كَذبوا عليكُم فنسبُوا التّجسيمَ إلى سلفكُم!
محمد احمد/: صفاتُ اللهِ تعالى على الحقيقةِ لا على المجازِ. أي أنَّ اللهَ يتّصفُ بسمعٍ وبصرٍ ورحمةٍ ويَدينِ ووجهٍ وساقٍ وقَدمٍ وأنَّهُ يضحكُ ويَنزلُ كلَّ ليلةٍ إلى السّماءِ الدّنيا وأنّهُ سبحانهُ بذاتهِ فوقَ عرشهِ كما أخبرَ. نؤمنُ ونصدّقُ بكلِّ صفةٍ وردَت في الكتابِ والسّنّةِ ولا نقولُ كيفَ. لأنَّ الكيفَ فِي حقِّ صفاتِ اللهِ مجهولٌ. ولا نعطّلُ صفاتِ اللهِ بلوازمَ عقليّةٍ باطلةٍ. ليسَ كمثلهِ شيءٌ وهوَ السّميعُ البصيرُ.
الأخُ محمّدٌ المحترمُ، السّلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتهُ
لقد دلّسَ الوهابيّةُ – ومِنْ قبلِهِم إبنُ تيميّةَ - على النّاسِ وخدعوهُم بِنسبةِ السّلفِ مِنَ الصّحابةِ والتّابعينَ وتابعيهِم والأئمّةِ الأربعةِ عندهُم وأتباعهِم وسائرِ المحدّثينَ إلى هذا القولِ المذكورِ في السّؤالِ آنفاً ولا يمكنُ إحسانُ الظّنِّ بهِم وبِمُنَظّرهِم وسلفهِم وشيخِ إسلامهِم إبنِ تيميّةَ المعروفِ بالكذبِ والتّدليسِ واِدّعاءِ إجماعاتٍ للسّلفِ بَل وللصّحابةِ ما أنزلَ اللهُ بهَا مِن سلطانٍ، وعلى أشياءَ لم تُبحَثْ فِي زمانهِم ولم يحرِّكُوا بنتَ شفةٍ فيهَا بَل ولم تخطُر على بالهِم.
وهؤلاءِ الوهابيّةُ وعمومُ السّلفيّةِ قَد أحسنُوا الظّنَّ بهذا الرّجلِ وقلّدوهُ تقليداً أعمى لم يتحقّقُوا مِن صحّةِ أقوالهِ واِدّعاءاتهِ وجَعلوا مِنهَا أصلاً موضوعيّاً فَضَلّوا وأضَلّوا.
حتّى قالَ إمامُ المُجسّمةِ الوهابيّةِ إبنُ عثيمينَ فِي فتاواه (5/ 142و 380):
"في نصوصِ الأسماءِ والصّفاتِ: هذهِ النّصوصُ مُعتَركٌ يتبيّنُ بهِ الفرقُ الشّاسعُ بينَ أهلِ السّنّةِ وأهلِ البدعةِ، فأهلُ السّنّةِ يثبتونَ النّصوصَ على حقيقتهَا وظاهرهَا اللّائقِ باللهِ مِن غيرِ تَحريفٍ ولا تَعطيلٍ، هذهِ الطّريقُ التي مَشى عليهَا أهلُ السّنّةِ والجماعةِ". أهـ
لذا فإنّنَا سنكتفِي هنَا باختصارِ القولِ في مسألةِ الصّفاتِ بمَا قالهُ بعضُ أعمدةِ السّلفيّةِ والوهابيّةِ مِنَ السّلفِ والعلماءِ - بخلافِ مَا ادّعاهُ إبنُ تيميّةَ وبيانُ كذبهِ وبطلانهِ حيثُ اِدّعى أنّهُم يُثبتونَ المَعنى للصّفاتِ على حقائِقهَا المُتعارَفةِ في اللّغةِ ويَنفونَ الكيفَ عنهَا فقط - مِن تفويضِ المَعانِي وليسَ الكيفَ كمَا ادّعَوا مَع تصريحِ إبنِ تيميّةَ بقولهِ فِي دَرءِ تعارضِ العقلِ والنّقلِ (1/ 180) فتبيّنَ أنَّ مذهبَ أهلِ التّفويضِ الذين يَزعمونَ أنّهُم متّبِعونَ للسّنّةِ والسّلفِ مِن شرِّ أقوالِ أهلِ البدعِ والإلحادِ.
فقد نقلَ إمامهُم وتلميذُ شيخِ إسلامهِم الذّهبيُّ في سِيَرِ أعلامِ النّبلاءِ (8/ 105): عَن مالكٍ -لا كما ينسبونَ مذهَبهُم التّجسيميَّ لهُ بمَا ينقلونهُ عنهُ مِن قولهِ: الإستواءُ معلومٌ- أنَّهُ قالَ فِي أحاديثِ الصّفاتِ: "أمُرُّهَا كمَا جاءَت بلا تفسيرٍ". وأعقبهُ الذّهبيُّ بقولهِ: وقولُنا فِي ذلكِ وبابهُ: الإقرارُ والإمرارُ وتفويضُ معناهُ إلى قائلهِ الصّادقِ المعصومِ. أهـ
وقالَ الذّهبيُّ في سيرِ أعلامهِ أيضاً (14/ 373): "مَن أقرَّ بذلكَ تصديقاً لكتابِ اللهِ ولأحاديثِ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ) وآمنَ بهِ مفوّضَاً معناهُ إلى اللهِ ورسولهِ ولم يخصَّ في التّأويلِ ولا عمّقَ فهوَ المسلِّمُ المُتّبعُ". أهـ
ونقلَ الحافظُ إبنُ حجرٍ العسقلانيِّ في فتحِ الباري (13/ 243) قولَ التّرمذيِّ فِي سُنَنِهِ: قالَ الأئمّةُ نؤمنُ بهذهِ الأحاديثِ مِن غيرِ تفسيرٍ منهمُ الثّوريُّ ومالكٌ وإبنُ عُيينةَ وإبنُ المباركِ. ثمَّ قالَ إبنُ حجرٍ:
وذهبَ أئمّةُ السّلفِ إلى الإنكفافِ عنِ التّأويلِ وإجراءِ الظّواهرِ على موارِدهَا وتفويضِ معانيهَا إلى اللهِ تعالى.
