هل قصص واخبار الأنبياء كانت معروفة عند العرب قبل الاسلام؟

هل قصص واخبار الأنبياء كانت معروفة عند العرب قبل الاسلام أي قول الله تعالى من انباء الغيب يقصد غيب عن النبي عليه الصلاة والسلام فقط أم غيب عن العرب كلهم في ذلك الوقت حيث إنه هناك أفكار تأتيني إن النبي تعلم هذه القصص من أحد في مكة ولماذا لم ينفي الله علم أحد بها إلا في سورة هود

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما جاءَ في القرآنِ من قصصِ الأممِ السّابقةِ وما وقعَ فيها مِن أحداثٍ إنّما يدلُّ على إتّصالِ الرّسولِ بالغيبِ؛ وذلكَ لكونِ تلكَ الأممِ لم يكُن لها إتّصالٌ مُباشرٌ بأهلِ الجزيرةِ العربيّة، ولم تكُن تلكَ الحقائقُ معلومةً لديها أو متداولةً ضمنَ الثّقافةِ المحليّةِ، وقد أثبتَ التاريخُ أنّ أشعارَ العربِ وأمثالهم والقصصَ المُتداولةَ بينَهم خاليةٌ مِن ذكرِ تلكَ الوقائعِ، ومِن هُنا تُعدُّ القصصُ القُرآنيّةُ واحدةً منَ الإعجازاتِ الدّالّةِ على كونِ القرآنِ وحياً منَ اللهِ تعالى، قالَ تعالى: (ذلكَ مِن أنباءِ الغيبِ نوحيهِ إليكَ وما كنتَ لديهم إذ يُلقونَ أقلامَهُم أيّهُم يكفلُ مريم وما كنتَ لديهم إذ يختصمونَ)، وقولُه سبحانه: (ذلكَ مِن أنباءِ الغيبِ نوحيهِ إليكَ وما كنتَ لديهم إذ أجمعُوا أمرَهُم وهُم يمكرونَ). وعليهِ إنَّ مصدرَ كلَّ تلكَ القصصِ وما فيها مِن تفاصيلَ دقيقةٍ هوَ الوحيُ الإلهيّ وهذا ما يؤكّدُه قوله تعالى: (تلكَ مِن أنباءِ الغيبِ نوحيها إليكَ ما كنتَ تعلمُها أنتَ ولا قومُك مِن قبلِ هذا).

أمّا شبهةُ أنّ الرّسولَ قد تعلّمَ ذلكَ مِن أهلِ الكتابِ، فلا يمكنُ قبولُها وذلكَ أوّلاً: لعدمِ وجودِ شاهدٍ تاريخيٍّ يثبتُ تتلمذَ الرّسولِ على يدِ أحدِ أحبارهم، أو إطلاعِه على كُتبِهم والأخذِ منها، ثانياً: لو كانَ ذلكَ قَد حصلَ لعملَ أهلُ الكتابِ على فضحِ أمرِه وهُم الذينَ يُكنّونَ لهُ ولدعوتِه العداءَ الشّديدَ، فلَم يدّعِ أحدُهم قيامَه بتعليمِه أيّاً مِن تلكَ العلومِ. ثالثاً: إنَّ القُرآنَ الكريمَ فضحَ اليهودَ والنّصارى وأبطلَ مُعتقداتِهم وفنّدَ مزاعمَهم وذمّهم في كثيرٍ منَ الآياتِ كما في قولِه تعالى: (يا أهلَ الكتابِ لا تغلوا في دينِكم ولا تقولوا على اللهِ إلّا الحقّ إنّما المسيحُ عيسى إبنُ مريم رسولُ اللهِ وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه فآمنُوا باللهِ ورسلِه ولا تقولوا ثلاثةٌ إنتهوا خيرٌ لكُم إنّما اللهُ إلهٌ واحدٌ سُبحانَه أن يكونَ له ولدٌ لهُ ما في السّماواتِ وما في الأرضِ وكفى باللهِ وكيلاً). رابعاً: المقارنةُ بينَ ما جاءَ في كتبِ أهلِ الكتابِ مِن قصصِ الأممِ السّابقةِ مع ما جاءَ في القرآنِ الكريمِ كافٍ لإثباتِ البونِ الشّاسعِ بينَهُما، وإنّها لا يمكنُ أن تكونَ مصدراً لِما في القرآنِ الكريمِ، قالَ تعالى: (ولقد نعلمُ أنّهم يقولونَ إنّما يعلّمُه بشرٌ لسانُ الذي يلحدونَ إليه أعجميّ وهذا لسانٌ عربيّ). فقد إمتلأت كتبُ أهلِ الكتابِ بالخرافاتِ والأساطيرِ التي بعضُها مُخالفٌ لأبسطِ القيمِ والأحكامِ الشّرعيّةِ، مضافاً إلى أنّها تفتقدُ للواقعيّةِ والموضوعيّةِ، بخلافِ ما جاءَ في القرآنِ مِن تفاصيلَ تجعلُ المُطّلعَ عليها يتفاعلُ مع أحداثِها وكأنّهُ يعيشُ معَ أصحابِها، فقصصُ القرآنِ مضافاً إلى أنّها تنقلُ لنا أحداثَ القرونِ الماضيةِ بكلِّ واقعيّةٍ وموضوعيّةٍ كذلكَ تستبطنُ مجموعةً منَ العبرِ والقيمِ والسّننِ التاريخيّةِ التي نحتاجُ معرفتَها مِن أجلِ حياتنا الرّاهنةَ، فهيَ ما زالَت مُتفاعلةً معَ مُجرياتِ الحياةِ التي نشهدُها ونعيشُ فيها. كلُّ ذلكَ يدلُّ على أنَّ ما في القرآنِ وحيٌ منَ اللهِ تعالى مِن أجلِ بيانِ الحقائقِ وهدايةِ النّاسِ إلى الصّراطِ المُستقيم. 

أمّا قولُ السّائلِ (أنّه هناكَ أفكارٌ تأتيني أنَّ النّبيّ تعلّمَ هذهِ القِصصَ مِن أحدٍ في مكّةَ) هذهِ لا تُسمّى أفكاراً وإنّما تُسمّى وساوسَ لأنَّ الأفكارَ هيَ التي ترتكزُ على مُعطياتٍ ومُبرّراٍت عُقلائيّةٍ أمّا مُجرّدُ الإحتمالاتِ والفروضِ الإعتباطيّةِ فهي ليسَت إلّا تخرّصاتٍ، ومِن هُنا عليهِ ألّا يسترسلَ معَ هذهِ الوساوسِ ويستغفرَ اللهَ مِن عملِ الشيطان. أمّا قوله: (ولماذا لم ينفِ اللهُ علمَ أحدٍ بها إلّا في سورةِ هود) أوّلاً: وجودُ آيةٍ واحدةٍ كافٍ، ثانياً: القرآنُ كلّهُ شاهدٌ على كونِه كتاباً منَ اللهِ، ثالثاً: كونُ العربِ قبلَ الإسلامِ يعيشونَ جاهليّةً عمياءَ لا يعرفونَ شيئاً منَ العلومِ والمعارفِ منَ الأمورِ البديهيّةِ وإثباتُها لا يحتاجُ حشدَ القرآنِ بالآياتِ التي تدلُّ على ذلك.