في موضوع " ما ملكت ايمانكم " شنو الفرق عن ما صنعته داعش مع الايزيديات ؟
السلام عليكم ورحمة الله
قضيّةُ الرّقِّ والإماءِ منَ القضايا الإجتماعيّةِ الخاضعةِ للعُرفِ وبناءِ العُقلاءِ، فالكثيرُ منَ الظّواهرِ الإجتماعيّةِ مقبولةٌ في مُجتمعٍ ومذمومةٌ في مُجتمعٍ آخر، أو إنّها مقبولةٌ في حقبةٍ تاريخيّةٍ ومرفوضةٌ في حقبٍ لاحقةٍ، بالتّالي التّباينُ الثّقافيُّ والتّاريخيُّ يتدخّلُ بشكلٍ مُباشرٍ في فهمِ وتقييمِ كثيرٍ منَ الظّواهرِ الإجتماعيّةِ، وقضيّةُ الرّقِّ قبلَ الإسلامِ كانَت منَ الظّواهرِ الضّاربةِ بجذورِها في المُجتمعِ، بحيثُ لا يفهمُ العرفُ المُجتمعيُّ في ذلكَ الوقتِ إمكانيّةَ وجودِ مُجتمعٍ من دونِ رقيقٍ، فلَو تخيّلنا أنَّ أحدَنا رجعَ بعقاربِ السّاعةِ إلى تلكَ الفترةِ التّاريخيّةِ وهوَ يحملُ لافتاتِ تحريرِ الرّقيقِ فإنّهُ سوفَ يصبحُ موضعَ سُخريةٍ منَ الجميعِ؛ وقَد لا يطولُ بهِ الوقتُ حتّى يسعى ليكونَ لهُ جاريةٌ كما هوَ حالُ الآخرينَ بحُكمِ غريزةِ التّوافقِ الإجتماعيّ، وعليهِ فإنَّ مُحاكمةَ العقلِ الإجتماعي المُعاصرِ للعقلِ الإجتماعي قبلَ 1400 عام مِحاكمةٌ غيرُ عقليّةٍ وغيرُ منطقيّةٍ، ومِن هُنا فإنَّ تغييرَ الظّواهرِ الإجتماعيّةِ المُتجذّرةِ في المُجتمعِ لا يكونُ إلّا عبرَ التّدرّجِ الزّمنيّ وضمنَ رؤيةٍ مدروسةٍ تستصحبُ البُعدَ النّفسيَّ للمُجتمعاتِ، فلو نظرنا إلى تحريمِ الخمرِ مثلاً لوجدنا أنّهُ إستغرقَ عشرينَ سنةَ تقريباً وبثلاثِ مراحلَ بعدَ السّكوتِ عنهُ لسنواتٍ، معَ أنَّ التّخلّيَ عنِ الخمرِ أقلُّ مؤنةً لكونهِ قراراً فرديّاً بخلافِ مُلكِ اليمينِ الذي يُمثّلُ ظاهرةً إجتماعيّةً تتشابكُ معَ أبعادٍ أُخرى في المُجتمعِ، فمُلكُ اليمينِ وظاهرةُ الرّقِّ كانَت تُمثّلُ عصبَ الحياةِ في ذلكَ المُجتمعِ في التّجارةِ والزّراعةِ والرّعي وفي المُحصّلةِ تُمثّلُ أساساً للحراكِ الإقتصاديّ آنذاك، ومِن هُنا فإنَّ تغييرَ النّمطِ الحياتيّ للمُجتمعِ يحتاجُ إلى تدرُّجٍ مِن نوعٍ خاص يستهدفُ البُنيةَ الثّقافيّةَ المُتحكّمةَ فيه، وهذا ما قامَ بهِ الإسلامُ حيثُ عملَ على تأسيسِ بُنيةٍ تحتيّةٍ لثقافةِ المُجتمعِ تُفضي في خاتمةِ المطافِ إلى تخلّيهِ عَن ظاهرةِ الرّقِّ بلِ النّفورِ منهُ، وهذا هوَ الفرقُ بينَ الإنسانِ الذي تُحرّكُه الشّعاراتُ وبينَ صاحبِ المشروعِ الجدّيّ لإصلاحِ المُجتمعاتِ، وما يثيرُ العجبَ هوَ مُطالبةُ البعضِ الإسلامَ أن يُحرّمَ مُلكَ اليمينِ في أوّلِ أيّامِه مِن خلالِ إصدارِ مرسومٍ يحظرُه، جهلاً منهُم بالطّبيعةِ المُعقّدةِ لتركيبِ المُجتمعاتِ وكيفيّةِ التّعاملِ معها، فعندَما أباحَ القرآنُ نكاحَ مُلكِ اليمينِ إنّما أباحَهُ بوصفِه نِكاحاً مشروعاً لدى المُجتمعاتِ البشريّةِ آنذاك، فأمضاهُ الإسلامُ بحدودِه المشروعةِ عندَهُم، أي في إطارِ ما يقبلِه البناءُ العُقلائيُّ آنذاك، ممّا لا يراهُ المُجتمَعُ الإنسانيُّ موردَ عيبٍ أو ضررٍ إجتماعيٍّ بنظرِهم، وبذلكَ لم يأتِ الإسلامُ بمُلكِ اليمينِ إلى الوجودِ، إنّما هوَ أمرٌ واقعٌ وموجودٌ قبلَ الإسلامِ، فلا تصحُّ نسبتُه للإسلامِ على أنّهُ المُؤسّسُ والمُوجِدُ لهُ. فعملَ الإسلامُ على تنظيمِ مُلكِ اليمينِ وجعلَ لهُ حدوداً وضوابطَ لاستدراكِ ما يمكنُ إستدراكُه مِن مظالمَ، فأوصى بالإحسانِ إليهِم وإطعامِهم ممَّا يطعمُ منهُ عيالَه وعدَّهُم مِن أهلِ بيتِه وجُزءاً مِن عائلتِه فساوى بينَ السّيّدِ والعبدِ وحرّمَ ضربَه أو الإضرارَ به أو إهانتَه وجوّزَ تزويجَه وضمنَ حُرّيّةَ فكرِه وعقيدتِه بعدَ أن كانَ مُحتقراً ذليلاً لا قيمةَ له. ولذلكَ قالَ الكُفّارُ منَ السّادة: (إنَّ مُحمّداً قَد أفسدَ علينا عبيدَنا وساوى بينَنا وبينَهم).
ولو سارَ الإسلامُ بالمسارِ الذي أرادَهُ اللهُ وعادَ الأمرُ إلى ولاةِ الأمرِ الذينَ أمرَنا اللهُ بطاعتِهم لانتهَت هذهِ الظّاهرةُ في فترةٍ وجيزةٍ، إلّا أنَّ الأمرَ قد إنحرفَ عَن مسارِه الطّبيعيّ وتسيّدَ على الأمّةِ خُلفاءُ حكمُوا العالمَ الإسلاميّ تسعةَ قرونٍ فتحوا فيها البُلدانَ وجلبوا مِنها الجواري، فكثّروا بذلكَ ظاهرةَ الرّقِّ ومُلكَ اليمينِ، وقد بدأ عددُ السّبايا يزدادُ بينَ المُسلمينَ بوتيرةٍ مُتصاعدةٍ كُلّما إتّسَعت هذهِ الفتوحاتُ، وكانَ أوّلُ سبيٍ يصلُ إلى المدينةِ في خلافةِ أبي بكرٍ أرسلَهُ خالدٌ بنُ الوليدِ كما ينقلُ البلاذريّ، ثمَّ بعثَ معاويةُ في عهدِ عُمر بنِ الخطّابِ إلى المدينةِ سبايا قيسارية وكانوا أربعةَ ألافٍ، أمّا سبيُ (صنهاجة) في أفريقيا ومَن كانَ معَها منَ البربرِ لمّا فتحَها موسى بنُ نصيرٍ بلغَ مائةَ ألفِ رأسٍ، وفي فتحِ (سجوما) بلغَ سبيُهم مائتي ألفِ رأس. وهكذا إضطردَ عددُ الجواري وازدادَ بصورةٍ لافتةٍ في العصرِ الأمويّ والعباسيّ حتّى أصبحَ لهُم أسواقٌ خاصّةٌ، وكانَ معاويةُ يأتي بالجواري فيوزعهنَّ على المُقرّبينَ إليه، ويعهدُ لبعضهنَّ بالوقوفِ مِن ورائِه ليدفعنَ عنهُ الذّبابَ، وليروحنَ لهُ بالمراوحِ، أو ليأتينَهُ بما يحتاجُ إليهِ مِن شرابٍ، وما قامَت بهِ داعشُ هوَ محاكاةٌ لفعلِ الخُلفاءِ ومحاولةٌ لإعادةِ تلكَ الفترةِ التّاريخيّةِ للحاضرِ، فشرعيّةُ داعش مُكتسبَةٌ مِن فعلِ الخُلفاءِ وليسَ منَ الإسلامِ، ولِذا سمَّت نفسَها دولةَ الخلافةِ تيمُّناً بسلفِهم مِن بني أميّةَ وبني العبّاسِ.
اترك تعليق