هل نشر الإسلام في الغرب فيه تعدي على الاخر؟

: طه /: الى ماذا تهدف عملية نشر الاسلام في الغرب؟ الا يدل هذا على ان اتباع الديانة الاسلامية تمارس اساليب اقحام المجتمع الغربي في صراع دامي، ثم اين لا أكره في الدين؟ حتى لو لم يكن اكراه في الظاهر، وان كان كذلك فاتركوا الناس هم من يقرروا اين الحق وهم من يبحث عنه، ولا تعرضوا تجارتكم الكاسدة هذه فأنها ما اتت على المجتمعات الا بالإرهاب والقتل تحت مسمى الدعوة الى الله.

: اللجنة العلمية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

يبدو أن هذا الكلام ينطلق من موقف مسبق وتصور غير صحيح للإسلام، كما أنه يتجاهل ما فعلته أوروبا بالبلاد الإسلامية من استعمار ومجازر ونهب للثروات، كل ذلك يجب أن يكون حاضراً في أي تقييم موضوعي لعلاقة الإسلام بالغرب، أما تصوير أوروبا بالشكل الملائكي واتهام الإسلام بالإرهاب ليس إلا نوع من المخادعة التي تتجاهل ما يحمله الإسلام من قيم وما تحمله أوربا من مطامع ورغبة في الهيمنة 

ومن المعلوم أن الإسلام دخل إلى أوروبا منذ سنة 670م وبخاصة السواحل الأوروبية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم توسع الحضور الإسلامي بسبب العثمانيين في دول البلقان ودول جنوب شرق أوروبا، ومؤخراً حدثت هجرات من البلاد الإسلامية حتى أصبح الإسلام واقعاً ملموساً في كل بلدان أوروبا. فهناك مراكز أبحاث عديدة اهتمت برصد الوجود الإسلامي في البلاد الغربية، فوفقًا لمركز الأرشيف الألماني يبلغ عدد المسلمين في أوروبا حوالي 53 مليون 5.2%، ووصل عددهم في دول الاتحاد الأوروبي حوالي 16 مليون 3.2%. وفي عام 2010م قام معهد بيو بعمل إحصائية كشف فيها عن بلوغ عدد المسلمين في كل أوروبا عدا تركيا، إلى 44 مليون نسمة، أي ما يُشكل حوالي 6% من إجمالي سكان أوروبا. وقد توقع هذا المركز ان تصل نسبة المسلمين في أوروبا إلى حوالي 8% عام 2030م وذلك بسبب انخفاض معدل المواليد بين الأوروبيين مقابل ارتفاع معدلات الانجاب أوساط المسلمين، وقد أشار معظم الدارسين بأن انتشار الإسلام في الغرب لا علاقة له بالدعوة والتبليغ حيث لا يشكل عدد الأوروبيين المتحولين للإسلام رقماً يعتد به. 

وقد كان لحضور الإسلام في الغرب آثار إيجابية وبخاصة في القرون الوسطى عندما كانت تعاني أوروبا من التخلف والانحطاط، وقد ساهموا في التأسيسات الأولى للحضارة الغربية المعاصرة، من خلال نقل الكثير من المجالات كالفن والعمارة والطب والصيدلة والزراعة والموسيقى واللغة والتكنولوجيا، وهناك دراسات متعددة ترصد مساهمة المسلمين في بناء الحضارة الغربية. 

ومن المفيد الإشارة إلى أن طبيعة التداخل الحضاري يفرز حراكاً ثقافياً ومنافسة فكرية، ومن هنا لا يمكن منع المسلمين من ممارسة دورهم في هذا الحراك، طالما يلتزم الجميع بشروط الحوار واحترام القوانين والأعراف الاجتماعية، والعجيب أن حركة التبشير المسيحي في البلدان الإسلامية أكثر تنظيماً حيث تقف خلفها هيئات ومنظمات كنسية، في حين أن التبشير الإسلامي يعتمد بشكل اكبر على بعض المجهودات الفردية والعفوية، وعليه فإن صراع الحضارات أو حوار الحضارات نتيجة حتمية لهذا التباين الديني والثقافي، بالتالي ليست المشكلة في ممارسة التبشير في الغرب وإنما المشكلة في بعض الجماعات المتطرفة التي تحمل تصوراً مشوهاً عن الإسلام، وقد ميزت الحكومات الغربية والمؤسسات العلمية المعتبرة بين الإسلام وبين الإرهاب، ومع ذلك يأتي البعض من واقع عقدة نفسية ليصبح ملكي أكثر من الملك.

أما وصفه للإسلام بكونه تجارة كاسدة يكشف عن مدى جهله بالإسلام، إذا كيف يكون الإسلام كذلك وهو الذي يهتم بالإنسان بوصفه كائن أراد الله أن يكون له قيمة وكرامة، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (70 الاسراء). كما أنه يدعو الإنسان على أن يكون إنساناً بعقله وإرادته وليس حيواناً بغريزته وشهواته وانانيته، فالذي يخشى الإسلام إنما يخشى على مطامعه ورغباته وشهواته.