هل ان "ابن الزنا" لا يدخل الجنة وان ادى العبادات ؟!

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : هناك رواياتٌ من طرق أهل السنّة والشيعة الإماميّة تبيّن أنّ الجنّة هي لمن طابت ولادته, وفي مقابل ذلك وردت روايات تشير إلى أنّ ولد الزنا لا يدخل الجنّة, وبعض أهل السنّة كابن الجوزيّ وعليّ القارئ وغيرهما قد ذهبوا إلى أنّ مثل هذه الأحاديث لا أصل لها أو أنّها تعارض قوله تعالى (ولا تزرُ وازرة وزر أخرى).  ولكنْ ردَّ عليهم غير واحد من علماء المسلميّن بأنّ هذه الأحاديث بعضها صحيح وبعضها حسن, ولهم توجيهٌ لمثل هذه الروايات سنعرّج عليه بعد أنْ نورد بعض هذه الروايات في هذا الصّدد: 

ففي كتاب المسند لأحمد بن حنبل (ج2/ص203) قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا يدخل الجنّة ولد زانية. وهو حديث حسن صحيح, وقد حسّنه الألبانيّ وبيّن طرقه وعلّق عليها كما في السلسلة الصحيحة (673).

 وفي كتاب المحاسن بإسناده عن سدير قال : قال أبو جعفر عليه السلام : من طهرت ولادته دخل الجنة . وأيضاً بإسناده عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خلق الله الجنة طاهرة مطهّرة لا يدخلها إلّا من طابت ولادته. 

وبإسناده عن أيّوب بن حر، عن أبي بكر قال : كنّا عنده [أي عند أبي عبد الله (ع)] ومعنا عبد الله بن عجلان ، فقال عبد الله بن عجلان:  معنا رجل يعرف ما نعرف ويقال : إنه ولد زنا ، فقال : ما تقول ؟ فقلت : إنّ ذلك ليقال له ; فقال إن كان ذلك كذلك بني له بيت في النار من صدر ، يردُّ عنه وهج جهنّم ويؤتى برزقه.وأيضاً بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ نوحاً حمل في السفينة الكلب والخنزير ، ولم يحمل فيها ولد الزنا ، وإنّ الناصب شرٌّ من ولد الزنا.(ينظر بحار الأنوار للمجلسيّ ج5/ص288-290).

الأقوال في تأويل هذه الأخبار:

قال السيوطيّ في اللآلئ المصنوعة (ج2/ص194):قال الرافعيّ في تاريخ قزوين: رأيت بخط الإمام أبي الخير أحمد بن إسماعيل الطالقانيّ: سألني بعض الفقهاء في المدرسة النظّاميّة ببغداد في جمادى الاُولى سنة 576 عمّا ورد في الخبر أنّ ولد الزنا لا يدخل الجنّة، وهناك جمعٌ من الفقهاء، فقال بعضهم: هذا لا يصحّ ( ولا تزرُ وازرة وزر اُخرى ) وذكر أنّ بعضهم قال في معناه: إنّه إذا عمل عمل أصليه وارتكب الفاحشة لا يدخل الجنّة، وزُيّف ذلك بأنّ ذلك لا يختصّ بولد الزنا بل حال ولد الرشيدة مثله.

ثمّ فتح الله علَيّ جواباً شافياً لا أدري هل سبقت إليه، فقلت: معناه أنّه لا يدخل الجنّة بعمل أصليه، بخلاف ولد الرشيدة، فإنّه إذا مات طفلاً وأبواه مؤمنان اُلحق بهما وبلغ درجتهما بصلاحهما، على ما قال تعالى: ( والذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّاتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرّيّاتهم ), وولد الزنا لا يدخل الجنّة بعمل أبويه. أمّا الزاني فنسبه منقطع، وأمّا الزانية فشؤم زناها ـ وإنْ صلحت ـ يمنع من وصول بركة صلاحها. 

وقال الطّحاويّ في شرح مشكل الآثار (ج2/ص371): فَكَانَ مَا فِي هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ أُرِيدَ بِهِ مَن تَحَقَّقَ بِالزِّنَى حَتَّى صَارَ غَالِبًا عَلَيْهِ، فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ أَن يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ، فَيُقَالَ: هُوَ ابْنٌ لَهُ كَمَا يُنْسَبُ الْمُتَحَقِّقُونَ بِالدُّنْيَا إلَيْهَا , فَيُقَالُ لَهُم بَنُو الدُّنْيَا؛ لِعِلْمِهِم لَهَا وَتَحَقُّقِهِم بِهَا وَتَرْكِهِم مَا سِوَاهَا، وَكَمَا قَد قِيلَ لِلْمُتَحَقِّقِ بالحَذَرِ: ابْنُ أَحْذَارٍ وَلِلمُتَحَقِّقِ بالكَلَامِ: ابْنُ الأَقْوَالِ، وَكَمَا قِيلَ للمُسَافِرِ: ابْنُ سَبِيلٍ، وَكَمَا قِيلَ للمَقطُوعِينَ عَن أَمْوَالِهِم لِبُعْدِ المَسَافَةِ بَيْنَهُم وَبَيْنَهَا: أَبْنَاءُ السَّبِيلِ.وقال الألبانيّ في السلسلة الصحيحة (ج2/ص278), رقم الحديث (672), عند تعليقه على الزيادة التي وردت من قول أحد رواة الحديث, وهو سفيان, إذ قال عقب الحديث: (إذا عمل بعمل أبويه).قال الألبانيّ: وهذا التفسير، وإن لم يثبت رفعه، فالأخذ به لا مناص منه، كي لا يتعارض الحديث مع النصوص القاطعة في الكتاب والسنة أنّ الإنسان لا يؤاخذ بجرم غيره. 