وقالَ إبنُ الجوزيِّ الحَنبليُّ فِي دفعِ شبهةِ التّشبيهِ ص111: "وكانَ الإمامُ أحمدُ يقولُ: أمِرّوا الأحاديثَ كمَا جاءَت، وعلى هذا كِبارُ أصحابهِ كإبراهيمَ الحربيِّ".
وقالَ العظيمُ آبادي السّلفي فِي عونِ المعبودِ (4/ 140): وأخرجَ البيهقيُّ مِن طريقِ بقيّةٍ قالَ: حدّثنَا الأوزاعي عنِ الزّهريّ ومكحولٍ قالا: امضُوا الأحاديثَ على
ما جاءَت.
واعلمْ أنَّ كلَّ مَن نقلَ أقوالَ عقيدةِ المسلمينَ فِي الصّفاتِ لم ينقلْ مذهبَ الوهابيّةِ وإبنِ تيميّةَ المزعومِ مِن إثباتِ المعاني الحقيقيّةِ للصّفاتِ ونكتفِي بذكرِ ما قالهُ ونقلهُ الإمامُ النّوويُّ فِي شرحهِ لصحيحِ مسلمٍ (3/19): "اِعلم أنَّ لأهلِ العلمِ في أحاديثِ الصّفاتِ وآياتِ الصّفاتِ قولَينِ: أحدهمَا وهوَ مذهبُ معظمِ السّلفِ أو كلّهِم أنّهُ لا يتكلّمُ في معناهَا بَل يقولونَ يجبُ علينَا أن نؤمنَ بهَا ونعتقدَ لهَا معنىً يليقُ بجلالِ اللهِ تعالى وعظمتهِ معَ اعتقادنَا الجازمِ أنَّ اللهَ تعالى ليسَ كمثلهِ شيءٌ وأنّهُ منزّهٌ عنِ التّجسّمِ والانتقالِ والتّحيّزِ في جهةٍ وعَن سائرِ صفاتِ المخلوقِ. وهذا القولُ هوَ مذهبُ جماعةٍ منَ المتكلّمينَ واختارهُ جماعةٌ مِن محقّقيهِم وهوَ أسلمُ والقولُ الثّانِي وهوَ مذهبُ مُعظمِ المتكلّمينَ أنّهَا تُتَأوّلُ على ما يليقُ بها على حسبِ مواقعهَا وإنّمَا يسوغُ تأويلُهَا لِمَنْ كانَ مِن أهلهِ بأن يكونَ عارفاً بلسانِ العربِ وقواعدِ الأصولِ والفروعِ ذا رياضةٍ في العلمِ". أهـ
وقالَ النّوويُّ أيضاً (16/ 166): "قالَ المازريُّ وقَد غلطَ إبنُ قتيبةَ في هذا الحديثِ فأجراهُ على ظاهرهِ وقالَ للهِ تعالى صورةٌ لا كالصّورِ وهذا الذي قالهُ ظاهرُ الفسادِ لأنَّ الصّورةَ تفيدُ التّركيبَ وكلُّ مركّبٍ مُحدَثٍ واللهُ تعالى ليسَ بمحدَثٍ فليسَ هوَ مركّبَاً فليسَ مصوّراً قالَ: وهذا كقَولةِ المجسّمةِ جسمٌ لا كالأجسامِ لمَّا رأوا أهلَ السّنّةِ يقولونَ الباري سبحانهُ وتعالى شيءٌ لا كالأشياءِ طردُوا الاِستعمالَ فقالوا: جسمٌ لا كالأجسامِ والفرقُ أنَّ لفظَ شيءٍ لا يفيدُ الحدوثَ ولا يتضمّنُ مَا يقتضيهِ وأمّا جسمٌ وصورةٌ فيتضمّنانِ التّأليفَ والتّركيبَ وذلكَ دليلُ الحدوثِ. قالَ: العجبُ مِن إبنِ قتيبةَ في قولهِ صورةٌ لا كالصّورِ معَ أنَّ ظاهرَ الحديثِ على رأيهِ يقتضِي خلقَ آدمَ على صورتهِ فالصّورتانِ على رأيهِ سواءٌ فإذا قالَ لا كالصّورِ تناقضَ قولهُ ويقالُ لهُ أيضاً: إن أردتَ بقولكَ صورةٌ لا كالصّورِ أنّهُ ليسَ بمؤلّفٍ ولا مركّبٍ فليسَ بصورةٍ حقيقيّةٍ وليسَتِ اللّفظةُ على ظاهِرهَا وحينئذٍ يكونُ موافقاً على افتقارهِ إلى التّأويلِ".
فيتّضحُ -أخي العزيز- أنَّ المشكلةَ فِي قولِكُم هذا هوَ مَا يقتضيهِ مِن لوازمَ فاسدةٍ أجمعتِ الأمّةُ على نَفيهَا عنِ اللهِ تعالى وتنزيههِ عزَّ وجلَّ عنهَا لأنّهَا مِن صفاتِ الحدوثِ والإمكانِ واللهُ تعالى منزَّهٌ عنهَا جلَّ جلالهُ واللهُ العالمُ.
ودمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق