ظَاهرةُ التَّشكيكِ بالمَراجعِ والتَّقليدِ ظَاهرةٌ مَنشـؤها الجَهل لَا أكثَر. 

رياض حمزة الخيكاني: السَّلامُ عليكُم....كَمَا تَعلمونَ أنَّ هُناكَ ظَاهرَةٌ مُنتشِرَةٌ فِي هَذهِ الأيَّامِ لدَى بَعضِ الشَّبابِ وهِيَ التَّشكِيكُ بالمرَاجِعِ والتَّقليدِ بِصُورَةِ عامَّةٍ ويَدَّعُونَ أنَّهُ أمرٌ بَاطِلٌ وأنَّ الأحكامَ يَجِبُ أنْ تُؤخَذَ مِنَ الإمامِ المَعصُومِ ولَيسَ مِنْ بَشَرٍ مِثلِنَا (المَرَاجِع). وللأسفِ أُعانِي بالذَّاتِ مِنْ هِذِهِ المُشكلَةِ لكَونِ بعضِ أصدقائِي بدأوا يَميلُونَ لهذِهِ الفِكرَةِ، فطلبِي هُوَ: مَا هِيَ الكُتبُ الَّتِي أستطيعُ قراءتَهَا والَّتِي تُقوِّي حُجَّتِي فِي نِقاشِهِم؟ مَعَ فائقِ الودِّ والاِحترامِ.

: اللجنة العلمية

الأخُ رياضٌ المحترمُ، عليكمُ السَّلامُ ورَحمَةُ اللهِ وبركاتُه،

فِي البِدءْ يَنبَغِي عَلى هؤلَاءِ المُشكِّكينَ بالمراجعِ والتَّقليدِ أنْ يَعرفُوا أمرَاً مُهمَّاً وهُوَ أنَّهُ لا يَحقُّ لأيِّ إنسانٍ أنْ يَتصدَّى لاستنباطِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ بِمُجرَّدِ أنْ يَفهَمَ شَيئَاً مِنَ الرِّوايَةِ، بَلْ عليهِ أنْ يُحيطَ بِجُملَةٍ كَبيرَةٍ مِنَ العُلومِ حَتَّى يَصِلَ إلى درجَةِ الاِستنباطِ، فعليهِ مِنَ النَّاحيَةِ النَّظريَّةِ أنْ يَدرُسَ عُلومَ اللُّغَةِ العَربيَّةِ والمَنطِقِ والصَّرفِ والبَلاغَةِ والرِّجالِ وَالحَديثِ والأصُولِ والعقائِدِ والتَّفسيرِ وغَيرِهَا، فالمَسألَةُ لَيسَتْ بِهذِهِ السُّهولَةِ كَمَا يَتصوَّرُهَا البَعضُ، وأمَّا مِنَ النَّاحيَةِ التَّطبيقيَّةِ فالرِّوايَةُ الحُجَّةُ الَّتِي تَكونُ مَحلَّاً للاِستنباطِ هِيَ الرِّوايةُ المُعتبرةُ السَّندِ والَّتِي لَا تُخالِفُ القُرآنَ الكريمَ، ولا تُخالِفُ العَقلَ القَطعيَّ، ولا تُخالِفُ الحَقائِقَ العِلميَّةَ الثَّابتَةَ، ولا تُخالِفُ المُسلَّماتِ فِي الشَّريعةِ، ولا تُخالِفُ ثَوابِتَ المَذهَبِ، ولَا تَكونُ صَادرَةً للتقيَّةِ، ولا تَكونُ مُعارِضَةً لروايَةٍ أُخرَى مِنْ مَرويَّاتِنَا، وإذَا كانَ لهَا مُعارِضٌ هَلْ هُوَ مِنَ النَّوعِ المُستقِرِّ أو غَيرِ المُستقِرِّ؟ وإذَا كانَ مِنْ نَوعِ غَيرِ المُستقرِّ، هَلْ يُمكِنُ جَمعُهَا جَمعَاً عُرفيَّاً أو لَا؟ ، والمُستَقرُّ هَل تُوجدُ لهُ مُرجِّحَاتٌ فِي المَقامِ أو لَا؟ فهذِهِ المَراحِلُ كُلُّهَا عَلى الرِّوَايَةِ إجتيازُهَا حَتَّى تَكونَ حُجَّةً ويَأخُذَ بِهَا الفَقيهُ ويَستَنبِطَ الحُكمَ الشَّرعيَّ مِنهَا .

هذَا كُلُّهُ مِنَ النَّاحيَةِ الفَنيَّةِ لِمَنْ أرَادَ الأخذَ مِنَ المَعصومِينَ (عليهِمُ السَّلام) مُبَاشَرَةً .. أمَّا مِنَ ناحيةٍ عُقلائيَّةٍ، فالسِّيرةُ العقلائيَّةُ قائمَةٌ بالرُّجوعِ إلى أهلِ الخِبرَةِ والاِختصَاصِ، فقَدْ كانَ النَّاسُ يَرجِعُونَ إلى أهلِ الخِبرَةِ والاِختصَاصِ مِنْ أيَّامِ المَعصومينَ (عليهِمُ السَّلام)، بَلْ قَبلَ زَمانِهِمْ، وكَانَ هَذا الرُّجوعُ عَلى مَرأىً ومَسمَعٍ مِنهُمْ (عليهِمُ السَّلام)، ولَمْ يَثبُتْ صُدورُ رَدعٍ عَنهُمْ (عليهِمُ السَّلام) للنَّاسِ فِي الرُّجوعِ المَذكورِ، فتَثبُتُ حُجيَّةُ الرُّجوعِ إلَى الفُقهاءِ والمَراجِعِ لأنَّهُمْ أهلُ اِختصاصٍ فِي فَنِّهِمْ كأيِّ جِهَةٍ أُخرَى.  

معَ إشارَةٍ أُخرَى نَذكرُهَا هُنَا بأنَّ الأئمَّةَ (عليهِمُ السَّلام) أنفسَهُمْ أرجَعُوا شِيعَتَهُمْ إلَى جُملَةٍ كَبيرَةٍ مِنْ أصحابِهِمْ فِي أخذِ عُلومِ الدِّينِ عَنهُمْ، وقَدْ كَانُوا (عليهِمُ السَّلام) يُعلِّمُونَ أصحابَهُمْ كَيفيَّةَ الاِستنباطِ واِستخراجَ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِنْ أدلَّتِهَا التَّفصيليَّةِ. 

رَاجِعُوا مَقالَةَ: التَّقليدِ وأدلَّةَ وُجُوبِهِ، عَلى مَوقِعِنَا، فَفِيهَا التَّفصِيلُ لِكُلِّ مَا ذَكرنَاهُ هُنَا. 

ودُمتُم سَالِمِينَ.