هَلِ العِلْمَانِيَّةُ تَمْنَحُ مُمَيِّزَاتٍ خَاصَّةٍ لِلْأَدْيَانِ؟
يَقُوْلُ المُلْحِدُوْنَ: هُنَالِكَ إمْتِيَازَاتٌ يَتَمَتَّعُ بِهَا الدِّيْنُ فِي المُجْتَمَعَاتِ العِلْمَانِيَّةِ، وَمِنْ ثُمَّ يَتَسَاءَلُوْنَ: لِمَاذَا نُعْطِي إِعْتِبَارَاتٍ لِلدِّيْنِ، وَلَا نُعْطِي مِثْلَهَا لِأَشْيَاءَ أُخْرَى؟.
لَا وُجُوْدَ لِامْتِيَازَاتٍ خَاصَّةٍ بِالأَدْيَانِ فِي ظِلِّ الأَنْظِمَةِ العِلْمَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا العِلْمَانِيَّةُ فِي بَعْضِ مَعَانِيْهَا لَا تَتَدَخَّلُ فِي الشَّأْنِ الخَاصِّ لِلْأَفْرَادِ، مِمَّا يَفْتَحُ الطَّرِيْقَ أَمَامَ السُّلُوْكِيَّاتِ الفَرْدِيَّةِ بِمَا فِيْهَا التَّدَيُّنُ الشَّخْصِيُّ لِلْأَفْرَادِ، وَحِيْنَهَا لَا تَكُوْنُ العِلْمَانِيَّةُ قَدْ خَصَّتِ الأَدْيَانَ بِامْتِيَازٍ خَاصٍّ، وَإِنَّمَا النِّظَامُ القَائِمُ عَلَى الحُرِّيَاتِ الفَرْدِيَّةِ لَا يُمْكِنُهُ مُصَادَرَةُ التَّدَيُّنِ بِوَصْفِهِ حُرِّيَّةً شَخْصِيَّةً، كَمَا هُوَ الحَالُ فِي الحُرِّيَّاتِ الَّتِي يَتَسَامَحُ مَعَهَا النِّظَامُ العِلْمَانِيُّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلْقِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ مِثْلُ زَوَاجِ المِثْلِيَّةِ، أَمَّا التَّدَيُّنُ بِوَصْفِهِ عَمَلَاً سِيَاسِيَّاً وَإِجْتِمَاعِيَّاً غَيْرَ مَسْمُوْحٍ بِهِ فِي الأَنْظِمَةِ العِلْمَانِيَّةِ؛ بَلِ العِلْمَانِيَّةُ قَائِمَةٌ أَسَاسَاً عَلَى إِبْعَادِ الدِّيْنِ عَنِ الشَّأْنِ العَامِّ، فَالإِسْلَامُ السِّيَاسِيُّ لَيْسَ فَقَطْ غَيْرَ مَسْمُوْحٍ بِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ القَضَاءُ عَلَيْهِ، وَبَالتَّالِي لَا وُجُوْدَ لِمُمَيِّزَاتٍ خَاصَّةٍ لِلدِّيْنِ كَمَا يُحَاوِلُ دُعَاةُ العِلْمَانِيَّةِ التَّرْوِيْجَ لَهُ.
هَذَا مُضَافَاً إِلَى أَنَّ العِلْمَانِيَّةَ فِي بَعْضِ تَوْظِيْفَاتِهَا الدَّلَالِيَّةِ تَعْنِي (اللَّادِيْنِيَّ)، أَيْ مَا لَا صِلَةَ لَهُ بِالدِّيْنِ أَو مَا كَانَتْ عَلَاقَتُهُ بِالدِّيْنِ عَلَاقَةَ تَضَادٍّ، وَقَدْ يَتَجَلَّى هَذَا المَعْنَى فِي العِلْمَانِيَّةِ الصُّلْبَةِ أَو العِلْمَانِيَّةِ الفَرَنْسِيَّةِ، الَّتِي تَعْزِلُ الدِّيْنَ عَنِ المَشْهَدِ العَامِّ بِقَرَارٍ سِيَاسِيٍّ، كَمَا يَقُوْلُ أوليفييه روا فِي كِتَابِهِ الإِسْلَامُ وَالعِلْمَانِيَّةُ: (أَمَّا العِلْمَانِيَّةُ، فَإِنَّهَا صَرِيْحَةٌ: أنَّهَا قَرَارٌ سِيَاسِيٌ يُحَدَّدُ بِأسْلُوْبٍ سُلْطَوِيٍّ وَقَانُوْنِيٍّ مَكَانَ الدِّيْنِيِّ. تَنْشَأُ العِلْمَانِيَّةُ بِمَرْسُوْمٍ تُصْدِرُهُ الدَّوْلَةُ، الَّتِي تُنَظِّمُ المَجَالَ العَامَّ)(1) . وَالتَّبْرِيْرُ الفَلْسَفِيُّ لِمِثْلِ هَذِهِ السُّلْطَةِ الإِقْصَائِيَّةِ قَائِمٌ عَلَى كَوْنِ الأَدْيَانِ عَقْبَةً فِي طَرِيْقِ الحَدَاثَةِ، فَالقَوَانِيْنُ الفَرَنْسِيَّةُ الَّتِي تُلَاحِقُ حَتَّى الحُرِّيَّاتِ الشَّخْصِيَّةَ مِثْلُ (الحِجَابِ) بِوَصْفِهِ رَمْزَاً دِيْنِيَّاً، تُصَنِّفُ نَفْسَهَا بِشَكْلٍ أَوْ بِآَخَرٍ عَدُوَّاً لَدُوْدَاً لِلْأَدْيَانِ، وَحِيْنَهَا يُصْبِحُ مِنَ الطَّبِيْعِيِّ أَنْ يَتَوَلَّدَ مَوْقِفٌ سَلْبِيٌّ إِتِّجَاهَ العِلْمَانِيَّةِ لِكَوْنِهَا تُرَوِّجُ لِإِسْلَامٍ يَتَنَاسَبُ مَعْ رُؤْيَتِهَا العِلْمَانِيَّةِ (إِنَّ شِعَارَ الإِسْلَامِ عَلَى الطَّرِيْقَةِ الفَرَنْسِيَّةِ أَوِ الإِسْلَامِ الفَرَنْسِيِّ يَهْدِفُ صَرَاحَةً إِلَى تَفْضِيْلِ إِسْلَامٍ لِيْبِرَالِيٍّ، وَحَتَّى عِلْمَانِيٍّ، مَا يَعْنِي إِفْرَاغَ كُلِّ دِيْنٍ لَا مِنْ تَسَامِيْهِ بِالضَّرُوْرَةٍ بَلْ مِنْ مُقْتَضَاهِ المُطْلَقِ)(2)._________________
(1) الإسلامُ والعلمانية. أوليفييه روا. ترجمَةُ صالح الأشمر.دارُ السّاقي بيروت لبنان، الطبعَةُ الأولى، 2016م، ص 20.
(2) المصدَرُ السّابق. ص 51
اترك تعليق