الشيعة لا تقول في الصحابة إلا ما قاله الله ورسوله (ص).
رؤى الدوسري/: ما ردكم على مقولة شيخ الاسلام: فُضِّلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى الرَّافِضَةِ بِخَصْلَتَيْنِ: سُئِلَتِ الْيَهُودُ مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ.؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُوسَى، وَسُئِلَتِ النَّصَارَى مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: حَوَارِيُّ عِيسَى ، وَسُئِلَتِ الرَّافِضَةُ: مَنْ شَرُّ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (من كتاب منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية)
السلام عليكم
هذا الكلام من ابن تيمية وأمثاله من المدلسين لا صحّة له ، فالشيعة لا تقول في الصحابة إلا ما قاله فيهم الله في كتابه الكريم وما ورد من الأحاديث الصحيحة المروية في كتب أهل السنة قبل الشيعة .
فموقف الشيعة من الصحابة هو أوسط الآراء وأعدلها في المسألة ، فلم تفرط فيهم إفراط المفرطين ، الذين قالوا بعدالتهم جميعا ، فمنحوا الجنّة بالمجان لكلّ صحابي رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومات مؤمنا به حتّى لو كان قاتلا وشاربا للخمر ومرتكبا للزنا ، كما لم يفرّطوا بحقّهم جميعا ويعتبرونهم كلهم كفّارا ضلاّلا كما ذهب إليه البعض الآخر ، بل قالوا يوجد في الصحابة عدول أكفاء حملوا عبء الرسالة مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) فجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ونالوا بذلك ما لم ينله غيرهم من العالمين ، كما يشهد لذلك قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : : «ولقد كنّا مع رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نقتل آباءنا وأبناءنا واخواننا وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً، ومضياً على اللقم وصبراً على مضض الألم، وجدّاً في جهاد العدوّ، ولقد كان الرجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان انفسهما أيّهما يسقي صاحبه كاس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا، ومرّة لعدوّنا منّا، فلمّا رأى اللّه صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت، وأنزل علينا النصر، حتّى استقرّ الإسلام ملقياً جرانه ومتبوّئاً أوطانه، ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا اخضرّ للإيمان عود» .[ نهج البلاغة 1: 105]
فهذا الصنف الصادق المجاهد من الصحابة نحترمه ونقدسه ونترضى عليه ليلا ونهارا ، وتوجد هناك أصناف من الصحابة تعرّض لها القرآن الكريم هي ليست بهذه المثابة .
كالمنافقين ، الذين ورد في حقّهم : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) [ التوبة : 101] ، فمثل هؤلاء المنافقين لا يمكن الترضي عليهم ، ولا يمكن القول بدخولهم الجنّة ، والآية الكريمة صريحة بعدم معرفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بهم ، فضلا عن معرفة المسلمين بهم ، وهذا العلم الإجمالي بوجود صحابة منافقين في الصحابة يمنع التمسك بأيّ عموم مدّعى لأيّ آية يستدل بها على عدالة الصحابة كلهم أجمعين ، كما يمنع منه العلم الإجمالي المستفاد من الحديث الوارد في صحيح مسلم : ( في أصحابي اثنا عشر منافقا فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في
سم الخياط ) [ صحيح مسلم 8 : 122].
ومن الصحابة نجد أهل الفتنة من المتثاقلين عن الجهاد والمرتابين والمثبطين للمؤمنين ، يقول تعالى : ( لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ( 44 )
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ( 45 )
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ( 46 )[ سورة التوبة ]
ومن الصحابة نجد قوما سماعين لأهل الفتنة ، المتقدّم ذكرهم ، يقول تعالى : ( َوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ( 47 )
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ( 48 )[ سورة التوبة ]
وفي الصحابة نجد الفاسقين ، الذين ثبت فسقهم بشهادة علماء أهل السنّة أنفسهم ، قال الشيخ التفتازاني،الذي هو من كبار علماء أهل السنة ومتكلميهم ، في "شرح المقاصد":
(وأمّا ما وقع بين الصحابة من المحاربة والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على السنة الثقات يدلّ بظاهره على أنَّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة والميل إلى اللذات والشهوات ؛إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النبي(صلى الله عليه وسلم) بالخير موسوماً). انتهى [ شرح المقاصد في علم الكلام 2: 306]
وجاء عن الشيخ ابن عثيمين في "شرح العقيدة الواسطية" في سياق حديثه عن الصحابة : ( ولا شكّ أنّه قد حصل من بعضهم سرقة وشرب خمر وقذف وزنى بإحصان وزنى بغير إحصان ). [ شرح العقيدة الواسطية 2: 292]
وقد قال تعالى في صريح قرآنه الكريم ، أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ( 18 )
أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 19 )
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ( 20 )[ سورة السجدة ] .
وفي الصحابة نجد المولين الأدبار والهاربين من مواجهة الكفار ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ( 15 )
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 16 )[ سورة الأنفال ]
جاء في تفسير الطبري : ( حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن أبي نضرة ، في قول الله عز وجل : ومن يولهم يومئذ دبره قال : ذاك يوم بدر ) [ تفسير الطبري ج9 ص 266]..
وهكذا نجد أصنافا أخرى متعددة من الصحابة أشار إليهم القرآن الكريم في آيات عديدة منه ، ومن هنا ينبغي للمنصف أن يعطي كلّ ذي حقّ حقه ، ولا يخلط الحابل بالنبل في موضوع الصحابة لأغراض سياسية أو مذهبية ، فالقرآن الكريم أولى بالإتباع في إعطاء كل ذي حقّ حقّه من الصحابة ، ولا توجد آية واحدة في القرآن الكريم صريحة في العفو المجاني عن الصحابة كلهم أجمعين ، وكلّ العمومات المدّعاة بعدالتهم والترضي عليهم تخصصها هذه الآيات المتقدّمة ، وهذا مبحث علمي يعرفه أقل الطلبة الذي درس كتابا واحدا في علم الأصول .
ودمتم سالمين
اترك تعليق