هل معرفةُ الإمامِ الحُسينِ (عليهِ السّلامُ) بمقتلهِ تحتاجُ إلى وحيٍ او نبوّةٍ
الحسينُ ليسَ نبيّاً يُوحى إليهِ كما كانَ يُوحى إلى الأنبياءِ حتّى يعلمَ الغيبَ وأنّهُ سيُقتلُ في كربلاءَ ولَو كانَ يعلمُ فلِماذا صحِبَ معهُ نساءَهُ وأطفالهُ؟!.
السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ
أوّلاً: إنَّ معرفةَ الإمامِ الحسينِ (عليهِ السّلامُ) بمقتلهِ كانَتْ معلومةً لديهِ لا تحتاجُ إلى وحيٍ ولا نبوّةٍ، فأخبارُ مقتلهِ وما يَجري عليهِ كانَت مُتداولةً في البيتِ النّبويّ ومحفوظةً في صدورِ الصّحابةِ، بَل متواترةً كمَا ذكرَ ذلكَ ابنُ عساكرَ في كتابهِ (ترجمةُ الإمامِ الحُسينِ، ص 236), قالَ: «.. ما وردَ عنِ النّبيّ (ص) بنحوِ التّواترِ في إخبارهِ، عَن شهادةِ ريحانتهِ الإمامِ الحُسينِ بكربلاءَ، أو بأرضِ الطّفِّ، وبكائهِ عليهِ قبلَ وقوعِ الحادثةِ ..».
ثانياً: العِلمُ بالغَيبِ لا يَعني مُخالفةَ المحتومِ، فإِنّ هناكَ أُموراً محتومةً لا بُدَّ مِنْ وقوعِها، وهذا لا يَعني تقديرَ وُقوعِها على نَحوِ الجَبرِ، بل هي مِمَّا جَرى في عِلمِ ٱللهِ سبحانَهُ أَنَّها سَتَقَعُ حتماً؛ لِحُضورِ أَسبابِها ومُسبِّباتِها، والتَّكليفُ في دار الدُّنيا إِنَّما يَجري وفقَ قانونِ الأسبابِ والمسبّباتِ، وإِنَّ دَفْعَ الأَسبابِ بعدَ حضورِها ليسَ مَقدوراً لأَحدٍ لأنّه يَرتبِطُ بِمسألةِ القضاءِ والقدر, لذلكَ لم يَنْهَ النَّبِيّ (صلَّى ٱلله عليه وآلِهِ وسلَّم) وَلَدَهُ الحُسينَ (عليهِ السَّلامُ) عنِ الذَّهابِ إِلى كربلاءَ حتَّى لا يُقتَلَ فيها, ولم يمنعِ الإمامُ الحسينُ (عليهِ السّلامُ) نفسَهُ منَ الذّهابِ إليها، وعلمهُ (عليهِ السّلامُ) بذلكَ لا يقتضي مُخالفتهُ لهذا الأمرِ المحتومِ، لاسيما وأنّهُ (عليهِ السّلامُ) يعلمُ بأنّهُ سيُقتلُ وهوَ يُمارسُ وظيفتهُ الشّرعيّةَ في الأمرِ بالمعروفِ والنّهي عنِ المُنكرِ، كما لَم يمنَعْ نبيُّ اللهِ إبراهيمُ (عليهِ السّلامُ) نفسهُ مِنْ تحطيمِ أصنامِ النّمرودِ رُغمَ علمهِ بأنّهُ سيُقتلُ إنْ قامَ بتحطيمِهَا، فلَم يمنَعهُ ذلكَ العلمُ مِنْ أداءِ وظيفتهِ الشّرعيّةِ، ومَا كانَ علمهُ بمَا سيحلُّ بهِ مُبرّراً للتّخلّي عَن أداءِ واجبهِ.
ثالِثاً: أمّا عَن أخذهِ (عليهِ السّلامُ) للنّساءِ والأطفالِ معهُ وهوَ يعلمُ أنّهُ مقتولٌ ومُفارقٌ للدّنيا، فالوجهُ فيهِ، أنَّ عُتاةَ بني أميّةَ، وخاصّةً مُعاويةَ، قَد اُشربَ النّاسُ حُبّهُم، بحيثُ اِعتقدُوا أنّهُم على الحقِّ، وأنَّ عليّاً وأولادهُ (عليهمُ السّلامُ) وشيعتَهُم على الباطلِ، حتّى جَعلوا سبَّ عليٍّ (عليهِ السّلامُ) مِنْ أجزاءِ صلاةِ الجُمعةِ، وسُنّةً واردةً، وبلغَ الأمرُ في ذلكَ أنَّ بعضَ أتباعِهِم نسيهُ في صلاةِ الجمعةِ حينَ خِطبتهِ، وسافرَ وذكرَهُ وهوَ في البريّةِ، فقضاهُ في محلِّ تذكّرهِ، فبنوا هُناكَ مسجداً سمّوهُ مسجدَ الذّكرِ تأكيداً لِهذا الأمرِ، فلو كانَ الحُسينُ (عليهِ السّلامُ) يُبايعهُم تقيّةً ويُسلّمُ لهُم لمَا بقيَ منَ الحقِّ مِن أثرٍ، فإنَّ كثيراً منَ النّاسِ اِعتقدُوا أنّهُ لا مُخالفَ لهُم في جميعِ الأمّةِ وأنّهُم خُلفاءُ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) حقّاً، فبعدَ أنْ حاربَهُم الحُسينُ (عليهِ السّلامُ)، وصدرَ ما صدرَ إلى نفسِهِ وعيالِهِ، وأطفالهِ وحرَمِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) تنبّهَ النّاسُ لضلالتِهِم وأنّهُم سلاطينُ الجورِ حقّاً وصِدقاً، لا حُججَ اللهِ تعالى ولا خلفاءَ لحبيبهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ)، فظهرَ دينُ الحقِّ مِنْ جديدٍ بعدَ أنْ أخمدَهُ الأمويّونَ بجَورِهِم وكُفرهِم [انظُر: الخصائصَ الحُسينيّة، ص43و44].
ودُمتُم سالِمينَ.
اترك تعليق