وذهب بعض علمائنا إلى أنّ الروايات في هذا المعنى محمولة على الغالب، أي أنّ الغالب في أولاد الزنا نزوعهم بحسب المقتضي إلى الفساد فلا يدخلون الجنة، أمّا من كان منهم مؤمناً وعمل صالحاً فإنّه كغيره يُثاب على ذلك من الله سبحانه وتعالى وله الجنة إن شاء الله تعالى، فقد روى الكلينيّ (رضوان الله عليه) بسنده عن ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) قال: إنّ ولد الزنا يُستعمل، إن عمل خيراً جُزِيَ به، وإن عمل شراً جُزِيَ به“. (الكافي ج8 ص238).

نعم، هناك جملة من التساؤلات عمّا ورد عن بعض الأحكام أو التعليلات المتعلّقة بابن الزنا ، كالقول إنّه يحنُّ إلى الحرام ، وهذه المسألة يمكننا أن نفهمها فهماً علميّاً من خلال فهمنا وإدراكنا لطبيعة النظام والقوانين السائدة في هذه الحياة الدنيا. فانتم تعلمون أنّ المولى سبحانه وتعالى قد خلق الدنيا وأقامها على قانون الأسباب والمسبّبات، فلا بدّ لكلّ سبب من مسبّب، ولا يمكن لنا أن نجد في هذه الدنيا سبباً من دون مسبّب، فإذا نظرنا إلى الجوانب المادّية كخروج النبات من الأرض، فهو لا بدّ له من سبب أو علّة تامّة للإنبات، من الأرض الطيبة، والبذرة الصالحة ، والماء الجاري والهواء المعتدل ، والفاعل الطبيعيّ للزرع وغيرها من العوامل التي تجتمع فتكون علّة تامّة لخروج النبات المعلول ، الذي لا يمكنُ أن يتخلف عن علّته التامّة بعد توفّر أسبابها وشروطها. وهذا كلّه يعـَدّ ناتجاً طبيعيّاً لقانون الأسباب والمسبّبات الذي خلق الله الكون على أساسه. 

وقد ورد أنّ النطفة الحرام تفعل في صاحبها والمتخلّق منها الأفاعيل ، وهذا ناتج طبيعيّ لقانون الأسباب والمسبّبات، إذ أنيطت به هذه الحالة, وهو يعدّ كالمقتضي الذي هو جزء العلّة عند ابن الزنا في إستمالة قلبه إلى الحرام ، ولكنّه لا يعدُّ علّة تامّة لا يتخلـف عنها الأثر عن مؤثره ، بل يمكن إفتراض ظرف ما يمكن أن تتهيّأ فيه ظروف مناسبة لابن الزنا يكون فيها من أهل الصلاح والخير فلا يَحـنُّ إلى فعل الحرام. 

وفي نهاية المطاف ننقل لكم ما جاء عن الشيخ المجلسيّ رضوان الله تعالى عليه في تعليقه على هذه الأخبار كما في البحار (ج5/ص288-290), إذ يقول: بيان : هذا الخبر موافقٌ لما هو المشهور بين الإماميّة من أن ولد الزنا كسائر الناس مكلّف بأصول الدين وفروعه ، ويجري عليه أحكام المسلمين مع إظهار الإسلام ، ويثاب على الطاعات ويعاقب على المعاصي . ونُسب إلى الصدوق والسيّد المرتضى وابن إدريس رحمهم الله القول بكفره وإن لم يظهره ، وهذا مخالف لأصول أهل العدل, إذ لم يفعل باختياره ما يستحقّ به العقاب فيكون عذابه جوراً وظلماً ، والله ليس بظلّام للعبيد ، فأمّا الأخبار الواردة في ذلك فمنهم من حملها على أنّه يفعل باختياره ما يكفر بسببه ، فلذا حكم عليه بالكفر وأنّه لا يدخل الجنّة ، وأمّا ظاهراً فلا يحكم بكفره إلّا بعد ظهور ذلك منه. أقول : يمكن الجمع بين الأخبار على وجه آخر يوافق قانون العدل بأن يقال: لا يدخل ولد الزنا الجنّة ، لكن لا يعاقب في النار إلّا بعد أن يظهر منه ما يستحقّه ، ومع فعل الطاعة وعدم إرتكاب ما يحبطه يثاب في النار على ذلك ، ولا يلزم على الله أن يثيب الخلق في الجنّة ، ويدلّ عليه خبر عبد الله بن عجلان ، ولا ينافيه خبر ابن أبي يعفور, إذ ليس فيه تصريح بأنّ جزاءه يكون في الجنّة, وأمّا العمومات الدالّة على أنّ من يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله الله الجنّة يمكن أن تكون مخصّصة بتلك الأخبار ، وبالجملة فهذه المسألة مـمّا قد تحيّر فيه العقول ، وإرتاب به الفحول ، والكفُّ عن الخوض فيها أسلم، ولا نرى فيها شيئاً أحسن من أن يقال : الله أعلم. ودمتم سالمين.