هل علم الإحتمالات يوافق تطور الكائنات الحية؟ أي هل يكفي عمر الحياة على كوكب الأرض لحدوث سلسلة التطورات الخلية حتى أصبحت إنسان عاقل
المادّيّةُ التّطورّيّةُ التي تحاولُ أن تربطَ الحياةَ بسلسلةٍ منَ التّطوّراتِ التي حدثَت على الخليّةِ الواحدةِ، لابُدَّ لها أن تُؤمنَ بأنَّ هذهِ الخليّةَ قدِمَت منَ الغيبِ الذي تجهلُه، وبالتّالي ليسَ المُوحِّدُ وحدَه مَن يؤمنُ بالغيبِ وإنّما حتّى المُلحدُ التّطوّريّ يؤمنُ بالغيبِ أيضاً، والفرقُ بينَهما هوَ أنَّ التّوحيدَ موقفٌ إيجابيّ منَ الغيبِ بينَما الإلحادُ موقفٌ سلبيٌّ. والإنسانُ الذي جاءَ إلى الوجودِ منَ الغيبِ، وسوفَ يمضي حتماً إلى الغيبِ، لا بُدَّ أن تكونَ لهُ صلةٌ وثيقةٌ بذلكَ الغيبِ، وهذا ما يُميّزُ الإنسانَ المُؤمنَ باللهِ، الأمرُ الذي يعني أنَّ وجودَ الإنسانِ وإن كانَ وجوداً حسيّاً ومادياًّ إلّا أنّهُ وجودٌ حاضرٌ في الغيبِ دائِماً وأبداً، والإنسانُ الذي يلفّهُ الغيبُ مِن كُلِّ جانبٍ ويحيطُ بهِ مِن كُلِّ صوبٍ، لا يمكنُ الإنعزالُ عنهُ أو التّشكيكُ في شعورِه به. أمّا رؤيةُ الإلحادِ عنِ الإنسانِ تبدأُ منذُ أن كانَ خليّةً واحدةً في ماءٍ آسنٍ منذُ ملايينِ السّنين، ولا نعلمُ ولا يعلمونَ مِن أينَ أتَت هذهِ الخليّةُ وكيفَ حصلَت على الحياةِ؟ وأنَّ المادّةَ الميتةَ كيَف يُمكنُها أن تهبَ الحياةَ لغيرِها؟ كلُّ ذلكَ لا يهمُّ وإنّما المهمُّ عندَهم أنّها وُجِدَت والسّلام، ثمَّ تطوّرَت ومرَّت تلكَ الخليّةُ بمراحلَ مُختلفةٍ وتكاثرَت حتّى أصبحَت أساساً لكُلِّ أشكالِ الحياةِ على كوكبِ الأرضِ. أمّا تاريخُ الإنسانِ بحسبِ هذه النّظريّةِ فقَد بدأ بعدَ أن وصلَ التّطوّرُ إلى مرحلةِ الثّديّياتِ، والتي تُمثّلُ الجدَّ الأوسطَ للإنسان بعدَ مرحلةِ الخليّةِ الواحدةِ التي هيَ الجدُّ الأعلى للإنسانِ، ومِن بينِ تلكَ الثّديّياتِ إنفردَ تطوّرٌ آخرُ ليكونَ جدّاً حصريّاً للإنسانِ والقردِ معاً دونَ غيرِهم منَ الثّديّياتِ، ثُمَّ شقَّ كُلٌّ منَ الإنسانِ والقردِ طريقَهُ في التّطوّرِ حتّى أصبحَ هذا الإنسانُ الذي نعرفُه وذاكَ القردُ الذي ما زالَ قِرداً يعيشُ في الغابةِ. وكلُّ هذهِ العمليّةِ التّطوّريّةِ لا يحكمُها إلّا قانونٌ واحدٌ وهوَ قانونُ (إصطفاءِ الأصلحِ) أو (البقاءِ للأفضلِ)، وقَد نالَ هذا القانونُ شرحاً مُفصّلاً مِن عُلماءِ الأحياءِ فيما يخصُّ البيئةَ الطّبيعيّةَ للحياةِ وتأثيرَها في الكائناتِ، ثُمَّ عُدِّلَ هذا القانونُ في بعضِ أجزائِه مِن قبلِ أنصارِ الدّاروينيّةِ لكَي يتجاوزوا بهِ التّبايُنَ الكبيرَ بينَ بعضِ مراحلِ التّطوّرِ فأُضيفَ إليهِ قانونُ (التّحوّلاتِ المُفاجئةِ). وهكذا تحقّقَ التّطوّرُ ضمنَ عمليّةٍ ميكانيكيّةٍ مُعقّدةٍ، إلّا أنَّ المادّةَ لَم تكُن واعيةً لكُلِّ هذهِ الحركةِ التّطوّريّةِ، والأمرُ الذي تمَّ إهمالُه هوَ كيفَ إكتسبَت هذهِ المادّةُ هذا الوعيَ الذي نجدُه في مرحلةِ الإنسان؟ أمّا فيما يخصُّ إحتماليّةَ أن يحدُثَ تطوّرٌ في المادّةِ أو في الخليّةِ الحيّةِ بالشّكلِ الذي ينتجُ عنهَا كائنٌ حيٌّ فهيَ غيرُ منطقيّةٍ وغيرِ مُمكنةٍ البتّة، وقَد تعرّضَ لها الكثيرُ منَ العُلماءِ المُختصّينَ في نظريّةِ الإحتمالِ الرّياضيّ، فالإنتقاءُ الطّبيعيّ لا يستطيعُ إنتقاءَ كائنٍ إلّا إذا توفّر عندَه بروتينِ وظيفيّ جديد - على أساسِه تتمُّ عمليّةُ الإنتقاءِ والتّحوّلِ – ومن دونِ توفّرِ هذا البروتين لا يؤدّي الإنتقاءُ وظيفتَه، وقَد ذكرَتِ الدّراساتُ أنَّ الزّمنَ اللّازمَ لإنتاجِ بروتينٍ وظيفيّ واحدٍ فقَط (ليُمكِّنَ عمليّةَ الإنتقاءِ مِن أداءِ دورِها) يتطلّبُ وقتاً أكبرَ مِن عُمرِ الكونِ بأكملِه. يقولُ ويليام ستوكس: "لو أحضَرنا ملياراتِ الكواكبِ مثلَ كوكبِ الأرضِ وامتلأت كلُّ هذهِ الكواكبِ عَن آخرِها بالأحماضِ الأمينيّةِ وانتظَرنا عليها ملياراتِ السّنين فلَن نحصُلَ على بروتين واحدٍ". في حينِ أنَّ الخليّةَ الواحدةَ تحتوي على آلافِ البروتيناتِ المُختلفةِ، ويمتلكُ الجسمُ البشريّ ما يزيدُ عن 100 ألف بروتين مُختلف. أمّا روبرت شابيرو أستاذُ الكيمياءِ بجامعةِ نيويورك وأحدُ الخبراءِ في مجالِ الحمضِ النّوويّ. قامَ روبرت بحسابِ إحتمالِ التّكوّنِ الصّدفي لـ 2000 بروتين كالتي لخليّةٍ جرثوميّةٍ واحدةٍ، وهيَ مِن أبسطِ أشكالِ الحياةِ، فكانَت النّتيجةُ التي وصلَ إليها هيَ: 1 إلى 10 مرفوعًا إلى 40.000. أي 1 وبجانبه 40 ألفَ صفر. وذلكَ لإنشاءِ خليّةٍ جرثوميّةٍ واحدةٍ فقَط. - وقَد وضحَ بيرد خياليّةَ هذا الرّقمِ بالنّسبةِ لكونِنا كلّه (وليسَ فقَط للكُرةِ الأرضيّة) والتّفاعلاتُ الكيميائيّةُ والفيزيائيّةُ التي تُشيرُ إليها نظريّةُ التّطوّرِ لَو تمَّ قبولُها فهيَ محصورةٌ في المادّةِ، ولا يمكنُ أن تُعبّرَ عَن جانبِ الرّوحِ في الكائنِ الحَي، وتجاهلُ هذا الجانبِ والتّنكرُ لهُ لا يمنعُ مِن شعورِ الإنسانِ بهِ وتفاعلِه معَه.فمَن يؤمنُ بالرّوحِ لا ينفِي الجسدَ الذي يربطُه كإنسانٍ بعالمِ المادّةِ والطّبيعةِ، أمّا الذي يرفضُ الرّوحَ كيفَ يمكنُه أن يرتبطَ بعالمِ المعنَى والقيمِ وكُلِّ المُطلقاتِ؟ حيثُ لا وجودَ لأيّ صِلةٍ واضحةٍ بينَ المادّةِ العمياءِ الصّمّاءِ، وبينَ عالمِ العقلِ والمعاني، ففهمُ الحقائقِ والشّعورِ بالأشياءِ شُعوراً إدراكيّاً وقيميّاً مِن سنخِ عالمِ الرّوحِ وليسَ المادّة.
اترك تعليق