاوِلُ أَنْ يَخْلُقُ مَا يُرِيدُ..) وَهُوَ قَوْلٌ يَدُلُّ عَلَى بَسَاطَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ فِي التَّفْكِيرِ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدَّليلَ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا إِذَا كَانَ أَوَّلَا: مُرْتَكِزَاً عَلَى مُقَدَّمَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ يُسَلِّمُ بِهَا الْخَصْمُ.

وَثَانِيَاً: لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ رَابِطٍ مَنْطِقِيٍّ بَيْنَ الْمُقَدَّمَاتِ وَالنَّتَائِجِ، وَيَبْدُو أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ رَصِّ الْكَلِمَاتِ خَلْفَ بَعْضِهَا يَكُونُ قَدْ أَنْتَجَ فِكْرًا، وَإِلَّا كَيْفَ قَفَزَ مِنَ الْقَوْلِ أَنَّ الرَّبَّ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الْقَوْلِ بِأنَّهُ كَسلَانٌ ؟؟ وَهُوَ إسْتِنْتَاجٌ أقْرَبُ لِلْفُكَاهَةِ السَّاخِرَةِ، الَّتِي تَقومُ أساساً عَلَى تَرْكِيبِ صُورَةٍ مُضْحِكَةٍ مِنْ أَشْيَاءَ غَيْرِ مُتَجَانِسَةٍ، فَمَنْ يَقُولُ مَثلاً بِأَنَّ فُلَاناً عِنْدَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَلَامِ ثُمَّ يَسْتَنْتِجُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَبْكَم، أَوْ أَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى الْحَرَكَةِ ثُمَّ يَسْتَنتِجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَشْلُولٌ وَعَاجِزٌ عَنِ الْحَرَكَةِ، يَكُونُ أقْرَبَ إِلَى الْهَزْلِ مِنْهُ إِلَى الْجِدِّ، فَمِنَ الْوَاضِحِ جِدَاً عَدَمُ وُجُودِ أَيَّ عِلاقةٍ بَيْنَ الْقُدْرَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ الْكَسَلِ.

وَهَبْ أَنَّنَا سَلَّمْنا بِهَذِهِ الْعِلاقةِ كَيْفَ يُمكنُ لَنَا أَنْ نُفَسِّرَ مَعنى الْكَسَلِ؟.

يَقُولُ هَذَا السَّاذَجُ (كَسُولٌ يُحَاوِلُ أَنْ يَخْلُقَ مَا يُرِيدُ بِأَقَلَّ مَا يُمكِنُ مِنَ الْجَهْدِ)، بِمَعنى أَنَّ الْكَسُولَ هُوَ الَّذِي يُنْجِزُ مَا عَلَيْهِ بِأَقَلّ مَجْهُودِ، وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلْكَسَلِ لَمْ يَسبِقْهُ إليهِ أحَدٌ مِنْ قَبْلُ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي يُنْجِزُ عَمَلَهُ كَسُولَاً فَمَاذَا نُسَمِّي مَنْ يَترُكِ عَمَلَهُ وَيَتَقَاعَسُ عَنْ إِنْجَازِهِ مِنَ الأساسِ؟!

أُمَّا الْقَوْلُ الَّذِي نَسَبَهُ لِبيتِر وِيلْيَام اتكينز الْمُلْحِدِ الْبرِيطَانِيّ مُحَاوِلَاً الْاِسْتِنَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوَّلَاً: لَا عِلاقَةَ لَهُ بِمَا أَورَدَهُ فِي مَوْضُوعِ الْقُدْرَةِ وَالْكَسَلِ فَقَدْ جَاءَ كَلَامُ بِيتِر كَجُمْلَةٍ إعْتِرَاضِيَّةٍ غَيْرِ مُنْسَجِمَةٍ مَعَ مَا قَبلَهَا مِنْ كَلَامٍ.

