قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين)، الا يتنافى مع العلم الحديث الذي يقول بان البكتريا لا تتكاثر جنسيا ؟
تنطلقُ هذهِ الشّبهةُ مِن تفسيرٍ خاطئٍ لمعنى (الزّوجيّةِ) حيثُ تتصوّرُ أنَّ الزّوجيّةَ محصورةٌ في الذّكرِ والأنثى، وهذا خلطٌ بينَ المعنى الذي يتبادرُ للذهنِ لكثرةِ الإستخدامِ، وبينَ المعنى الوضعيّ الذي تُمثّلُه الدّلالةُ الأصليّةُ للكلمةِ، فكلمةُ (زوج) تُستخدَمُ بكثرةٍ في الذّكرِ والأنثى ومعَ ذلكَ فهيَ ليسَت إلّا مِصداقاً للكلمةِ وهُناكَ مصاديقُ أخرى، فكُلُّ شيئينِ بينَهُما ضدّيّةٌ أو تماثلٌ يُسمّيانِ زوجاً، مثلَ القرينينِ كالخُفِّ والنّعالِ والجواربِ، ومِن هُنا فإنَّ الزّوجيّةَ موجودةٌ في كُلِّ شيءٍ في الوجودِ مِن إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ وذرّةٍ وخلايا وطاقةٍ وأحماضٍ وغيرِ ذلكَ، قالَ الرّاغبُ الأصفهانيّ في المُفرداتُ في غريبِ القُرآن: (لكُلِّ واحدٍ منَ القرينينِ منَ الذّكرِ والأنثى منَ الحيواناتِ المُتزاوجةِ زوجٌ، ولكُلِّ قرينينِ فيها وفي غيرِها زوجٌ، كالخُفِّ والنّعلِ، ولكُلِّ ما يقترنُ بآخرَ مُماثِلاً له أو مُضادّاً زوجٌ.. فالأشياءُ كُلّها مُركّبةٌ مِن جوهرٍ وعرضٍ، ومادّةٍ وصورةٍ، وإنَّ لا شيءَ يتعدّى مِن تركيبٍ يقتضي كونَهُ مصنوعاً، وإنّهُ لابُدَّ مِن صانعٍ، تنبيهاً إلى أنّهُ تعالى هوَ الفردُ. وقولُه تعالى: (مِن كلِّ شيءٍ خلقنا زوجين) فبيّنَ أنَّ كُلَّ ما في العالمِ زوجٌ مِن حيثُ أنَّ لهُ ضِداً، أو مثلاً ما، أو تركيباً ما، بَل لا ينفكُّ بوجهٍ منَ التّركيبِ، وإنّما ذكرَ هاهُنا (زوجينِ) تنبيهاً إلى أنَّ الشّيءَ وإن لَم يكُن لهُ ضدٌّ ولا مثلٌ فإنّهُ لا ينفكُّ مِن تركيبِ جوهرٍ وعرضٍ وذلكَ زوجان)
وقَد أكّدَت كلُّ معاجمِ اللّغةِ على هذا المعنى لكلمةِ الزّوجِ، كما في لسانِ العربِ (الزّوجُ الصّنفُ مِن كُلِّ شيءٍ، وفي التّنزيلِ (وأنبتَت مِن كُلِّ زوجٍ بهيج) قيلَ مِن كُلِّ لونٍ أو ضربٍ حسنٍ منَ النّبات) وعليهِ فإنَّ قصرَ الزّوجيّةِ على الذّكرِ والأنثى هوَ قصورٌ في فهمِ الآيةِ وفهمِ اللّغةِ معاً. وبالتّالي الآيةُ لا تتحدّثُ عنِ الزّوجيّةِ بمعنى التّكاثرِ وإنّما تتحدّثُ عنها بمعناها الأعمّ، فتنتفي الشُّبهةُ منَ الأساسِ.
وإذا اعتبرنا الآيةَ تتحدّثُ عنِ الزّوجيّةِ بمعنى التّكاثرِ، فإنَّ العلمَ الحديثَ أثبتَ أنَّ التّكاثرَ لا يتمُّ إلّا بنوعٍ منَ التّزاوجِ، حتّى الكائناتُ الحيّةُ الدّقيقةُ مثلَ الباكتيريا فقد ثبتَ أنَّ فيها خلايا موجبةً وخلايا سالبةً، ويحدثُ التّزاوجُ الجنسيّ بينَ الخليّتينِ بخروجِ أنبوبِ تزاوجٍ خيطيٍّ طويلٍ يوصلُ بينَ الخليّتين، وتقومُ الخليّةُ الموجبةُ بإفراغِ مُحتواها في الخليّةِ السّالبةِ. وكذلكَ الحالُ في الفطريّاتِ والجراثيمِ، فما كشفَهُ العلمُ مِن طُرقِ تكاثرِها أثبتَ كونَه جنسيّاً وما لَم يعرِفه إلى الآن لا يمكنُ اِفتراضُ أنّهُ غيرُ جنسيّ، أمّا الطّحالبُ فجميعُها تتكاثرُ تكاثُراً جنسيّاً كما هو معلومٌ عندَ أهلِ الإختصاصِ.
اترك تعليق