إذا كانت أحاديث المهدي المنتظر (عليه السلام) كلها صحيحة فلماذا خلا منها صحيحي البخاري ومسلم؟

: اللجنة العلمية

 

ويُجاب عليه إجمالاً، وتفصيلاً:

أما الجواب الإجمالي:

لقد وردت أحاديث حول المهدي المنتظر (عليه السلام) بلغت بمجموعها حدّ التواتر فضلاً عن صحتها متناً وسنداً، ولا تتوقف صحة الحديث على عدم وروده في الصحيحين، فهناك أحاديث صحيحة وليست في الصحيحين، وهنالك عشرات الكتب جمعت هذه الأحاديث، ولقد قال البخاري بنفسه أنه ترك العديد من الأحاديث الصحيحة وكذلك قال مسلم.

هذا فضلاً عن أنّ البخاري ومسلم قد رويا عشرات الأحاديث المجملة حول الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) فصّلها شراح الصحيحين.

وأمّا الجواب التفصيلي:

ويُجاب عليه بخطوتين:

الخطوة الأولى: 

إنّ البخاري ومسلم لم يشترطا جمع كلِّ صحيح في صحيحهما، وهي مسألة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ لرواجها بين أهل الفن من علماء الحديث.

فهما - البخاري ومسلم - لم يستوعبا في صحيحهما كل الأحاديث الصحيحة ولا التزما إخراج كل الصحاح، دلّ على ذلك قول كل واحد منهما، فالبخاري قال ما نصه: (ما أدخلت في كتابي (الجامع) إلا ما صحّ، وتركت من الصحاح لحال الطول)(1)، وقول مسلم: ( ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا - يعني في كتابه الصحيح –)(2)، وعلى اثر ذلك خرّج جمع من العلماء والحفّاظ أحاديث الصحيحين وأحاديث أخرى لم يُخرجاها صُنفت في كتب عديدة أشهرها:

1 - (المستدرك) للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه النيسابوري (ت 405 هـ).

2 - كتاب (المستدرك) على الصحيحين للحافظ أبي ذر عبد -بغير إضافة-ابن أحمد بن محمد بن عبد الله عفير الأنصاري الهروي (ت 434هـ)، وذكر الكتاني أنه كالمستخرج على كتاب الدارقطني في مجلد لطيف.

3 - كتاب (الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما)، لضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت 643هـ)، وهو مرتب على المسانيد على حروف المعجم وليس على الأبواب، ولم يكمل (3).

4 - المسند الصحيح لأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي النيسابوري الشافعي المتوفى (388ه).

5 - المسند المستخرج على مسلم، للحافظ أبي النعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى (430ه).

6 - الإلزامات والتتبع، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، المتوفى عام 385 هـ.

الخطوة الثانية:

 أحاديث مجملة حول المهدي المنتظر (عليه السلام) وردت في صحيحي البخاري ومسلم:

فمن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم)(4). 

وفي صحيح مسلم عن جابر أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة لهذه الأمة)(5). 

وهناك أحاديث أخرى صحيحة صححها علماء الحديث جاء فيها ذكر الإمام المهدي (عليه السلام) باسمه وبصفاته، منها:

1 - ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والبزار والطبراني، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (لا تذهب -أو لا تنقضي- الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي)(6). 

2 – ما روي عن أبي سعيد الخدري قوله: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (المهدي مني.. أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلا، كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين). رواه أبو داود (7)، والحاكم (8) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (9).

3 – ما روي عن أم سلمة، أنها قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة). رواه أبو داود (10) وابن ماجه وصححه الألباني (11). 

4 – ما روي عن عليٍّ (عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة). رواه أحمد (12) وصححه أحمد شاكر، ورواه ابن ماجه (13) وحسنه الألباني. 

5 – ما روي عن أبي سعيد قوله: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانيا، -يعني حججاً-). رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (14) والألباني (15). 

فهذه الأحاديث وغيرها كثير تفيد التواتر والعلم القطعي بكل ما يخص الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه).

الخلاصة:

اتضح مما تقدّم أنّ البخاري ومسلم رغم اقرارهما بعدم ذكر كل الصحاح في صحيحهما الا أنهما رويا أحاديثاً مجملة عن الإمام المهدي (عليه السلام) تعرّض لتفصيلها شراّح الصحيحين، وفضلاً عن ذلك فقد أُلفت العديد من كتب استدراك الأحاديث على الصحيحين التي لم تُخرَج فيهما رغم صحتها وقد ذكرنا بعضها لإتمام الحجّة..

ــــــــــــــــــــــ

1 - مقدمة ابن الصلاح، ص19.

2 - المصدر نفسه، ص20.

3 - ينظر: النكت على مقدمة ابن الصلاح (ج 1 / ص 197)، وتدْريب الرَّاوِي في شرْح تَقْريب النَّواوي (ج 1 / ص 56)، والباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: النوع الاول، والرسالة المستطرفة (ص 31فما بعدها)، ومؤلف الدكتور عبد الله مراد السلفي حول المستدرك.

4 - صحيح البخاري، ج4/ص168 , رقم الحديث: 3449. صحيح مسلم، ج1/ص136 , حديث رقم:155.

5 - صحيح مسلم، ج1/ص137 , رقم الحديث: 156.

6 - مسند احمد بن حنبل، ج6/ص45. سنن أبي داود، ج4/ص106. سنن الترمذي، ج4/ص75. مسند البزار، ج5/ص204. المعجم الكبير، ج10/ص134.

7 - سنن أبي داود، ج4/ص107.

8 - المستدرك على الصحيحين، ج4/ص600.

9 - صحيح الجامع الصغير، ج2/ص938.

10 - سنن أبي داود، ج4/ص107. 

11 - سنن ابن ماجة، ج2/ص1368.

12 - مسند احمد بن حنبل، ج1/ص444.

13 - سنن ابن ماجة، ج2/ص1367.

14 - المستدرك على الصحيحين، ج4/ص601.

15 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج2/ص328.