الفَرقُ بينَ النَّفسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ والنَّفسِ اللَّوَّامة.
حسن النّجار: مَركزُ الرَّصدِ العقائديّ السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, مَا الفَرقُ بينَ النَّفسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ وبينَ النَّفسِ اللَّوَّامَة؟ وَدُمتُم سالِمينَ.
الأخُ حسنٌ المُحترمُ، السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
جَاءَ فِي تفسيرِ "الأمثَلِ" لآيةِ اللهِ ناصِر مكارِم شِيرازيّ، مَا نَصُّهُ: (يُقَسِّمُ عُلماءُ النَّفسِ والأخلاقِ النَّفسَ "وهيَ الإحساساتُ والغَرائزُ والعواطِفُ الإنسانيَّةُ "إلى ثلاثَةِ مراحلَ، وقَدْ أشارَ إليهَا القُرآنُ المجيد:
المرحلةُ الأولى: "النَّفسُ الأمَّارةُ" وهيَ النَّفسُ الَّتِي تأمرُ الإنسانَ بالذَّنبِ وتجرُّهُ إلى كلِّ جانبٍ، ولِذَا سَمَّوهَا "أمَّارةً" وفِي هذهِ المرحلةِ لَا يكونُ العقلُ والإيمانُ قَدْ بَلغَا مرحلةً مِنَ القُدرةِ لِيَكبحَا جِماحَهَا، بَلْ فِي كثيرٍ منَ المواقعِ يَستسلمانِ للنَّفسِ الأمَّارةِ، وإذا تصارعَتِ النَّفسُ الأمَّارةُ معَ العقلِ فِي هذهِ المرحلةِ فإنَّهَا ستهزمُهُ وتطرحُهُ أرضَاً.
وهَذهِ المَرحلةُ هيَ الَّتِي أُشيرَ إليهَا فِي الآيةِ المُتقدِّمةِ، وجرَتْ عَلى لِسانِ امرأةِ العَزيزِ بمصرَ، وجَميعُ شَقاءِ الإنسانِ أساسُهُ النَّفسُ الأمَّارةُ بالسُّوء.
المَرحلةُ الثَّانيةُ: "النَّفسُ اللَّوَّامَةُ" وهيَ الَّتِي تَرتقِي بالإنسانِ بعدَ التَّعلُّمِ والتَّربيةِ والمُجاهدَةِ، وفِي هذهِ المَرحلةِ رُبَّمَا يُخطئُ الإنسانُ نتيجةَ طُغيانِ الغرائزِ، لكِنْ سُرعانَ مَا يَندَمُ وتَلومُهُ هذهِ النَّفسُ، ويُصمِّمُ عَلى تجاوزِ هَذا الخَطأِ والتَّعويضِ عَنهُ، ويَغسِلُ قَلبَهُ ورُوحَهُ بماءِ التَّوبةِ.
وبِعبارةٍ أُخرَى: فِي المواجهةِ بينَ النَّفسِ والعقلِ، قَدْ يَنتصرُ العقلُ أحيَانَاً وقَدْ تنتصرُ النَّفسُ، إلَّا أنَّ النَّتيجةَ والكفَّةَ الرَّاجحةَ هيَ للعقلِ والإيمانِ.
ومِنْ أجلِ الوصولِ إلى هذهِ المرحلةِ لَا بُدَّ منَ الجِهادِ الأكبرِ، والتَّمرينِ الكافِي، والتَّربيةِ فِي مدرسةِ الأُستاذِ، والاِستِلهامِ مِن كلامِ اللهِ وسُننِ الأنبياءِ والأئمَّةِ (عليهِمُ السَّلام).
وهَذهِ المَرحلةُ هيَ الَّتِي أقسمَ اللهُ بهَا فِي سُورةِ القِيامةِ قَسماً يَدلُّ عَلى عظمتِهَا ( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).
المَرحلةُ الثَّالثةُ: "النَّفسُ المُطمئنَّةُ" وهيَ المرحلةُ الَّتِي تُوصلُ الإنسانَ بَعدَ التَّصفيةِ والتَّهذيبِ الكاملِ إلَى أنْ يُسيطِرَ عَلى غرائزِهِ ويُروِّضَهَا فَلا تجدُ القدرةَ للمواجهةِ معَ العقلِ والإيمانِ، لأنَّ العقلَ والإيمانَ بلغَا درجةً منَ القوَّةِ بحيثُ لَا تَقفُ أمامهُمَا الغرائزُ الحيوانيَّةُ.
وهذهِ هيَ مرحلةُ الإطمئنانِ والسَّكينةِ . . . الإطمئنانُ الَّذي يَحكمُ المُحيطاتِ والبِحارَ حيثُ لا يظهرُ عليهَا الإنهزامُ أمامَ أشدِّ الأعاصيرِ.
وهذَا هُوَ مقامُ الأنبياءِ والأولياءِ وأتباعِهِمُ الصَّادقينَ، أولئِكَ الَّذينَ تَدارسُوا الإيمانَ والتَّقوى فِي مدرسةِ رِجالِ اللهِ، وهَذَّبُوا أنفسُهُم سِنينَاً طِوالاً، وواصَلُوا الجِهادَ الأكبرَ إلَى آخرِ مرحلةٍ.
وإليهِمْ وإلَى أمثالِهِم يُشيرُ القُرآنُ الكريمُ فِي سُورةِ الفَجرِ: (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي). إنتهى [الأمثلُ فِي تفسيرِ كِتابِ اللهِ المُنزَّلِ 7: 234].
ودُمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق