كيف نثبت عدالة اللّه ؟
السلام عليكم ورحمة الله
العدلُ هوَ تنزيهُ اللهِ تعالى مِن كُلِّ فعلٍ فاسدٍ أو قبيحٍ؛ لأنَّ العدلَ بطبعِه يعني صدورَ الفعلِ دائماً على وجهِ الصّوابِ بما يقتضيهِ العقلُ والحِكمةُ، فالعدلُ بما هوَ عدلٌ ومن دونِ أيّ اعتبارٍ آخرَ حسنٌ في ذاتِه، وهوَ بذلكَ رأسُ الفضائلِ التي تحكمُ الأفعالَ المُتعدّيّةَ إلى الغيرِ لا سيما في علاقةِ ربٍّ بمربوبينَ أو حاكمٍ بمحكومينَ، فإمّا أن يكونَ عادِلاً في علاقتِه أو ظالماً؛ ومِن هُنا كانَ إثباتُ العدلِ للهِ نفياً للظّلمِ عَن ساحتِه المُقدّسةِ؛ لأنَّ الظّلمَ منَ الصّفاتِ القبيحةِ التي لا يجوزُ نسبتُها للهِ تعالى، فالظّلمُ لا يصدرُ إلّا مِن ذي آفةٍ وحاجةٍ إضطرّتهُ الى فعلِه، أو أنّهُ صدرَ عنهُ لجهلٍ بهِ، واللهُ تعالى مُنزّهٌ عَن ذلكَ، قالَ تعالى: (وما اللهُ يريدُ ظُلماً للعبادِ)، وقالَ: (واللهُ لا يحبُّ الفسادَ).
ومِن هُنا حرصَ الشّيعةُ والمُعتزلةُ على جعلِ العدلِ مِن أصولِ الدّينِ؛ لأنَّ الدّينَ لا يستقيمُ لهُ معنىً ما لَم تكُن العلاقةُ بينَ الخالقِ والمخلوقِ قائمةً على العدلِ؛ فالإعتقادُ بالإلهِ العادلِ هوَ الذي يوجبُ الإيمانَ بكونِه رازقاً وحكيماً ورحيماً وغيرَ ذلكَ مِن صفاتِ الفعلِ، حيثُ لا يكونُ هناكَ معنىً لهذهِ الصّفاتِ ما لَم يتّصِف أوّلاً بالعدلِ، فإذا كانَ ظالِماً لا يكونُ رازِقاً، وإذا كانَ جائِراً لا يكونُ حكيماً، وإذا كانَ مُعتدياً لا يكونُ رحيماً، كما أنَّ عدمَ الإعتقادِ بعدلِ اللهِ يتنافى معَ فلسفةِ الأديانِ القائمةِ على تكليفِ العبادِ بالعملِ الصّالحِ، فلماذا يقومُ العبدُ بالعملِ الصّالحِ معَ إمكانيّةِ إدخالِ العاصي الجنّةَ والمُطيعِ إلى النّار؟
كما أنَّ صفةَ العدلِ هيَ الأساسُ في الإيمانِ بالنّبوّاتِ والرّسالاتِ والإمامةِ، فمِن عدلِ اللهِ أنّهُ أرسلَ الأنبياءَ وجعلَ لهُم أئمّةً وأوصياءَ حِرصاً منهُ على هدايةِ البشرِ، ولو كانَ ظالِماً لجازَ أن يتركَهُم يتخبّطونَ في جهلِهم وغيّهِم.
ولولا أنَّ اللهَ عادلٌ في فعلِه لما آمنَ الإنسانُ بيومِ الحسابِ والجزاءِ، أو لكانَ الإيمانُ بهِ أقربَ إلى العبثِ، إذ كيفَ يثقُ الإنسانُ في إلهٍ ظالمٍ لا يُجازي المُحسنَ على إحسانِه؟ وعليهِ فإنَّ إيمانَ الإنسانِ في عدلِ اللهِ واطمئنانِه بوعدِه الحقِّ هوَ الذي يجعلُه يثقُ في وجودِ اليومِ الذي يُعطى فيه كلُّ ذي حقٍّ حقّهُ.
معَ أنَّ قضيّةَ الإيمانِ بعدلِ اللهِ واضحةٌ ومنسجمةٌ معَ حُكمِ العقلِ والفطرةِ، ومعَ أنَّ رفضَها وعدمَ الإقرارِ بها يُؤدّي إلى الكثيرِ منَ اللّوازمِ الفاسدةِ في العقيدةِ والدّينِ، إلّا أنّنا نرى بعضَ المدارسِ الإسلاميّةِ تتنكّرُ عليها وترفضُها، والسّببُ في ذلكَ يعودُ إلى إنكارِهم للتّحسينِ والتّقبيحِ العقليّينِ، أي أنَّ الحسنَ والقبيحَ لا علاقةَ لهُ بطبيعةِ الأفعالِ وإنّما يدورُ مدارَ الأمرِ الإلهيّ، فإذا أمرَ اللهُ بالمؤمنِ إلى النّارِ والكافرِ إلى الجنّةِ يكونُ ذلكَ حسناً طالَما كانَ بأمرِ اللهِ، وهذا خلطٌ واضحٌ وجهلٌ أحمقُ، لأنَّ القُبحَ منَ اللّوازمِ الذّاتيّةِ للظّلمِ والحُسنَ منَ اللّوازمِ الذّاتيّةِ للعدلِ والأمرُ الإلهيُّ لا يُغيّرُ ماهيّةَ الأشياءِ، فلا يتحوّلُ القبيحُ إلى حسنٍ ولا الحسنُ إلى قبيحٍ، فمثلاً إذا كانَ الشّركُ باللهِ قبيحاً فهَل أمرُ اللهِ يُحوّلُه مِن شركٍ قبيحٍ إلى توحيدٍ حسن؟
سُئلَ الإمامُ عليّ (عليه السّلام) عنِ التّوحيدِ والعدلِ، فقالَ: (التَوحِيدُ أنْ لا تَتَوَهَّمَهُ والعَدلُ أنْ لا تَتَّهِمَهُ)( ) وقولُه (أنْ لا تتّهمَه) يعني أَنْ لا تتّهمَهُ في أنّهُ أَجبركَ على القبيحِ ويُعاقبُكَ عليه، ولا تتّهمَهُ في أَنَّه كلّفكَ ما لا تُطيقُه وغيرُ ذلكَ مِن مسائلِ العدلِ. روى ( الصّدوقُ ) عن الصّادقِ (عليه السّلام) أَنَّ رجلاً قالَ له: إِنَّ أساسَ الدّينِ التّوحيدُ والعدلُ، وعلمُهُ كثيرٌ، ولا بُدّ لعاقلٍ منهُ، فاذكُر ما يسهُلُ الوقوفُ عليه ويتهيّأ حفظُه. فقالَ عليه السّلام: «أَمّا التّوحِيدُ فَأَنْ لا تُجَوِّزَ عَلى رَبِّك ما جازَ عليكَ، وأَمّا العَدْلُ فَأَنْ لا تَنْسبَ إلى خَالِقِكَ ما لاَمَكَ عَلَيه» ( ). وقالَ عليٌّ عليه السّلام: «وأَشْهَدُ أنَّه عَدْلٌ عَدَل، وحَكَمٌ فَصَل» ( ). وقالَ عليهِ السّلام: «الذي صَدَقَ في ميعادِهِ، وارتَفَعَ عن ظُلمِ عبادِهِ، وقامَ بالقِسطِ في خَلقِهِ، وعَدَلَ عليهم في حُكْمِهِ» ( ). وقالَ صلواتُ اللهِ عليه: «الذي أعطى حِلمُهُ فَعَفَا، وعدَلَ في كل ما قَضَى» ( ). إلى غيرِ ذلكَ منَ المأثوراتِ عَن أَئمّةِ أَهلِ البيتِ (عليهم السّلام).
اترك تعليق