هل يوجد دليلٌ على عصمة أهل البيت (ع) من القرآن الكريم ؟!
Abbas Flamerz: سلامٌ عليكم ورحمةُ الله وبركاته .. سمعتُ جماعةً من أهل السنة يقولون بان محمداً والَ محمدٍ غير معصومين! هل من الممكن إثبات عصمتهم بآيةٍ قرآنيةٍ؟ ولكم جزيل الشكر.
الاخ المحترم، عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } الأحزاب : 33.
فالرجس في هذه الآية الذنوب، كما في الكشّاف للزمخشري وغيره، وقد تصدّرت الآيةَ أداةُ الحصـر: " إنّما "، فأفادت أنّ إرادةَ اللهِ تعالى في أمرهم مقصـورةٌ على إذهاب الذنوب عنهم وتطهيرهم منها، وهذا هو كنهُ العصمة وحقيقتها، والّذي ذكرناه هنا عن الآية الكريمة، ذكره جماعةٌ من علماء أهل السُـنّة أيضاً.
فقد جاء في تفسير الطبري " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " في هذه الآية ما يدلّ على أنّه فهم منها عصمة أهلها، وكذلك نقل عن جماعةٍ من الأعلام أنّهم فهموا منها ذلك..
قال الطبري: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ }، يقول: إنّما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمّـد، ويطهّركم من الدنس الّذي يكون في أهل معاصي الله تطهيراً.
ثمّ قال: وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل... حدّثنا بشر، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سعيد بن قتادة، قوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }، فهم أهلُ بيتٍ طهّرهم الله من السـوء، وخصّـهم برحمةٍ منه...
وروى أيضاً عن ابن زيد قوله: الرجس ها هنا: الشيطان. [ تفسير الطبري 22 : 9]
وعن العلاّمة النبهاني في كتاب (الشرف المؤبّد) عند تناوله هذه الآية في أوّل الكتاب، وكذلك العلاّمة المقريزي في فضل آل البيت، في ما نقلاه عن ابن عطيّة الأندلسي ـ المتوفّى سنة 456 هـ ـ قوله في المحرّر الوجيز: والرجس اسمٌ يقع على الإثم والعذاب، وعلى النجاسات والنقائص، فأذهَبَ اللهُ جميعَ ذلك عن أهل البيت. انتهى [ فضل آل البيت: 33]
وعن النووي في شرحه صحيح مسلم: قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ }، قيل: هو الشكّ، وقيل: العذاب، وقيل: الإثم ; قال الأزهري: الرجس اسم لكلّ مستقذَّرٍ من عمل. انتهى [ صحيح مسلم بشرح النووي 15: 194]
وفسّـر الشيخ محـي الدين بن عربي لفظ الرجس بـ: كلّ ما يشين ; وإليك عبارته، قال - وقد ذكر النبيّ (ص) - قد طهّره الله وأهلَ بيتِهِ تطهيراً وأذْهَبَ عنهم الرجس، وهو: كلّ ما يشينهم ; فإنّ الرجس هو القذر عند العرب ـ هكذا حكى الفرّاء ـ . انتهى [ الباب 29 من الفتوحات المكية ]
فهذه الألفاظ والبيانات من أعلام أهل السنّة كلها تفيد معنى العصمة وإن لم يذكروها باللفظ .
يبقى الكلام في تشخيص أهل البيت عليهم السلام في الآية الكريمة .
نقول : لقد ورد بسندٍ صحيحٍ عند الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين تشخيصُهم، قال :
((حدثنا ابو بكر أحمد بن سلمان الفقيه، وأبو العباس محمد بن يعقوب قالا: حدثنا الحسن بن مكرم البزار، حدثنا عثمان بن عمر حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قالت: فأرسل رسول الله (ص) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: هؤلاء أهل بيتي)).
ثم قال الحاكم النيسابوري: ((هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاري ولم يخرجاه)).
وقال الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري. [ المستدرك على الصحيحين 3: 158]
وإذا رجعنا إلى علماءِ البلاغة وجدناهم يقولون إنّ تعريف الجزأين يفيد الحصر ، وهنا في هذا الحديث قد جاء الجزءان معرفة ، فقوله: (هؤلاء ) اسم إشارة وهو من المعارف ، وقوله : ( أهل بيتي ) مضاف ومضاف إليه من المعارف أيضا ، وبهذا يثبت أن المقصود من أهل البيت ساعة نزول الآية الكريمة هم هؤلاء الأشخاص دون غيرهم ، فلا يدخل فيهم أزواجه ولا أقرباؤه ، وبذلك يثبت المطلوب ، أمّا بقية المعصومين من أهل البيت ( عليهم السلام ) فيمكننا معرفتهم من خلال الجمع بين حديث الثقلين ( الكتاب والعترة ) و حديث ( الخلفاء من بعدي اثنا عشر ) ، في بيانٍ تعرَّضنا لذكره مراتٍ عديدة .
ودمتم سالمين
اترك تعليق