مترجم: من بيوت النمل الأبيض.. كيف تصمم مبنىً يبرد نفسه؟!

: ضرغام عبد الكريم الگيار

المحاكاة الحيوية: مبنى «الإيست جيت» إنموذجاً

اصدرت منظمة ناشيونال جيوغرافيك الأمريكية الشهيرة المتخصصة في الجغرافيا والعلوم الطبيعية والدعوة للحفاظ على البيئة والثقافة الإنسانية فيلماً قصيراً عما يعرف بالمحاكاة الحيوية Biomimicry وهو عملية تقليد التصاميم الطبيعية الموجودة في الكائنات التي صنعها الله والاستفادة من روعتها ودقتها في الابتكارات البشرية.

في زيمبابوي، يوجد مبنى فريد تم تصميمه لتبريد نفسه بدون نظام تكييف كبير. إنه لأمر مدهش كيف يمكن للهندسة المعمارية السليمة أن تجعل المبنى أكثر اقتصادية وأكثر راحة وأكثر مراعاة للبيئة. هذا المشروع بالذات مستوحى من تلال النمل الأبيض وأشكالها الطبيعية المدروسة جيدًا.

 

في عام 1991، واجه المهندس المعماري ميك بيرس مشكلة. قامت مجموعة استثمار في هراري (زيمبابوي) بتعيينه لتصميم أكبر مبنى للمكاتب والمحلات في البلاد. لكنهم لا يريدون أن يدفعوا ثمن مكيف الهواء باهظ الثمن، اللازم لتبريد مثل هذا المبنى الكبير. ترك ذلك بيرس في تحدٍ مستحيل على ما يبدو: كيف تصمم مبناً يبرد نفسه؟

هذا هو تل النمل الأبيض. يعيش الملايين من النمل الأبيض داخل هذه الهياكل، بعضها يمتد الى ارتفاعات مذهلة تصل الى 30 قدم. على الرغم من أن ناطحات السحاب هذه قد تبدو صلبة من الخارج، إلا أنها مغطاة بالفعل بثقوب صغيرة تسمح للهواء بالمرور بحرية. كرئة عملاقة يشهق الهيكل ويزفر مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها على مدار اليوم. ألهمت تهوية النمل الأبيض بيرس هذه على استخدام منهج يعرف باسم "التقليد الأحيائي"، وهو تقليد البراعة الموجودة في الطبيعة لحل المشكلات الإنسانية.

 

تعرف على مركز إيست جيت. المبنى مصنوع من ألواح خرسانية وطوب. تماماً مثل التربة الموجودة داخل تله النمل الأبيض، تحتوي هذه المواد على كتلة حرارية عالية، مما يعني أنها يمكن أن تمتص الكثير من الحرارة دون تغيير حقيقي في درجة الحرارة.

السطح الخارجي للمبنى شائك مثل الصبار. عن طريق زيادة مساحة السطح، يتم تحسين فقدان الحرارة في الليل، بينما يتم تقليل اكتساب الحرارة خلال النهار. داخل المبنى تقوم المراوح منخفضة الطاقة بسحب هواء الليل البارد من الخارج وتفريقه في الطوابق السبعة. كتل الخرسانة تمتص البرودة وتعزل المبنى مبردة بذلك الهواء المتداور. عندما يأتي الصباح وترتفع درجات الحرارة، يتم تفريغ الهواء الدافئ من خلال السقف ويتم إطلاقه بواسطة المداخن. 

بفضل هذا التصميم المبتكر تبقى درجات الحرارة في الداخل عند درجة حرارة مريحة تبلغ 82 درجة فهرنهايت خلال النهار و57 درجة فهرنهايت في الليل. ناهيك عن حقيقة إنه يستهلك طاقة أقل بنسبة تصل إلى 35% مما تستهلكه المباني المماثلة في زيمبابوي.

منذ افتتاحه في عام 1996، جعل نظام ميك بيرس للتحكم في المناخ الطبيعي بنسبة 90٪ من مركز إيست جيت مركزًا عالميًا للاستدامة. لذا، علينا أن نسأل أنفسنا، إذا كان المهندس المعماري يمكنه تصميم مبنى تبريد ذاتي مزود بنظام تحكم في المناخ مستوحى من النمل الأبيض، فما هي الابتكارات الأخرى التي يمكن أن نستلهمها الطبيعة الأم إذا ما أوليناها اهتمامًا أوثق.