مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ.
عَقِيْلَةُ الطَّالِبِيِّيْنَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ .. وَفَّقَكُمْ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ خَيْرٍ وَجَعَلَ عَمَلَكُمْ فِي مِيْزَانِ حَسَنَاتِكُمْ قَامَ أَحَدُ الأُخْوَةِ السُّنَّةِ بِنَشْرِ مَنْشُوْرٍ عَنْ أَخْلَاقِ أَبي جَهْلٍ وَأَبي سُفْيَانَ فِي العَصْرِ الجَاهِلِيِّ وَانْتَقَدَ أَخْلَاقَ المُسْلِمِيْنَ فِي هَذَا العَصْرِ وَعِنْدَمَا قُمْتُ بِتَوْبِيْخِهِ عَلَى مَنْشُوْرِهِ وَعَرْضِ تَارِيْخِ أَبِي سُفْيَانَ وَبَنِي أُمَيَّةَ وَجَرَّدّْتُهُمْ مِنَ الأَخْلَاقِ. قَامَ باِلرَّدِّ: نَعَمْ رُغْمَ عُيُوْبِهِمْ لَكِنْ عِنْدَهُمْ أَخْلَاقٌ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ. أُرِيْدُ إِقْنَاعَهُ أَنَّ فَهْمَهُ لِأَخْلَاقِ العَصْرِ الجَاهِلِيِّ كُلُّهَا خَطَأٌ وَالخَطَأُ الأَكْبَرُ هُوَ إعْتِقَادُهُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ هُوَ تَمَّمَ أَخْلَاقَ العَصْرِ الجَاهِلِيِّ. سُؤَالِي هُوَ: مَا هِيَ الأَخْلَاقُ الَّتِي تَمَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَأَخْلَاقُ مَنْ تَمَّمَهَا بِقَوْلِهِ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ. وَجَزَاكُمْ اللهُ خَيْرَ الجَزَاءِ.
الأَخُ المحترم، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
مَكَارِمُ الأَخْلَاقِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الإِسْلَامِ وَبُعِثَ لِيُكَمِّلَهَا إِنَّمَا هِيَ بَعْضُ الأَخْلَاقِ الحَمِيْدَةِ الإِنْسَانِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ النَّوْعِيَّةِ وَلَيْسَتِ الشَّخْصِيَّةِ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ مَدْحُ جَمِيْعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلَا أَشْخَاصَاً بِعَيْنِهِمْ كَمِصْدَاقٍ تَتَحَقَّقُ فِيْهِ تِلْكَ الأَخْلَاقُ المَمْدُوْحَةُ فالأَخْلَاقُ العَامَّةُ المُتَعَارَفَةُ حِيْنَهَا عِنْدَ العَرَبِ كَانَتْ بَعْضُهَا جَيِّدَةً وَتَسْتَحِقُّ الاحْتِرَامَ وَالتَّقْدِيْرَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَخْلَاقَ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ كَانَ البَعْضُ مِنْهَا مَحْمُوْدَاً مَمْدُوْحَاً وَالبَعْضُ الآَخَرُ مِنْهَا مَذْمُوْمَاً سَيِّئَاً لَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيْرِهِ وَإِصْلَاحِهِ.
وَبِالتَّالِي فَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْلٍ إرْتَكَبُوا الكَثِيْرَ مِنَ الأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ فَهُمْ يَسْتَحِقُّوْنَ الذَّمَّ لَا المَدْحَ.
فَهُمَا مِمَّنْ شَارَكَ بِجَرِيْمَةِ ضَرْبِ الحِصَارِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ وَبَنِي هَاشِمٍ عُمُوْمَاً وَعَزْلِهِمْ وَالتَّضْيِيْقِ عَلَيْهِمْ وَمَنْعِ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ وَأَذِيَّتِهِمْ وَقَطْعِ الصِّلَةِ بِهِمْ عَلَى جَمِيْعِ المُسْتَوَيَاتِ. وَهُمَا مِمَّنْ شَارَكَ وَقَرَّرَ وَخَطَّطَ لِقَتْلِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) وَاغْتِيَالِهِ. وَهُمَا مِمَّنْ شَارَكَ فِي تَتَبُّعِ النَّبِيِّ الأَعْظَمِ وَالبَحْثِ عَنْهُ وَمُطَارَدَتِهِ لِقَتْلِهِ وَمَنْعِهِ مِنَ الهِجْرَةِ. وَهُمَا مِمَّنْ حَارَبَ رَسُوْلَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) وَلَاحَقَهُ بَعْدَ هِجْرَتِهِ وَأَجْبَرَهُ عَلَى تَرْكِ وَطَنِهِ وَوَطَنِ آَبَائِهِ. وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الكَافِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ: النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ فَمَنْ كَانَ لَهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَصْلٌ فَلَهُ فِي الإِسْلَامِ أَصْلٌ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ جَاهِلِيٍّ يَمْتَلِكُ أَخْلَاقَاً مَحْمُوْدَةً بَلْ يَكُوْنُ الشَّخْصُ بِحَسَبِ أَصْلِهِ وَمَعْدَنِهِ, وَقَوْلُهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ, وَلَمْ يَقُلْ لِأُتَمِّمَ الأَخْلَاقَ يَتَبَيَّنُ مِنْهُ وُجُوْدُ أَخْلَاقٍ جَيِّدَةٍ أَتَمَّهَا رَسُوْلُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) وَلَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ كُلِّ أَخْلَاقِ النَّاسِ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ جَيِّدَةً وَمَمْدُوْحَةً وَلَكِنَّ الإِسْلَامَ لَمْ يَتَنَكَّرْ وَلَمْ يُغَيِّرْ جَمِيْعَ الأَخْلَاقِ جُمْلَةً وَتَفْصِيْلَاً وَإِنَّمَا كَانَتْ هُنَالِكَ أَخْلَاقٌ كَرِيْمَةٌ أَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا الإِسْلَامُ عَلَى أتَمِّ وَأَحْسَنِ وَجْهٍ. أَمَّا الأَخْلَاقُ الَّتِي تَمَّمَهَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ) وَكَانَتْ مَوْجُوْدَةً حِيْنَهَا وَمُنْتَشِرَةً عِنْدَهُمْ كَالقَانُوْنِ هِيَ مِثْلُ حُسْنِ الجِوَارِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ وَالشَّهَامَةِ وَالغِيْرَةِ وَالنَّخْوَةِ وَحِفْظِ العُهُوْدِ وَالوُعُوْدِ وَالكَلِمَةِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَالأَدَبِ وَالشِّعْرِ وَالخَطَابَةِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ.
ودُمتُم سالِمِينَ
اترك تعليق