وَثَانِيَاً: قَوْلُ بِيتِر نَفْسُهُ قَوْلٌ مُتَهَافِتٌ وَمُخَادِعٌ يُرِيدُ أَنْ يَصِفَ اللهَ بِمَا يُحِبُّ هُوَ أَنْ يَصِفَهُ.

وَذَلِكَ:

أَوَلَاً: التَّرْفِيهُ مِنَ الصِّفاتِ الَّتِي لَهَا عِلاقةٌ بِالنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَاللهُ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ يَنْتَابُهُ الْكَلَلُ وَالْمَلَلُ وَالضَّجَرُ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى تَرْفِيهٍ، فَقَفْزُ بِيتِر مِنَ الْكَلَامِ عَنِ اللهِ إِلَى الْكَلَامِ عَنِ الْإِنْسَانِ فِيهِ خُدْعَةٌ مَكْشُوفَةٌ يُرِيدُ مِنْ خِلَالِهَا أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ، فِي حِينِ أَنَّ اللهَ الَّذِي نُؤمِنُ بِهِ وَنُدَافِعُ عَنْهُ لَهُ صِفاتُهُ الْخَاصَّةُ الَّتِي تَخْتَلِفُ عَنْ صِفاتِ الْمَخْلُوقِ، فَكَيْفَ يُحَاكِمُنَا بِمَا لَا نُؤْمِنُ بِهِ مِنْ صِفاتٍ للهِ تَعَالَى؟.

 ثَانِيًا: الْاِرْتِبَاطَاتُ الَّتِي اِعْتَبَرَهَا مَفْقُودَةً عِنْدَ اللهِ هِي أيضاً لَهَا عِلاقَةٌ بِالْجَانِبِ الْاِجْتِمَاعِيِّ، وبالتّالي يَكُونُ قَدْ حَوَّلَ مِحْوَرَ الْحَديثِ مَرَّةً أُخْرَى مِنَ الْكَلَامِ عَنِ اللهِ

الْوَاحِدِ الأحدِ الْمُتَفَرِّدِ، إِلَى الْكَلَامِ عَنِ الْإِنْسَانِ الَّذِي يَشْعُرُ بِالْوَحْدَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْاِسْتِمْرَارُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ دُونِ أَنْ يَكُونَ لَهُ اِرْتِبَاطَاتُ مَعَ آخَريْنَ.

ثَالِثَاً: قَولهُ إِنَّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ، قَوْلٌ حَقٌّ وَإِنْ كَانَ هُوَ يَظُنُّ أَنَّ عَدَمَ الشَّرِيكِ يُسَبِّبُ حَالَةً مِنَ الْعُزْلَةِ كَمَا هُوَ حَالُ الْإِنْسَانِ، إِلَّا أَنَّ اللهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ شَرِيكٌ لَما كَانَ إلَهاً، وَصَدَقَ اللهُ العَلّيُّ الْعَظِيمُ عِندَما قَالَ:( وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبيرًا)( 111 السَّرَّاءَ).

رَابِعًا: قَوْلُهُ عَاطِلٌ عَنِ الْعَمَلِ وَزَائِدٌ عَنِ الْحَاجَةِ، هُوَ أيضاً قَوْلٌ يَتَنَاسَبُ مَعَ الْإِنْسَانِ وَلَا يَتَنَاسَبُ مَعَ خَالِقِ الْإِنْسَانِ، وَيَبْدُو أَنَّ الْمُلْحِدَيْنِ يَكفرُونَ بِإلَهٍ نَحْنُ أَكْثَرُ كَفْرًا بِهِ مِنْهُمْ، فاللهُ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ عَنِ الْإِنْسَانِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نَعْتَرِفُ بِهِ، أَمَّا اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ التَّشْبِيهِ وَالَّذِي لَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ لَا يُمكِنُ إنكارُهَا ؛ لِأَنَّ إِنْكَارَ الْإِنْسَانِ لِوُجُودِهِ وَلِكُلِّ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ حَوْلِهِ أخَفُّ عَلَى الْعَقْلِ مِنْ إِنْكَارِ وُجُودِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى