لا تصحُّ خلافةُ أبي بكرٍ بأيِّ حالٍ منَ الأحوالِ
ابو اكثم/: السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، جميعُ المسلمينَ أجمَعوا على خلافةِ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ، هَل يوجدُ صحابيٌّ واحدٌ اعترضَ وطالبَ ببيعةِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ؟ أعطونِي صحابيّاً واحداً إعترضَ على بيعةِ أبي بكرٍ وقالَ أنا أبايعُ عليّاً لأنَّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ نصَّ عليهِ!
عليكمُ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ
لا يُمكنُ تصحيحُ خلافةِ أبي بكرٍ بأيّ دليلٍ شرعيٍّ مُتّفقٍ عليهِ بينَ المسلمينَ، فمِنْ حيثُ القرآنُ الكريمُ لا يوجدُ نصٌّ عليهَا جزماً، ومِن حيثُ السّنّةُ الشّريفةُ فقَد ذهبَ مشهورُ أهلِ السّنّةِ والجماعةِ بعدمِ وجودِ نصٍّ على أبي بكرٍ:
قالَ عبدُ القاهرِ البغداديّ فِي "الفرقُ بينَ الفِرَقِ" في معرضِ بيانهِ لعقائدِ أهلِ السّنّةِ: وقالوا: ليسَ منَ النّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ نصٌّ على إمامةِ واحدٍ بعينهِ، على خلافِ قولِ مَن زعمَ منَ الرّافضةِ أنّهُ نصَّ على إمامةِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ نصّاً مقطوعاً على صحّتهِ. [الفرقُ بينَ الفِرَقِ:349].
وقالَ أبو حامدٍ الغزّاليّ: ولم يكُنْ نصُّ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ على إمامٍ أصلاً، إذ لو كانَ لكانَ أولى بالظّهورِ مِن نصبهِ آحادَ الولاةِ والأمراءِ على الجنودِ فِي البلادِ، ولم يخفَ ذلكَ، فكيفَ خفيَ هذا؟ وإن ظهرَ فكيفَ إندرسَ حتّى لم يُنقَلْ إلينا؟ فلم يكُنْ أبو بكرٍ إماماً إلّا بالاختيارِ والبَيعةِ. [قواعدُ العقائدِ:226].
وقالَ الإيجيّ فِي "المواقفِ": المقصدُ الرّابعُ: في الإمامِ الحقِّ بعدَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، وهوَ عندنَا أبو بكرٍ، وعندَ الشّيعةِ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ. لنَا وجهانِ: الأوّلُ: أنَّ طريقهُ إمّا النّصُّ أو الإجماعُ. أمّا النّصُّ فلم يوجَد لِمَا سيأتِي. [المواقفُ:400].
وقالَ إبنُ كثيرٍ: إنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ لم ينصَّ على الخلافةِ عيناً لأحدٍ منَ النّاسِ، لا لأبي بكرٍ كمَا قَد زعمهُ طائفةٌ مِن أهلِ السّنّةِ، ولا لعليٍّ كمَا يقولهُ طائفةٌ منَ الرّافضةِ. [البدايةُ والنّهايةُ 5:219].
هذا مِن حيثُ النّصُّ، وقد تبيّنَ أنّهُ لا نصَّ على خلافةِ أبي بكرٍ، لا منَ الكتابِ ولا مِنَ السّنّةِ بشهادةِ علماءِ أهلِ السّنّةِ والجماعةِ أنفسهِم.
تقولُ: يصحِّحهَا إجماعُ الصّحابةِ عليهَا.
نقولُ: أيضاً لا يوجدُ إجماعٌ منَ الصّحابةِ على بيعةِ أبي بكرٍ، فقَد عارضَهَا جمعٌ منَ الصّحابةِ منذُ أوّلِ يومٍ لهَا، وهَا هيَ قائمةٌ بأسماءِ المعارضينَ لبيعةِ أبي بكرٍ كمَا ذكرتْهُم كتبُ أهلِ السّنّةِ:
1 - الإمامُ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ عليهِ السّلامُ: ذكرَ تخلّفَهُ عَن بيعةِ أبي بكرٍ: البُخاريّ ومسلمٌ فِي صحيحَيهمَا، عَن عائشةَ فِي حديثٍ قالتْ: وكانَ لعليٍّ منَ النّاسِ وجهٌ حياةَ فاطمةَ، فلمّا توفّيَتْ إستنكرَ عليٌّ وجوهَ النّاسِ، فالتمسَ مصالحةَ أبي بكرٍ ومبايعتَهُ، ولم يكُنْ يُبايعُ تلكَ الأشهر.
وذكرَ تخلّفهُ عليهِ السّلامُ أيضاً إبنُ حجرٍ فِي فتحِ الباري، ونقلهُ عنِ المازريّ. وكذا ذكرهُ إبنُ الأثيرِ في أُسدِ الغابةِ، وفِي الكاملِ في التّاريخِ، والحلبيّ في السّيرةِ الحلبيّةِ، وإبنُ قتيبةَ في الإمامةِ والسّياسةِ، والطّبريُّ فِي الرّياضِ النّضرةِ، واليعقوبيُّ فِي تاريخهِ، وأبو الفداءِ في المختصرِ في أخبارِ البشرِ.
2 - عامّةُ بنِي هاشمٍ: ذكرَ تخلّفَهُم إبنُ الأثيرِ في أُسْدِ الغابةِ، وفِي الكاملِ في التّاريخِ.
وقالَ المسعوديُّ فِي مروجِ الذّهبِ: ولم يبايعْهُ أحدٌ مِن بني هاشمٍ حتّى ماتَتْ فاطمةُ رضيَ اللهُ عنهَا. وكذا ذكرهُ الحلبيّ فِي السّيرةِ الحلبيّةِ.
وذكرَ اليعقوبيّ فِي تاريخهِ مِن بني هاشمٍ: العبّاسُ بنُ عبدُ المطّلبِ عمُّ النّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ، والفضلُ بنُ العبّاسِ. وذكرَ الطّبريُّ فِي الرّياضِ النّضرةِ العبّاسَ وبنيهِ.
3 - سعدُ بنُ عبادةَ الأنصاريّ زعيمُ الخزرجِ: ذكرَ تخلّفَهُ إبنُ الأثيرِ في أُسْدِ الغابةِ. وقالَ المسعوديُّ: وخرجَ سعدُ بنُ عبادةَ ولم يبايعْ، فصارَ إلى الشّامِ، فقُتِلَ هناكَ في سنةِ خمسَ عشرة. وكذا ذكرهُ إبنُ قتيبةَ فِي الإمامةِ والسّياسةِ، والطّبريُّ فِي الرّياضِ النّضرةِ.
4 - الزّبيرُ بنُ العوّامِ: ذكرَ تخلّفَهُ إبنُ الأثيرِ في أُسدِ الغابةِ، وفي الكاملِ في التّاريخِ، والحلبيُّ في السّيرةِ الحلبيّةِ، والطّبريُّ في الرّياضِ النّضرةِ، واليعقوبيّ وأبو الفداءِ في تاريخَيهمَا.
5 - خالدُ بنُ سعيدِ بنِ العاصِ الأمويّ: ذكرَ تخلّفَهُ إبنُ الأثيرِ في أُسْدِ الغابةِ، والمحبُّ الطّبريّ فِي الرّياضِ النّضرةِ، واليعقوبيّ وأبو الفداءِ في تاريخَيهمَا.
6 - طلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ: ذكرَ تخلّفَهُ إبنُ الأثيرِ في الكاملِ في التّاريخِ، والحلبيّ فِي السّيرةِ الحلبيّةِ، والطّبريّ فِي الرّياضِ النّضرةِ.
7 - المقدادُ بنُ الأسوَدِ: ذكرَ تخلّفَهُ: الحلبيُّ في السّيرةِ الحلبيّةِ، واليعقوبيّ فِي تاريخهِ، والطّبريّ فِي الرّياضِ النّضرةِ، واليعقوبيّ وأبو الفداءِ في تاريخَيهمَا.
8 - سلمانُ الفارسيّ: ذكرّ تخلّفَهُ اليعقوبيّ فِي تاريخهِ، والطّبريّ فِي الرّياضِ النّضرةِ، وأبو الفداءِ في تاريخهِ.
9 - أبو ذرٍّ الغفاريِّ: ذكرَ تخلّفَهُ اليعقوبيّ فِي تاريخهِ، والطّبريّ فِي الرّياضِ النّضرةِ، وأبو الفداءِ فِي تاريخهِ.
10 - عمارُ بنُ ياسرٍ: ذكرَ تخلّفَهُ اليعقوبيّ في تاريخهِ، والطّبريّ فِي الرّياضِ النّضرةِ، وأبو الفداءِ في تاريخهِ.
11 - البراءُ بنُ عازبٍ: ذكرَ تخلّفَهُ اليعقوبيّ وأبو الفداءِ في تاريخَيهمَا.
12 - أبَيُّ بنُ كعبٍ: ذكرَ تخلّفَهُ اليعقوبيّ وأبو الفداءِ في تاريخَيهمَا.
13 - عتبةُ بنُ أبي لهبٍ: ذكرَ تخلّفَهُ أبو الفداءِ في تاريخهِ، وقالَ: إنّهُ قالَ:
مَا كنتُ أحسبُ أنَّ الأمرَ مُنصرفٌ*عَن هاشمٍ ثمَّ منهُم عَن أبي حسنِ
عَن أوّلِ النّاسِ إيماناً وسابقةً*وأعلمِ النّاسِ بالقرآنِ والسُّننِ
وآخرِ النّاسِ عهداً بالنّبيّ ومَنْ*جبريلُ عونٌ لهُ في الغسلِ والكَفنِ
مَن فيهِ مَا فيهِم لا يمترونَ بهِ*وليسَ فِي القومِ مَا فيهِ منَ الحسنِ.
14 - أبو سفيانَ: ذكرَ تخلّفَهُ اليعقوبيُّ وأبو الفداءِ في تاريخَيهمَا.
وفي ذكرِ هؤلاءِ القومِ كفايةٌ فِي الدّلالةِ على عَدمِ تَحقّقِ إجماعِ الصّحابةِ على بيعةِ أبي بكرٍ. [راجِع المصادرَ كلّهَا في كتابِ: مسائلٌ خلافيّةٌ حارَ فيهَا أهلُ السّنّةِ، لفضيلةِ الشّيخِ عليّ آل محسن:48-51].
وقالَ إبنُ الأثيرِ فِي "أُسدِ الغابةِ": وكانَت بيعتُهُم - يعنِي مَن تخلّفُوا عَن بيعةِ أبي بكرٍ- بعدَ ستّةِ أشهرٍ على القولِ الصّحيحِ. [أسْدُ الغابةِ 3:220].
وهذهِ شهادةٌ مِن إبنِ الأثيرِ بأنَّ بيعةَ أبي بكرٍ لم يكُنْ مُجمَعاً عليهَا عندَ حصولهَا وأنَّ هُناكَ مَن تخلّفَ عنهَا ولم يبايعْ إلّا بعدَ ستّةِ أشهرٍ، فهذهِ البيعةُ كانَتْ باطلةً لمدّةِ ستّةِ أشهرٍ لعدمِ وجودِ إجماعٍ عليهَا، هذا على فَرضِ حصولِ إجماعٍ حقيقيٍّ عليهَا بعدَ ذلكَ وأنَّ هذا الإجماعَ حجّةٌ شرعيّةٌ تامّةٌ، والحالُ أنَّ بعضَ المتخلّفينَ عنِ البيعةِ منَ الصّحابةِ لم يُبايعوا حتّى ماتوا كسعدِ بنِ عبادةَ زعيمِ الخزرجِ الذي سارَ إلى الشّامِ وقُتلَ هُناكَ في ظروفٍ غامضةٍ حتَّى سُمِّيَ بقتيلِ الجنِّ. [راجِع: أُسْدُ الغابةِ 2: 284- 285].
فماذا بقيَ عندَ أهلِ السّنّةِ لتصحيحِ خلافةِ أبي بكرٍ بعدَ انعدامِ النّصّ والإجماعِ عليهَا؟
قالوا: نصحّحُهَا بقولِ أهلِ الحلِّ والعقدِ.
قالَ الإيجيّ فِي "المواقفِ": وإذا ثبتَ حصولُ الإمامةِ بالاختيارِ والبَيعةِ، فاعلمْ أنَّ ذلكَ لا يَفتقرُ إلى الإجماعِ، إذ لم يقُمْ عليهِ دليلٌ منَ العقلِ أو السّمعِ، بلِ الواحدُ والإثنانُ مِن أهلِ الحلِّ والعقدِ كافٍ، لِعلمِنَا أنَّ الصّحابةَ معَ صلابتهِم في الدّينِ اكتفَوا بذلكَ، كعقدِ عمرَ لأبي بكرٍ، وعقدِ عبدِ الرّحمنِ بنِ عوفٍ لعثمانَ، ولم يشترطُوا إجتماعَ مَن فِي المدينةِ فضلاً عَنِ اجتماعِ الأمّةِ. هذا ولم ينكِرْ عليهِ أحدٌ، وعليهِ انطوَتْ الأعصارُ إلى وقتِنَا هذا. [المواقفُ: 400].
وقالَ الجوينيّ المعروفُ بإمامِ الحرَمينِ: إعلموا أنّهُ لا يُشترطُ في عقدِ الإمامةِ الإجماعُ، بَل تَنعقدُ الإمامةُ وإنْ لَم تُجمِعِ الأمّةُ على عَقدهَا، والدّليلُ عليهِ أنَّ الإمامةَ لمَّا عُقِدَتْ لأبي بكرٍ إبتدرَ لإمضاءِ أحكامِ المُسلمينَ، ولم يتأنَّ لانتشارِ الأخبارِ إلى مَن نأى منَ الصّحابةِ فِي الأقطارِ، ولم يُنكرْ منكِرٌ.
فإذا لم يُشترَطِ الإجماعُ في عقدِ الإمامةِ لم يثبُتْ عددٌ معدودٌ ولا حدٌّ محدودٌ، فالوجهُ الحُكمُ بأنَّ الإمامةَ تنعقدُ بعقدِ واحدٍ مِن أهلِ الحلِّ والعقدِ. [الإرشادُ، ص 424 عَن كتابِ الإلهيّاتِ 2:523].
فالنّتيجةُ أنَّ خلافةَ أبي بكرٍ لا يوجدُ دليلٌ شرعيٌّ عليهَا لا مِن نصٍّ مِنَ الكتابِ ولا السّنّةِ الصّحيحةِ ولا إجماعِ الصّحابةِ، بَل هيَ اختيارُ أشخاصٍ مُعيّنينَ فقَط، وهذا الإختيارُ لا حجّةَ لهُ لعدمِ ثبوتِ عِصمتهِم ولا حُجيّةِ أفعالهِم ولا أقوالهِم.
قَد تقولُ: لم يُنكِرْ بقيّةُ الصّحابةِ على عمرَ وجماعةِ السّقيفةِ إختيارَهُم لأبي بكرٍ - كمَا وردَ في عبارةِ الأيجيّ والجوينيّ - وهذا يُعدُّ إجماعاً سكوتيّاً على هذهِ البيعةِ!
نقولُ: لقد ثبتَ فيمَا تقدّمَ إنكارُ جملةٍ كبيرةٍ منَ الصّحابةِ لهذهِ البيعةِ، وأنَّ بعضَهُم لم يبايعْ إلّا بعدَ ستّةِ أشهرٍ، وأنَّ بعضَهُم ماتَ ولم يبايِعْ مُطلقاً، فلا يوجدُ إجماعٌ على هذهِ البيعةِ بأيِّ حالٍ منَ الأحوالِ، ودعوى الإجماعِ السّكوتيِّ هذهِ مُختلَفٌ في حجيّتها على ثلاثةَ عشرَ قولاً عندَ أهلِ السّنّةِ وهوَ ليسَ بحجّةٍ عندَ أكثرهِم. [راجِع: إرشادُ الفحولِ - للشّوكانيّ -: 84].
ودُمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق